و عن كتاب مصباح الأنوار و كتاب المحتضر للحسن بن سليمان، نقلا من كتاب الفردوس، رفعه باسناده عن ابن عباس: ان النبى (صلى الله عليه و آله) قال لعلى (عليه السلام): «يا على ان الله عز و جل زوجك فاطمه و جعل صداقها الأرض،فمن مشى عليها مبغضا لك مشى عليها حراما. و مثله فى كشف الغمه
[ كتاب المحتضر ص 133، كشف الغمه ج 1 ص 472، البحار ج 43 ص 141 ح 37 و ص 145 ح 49 فراجع.]
و فى المناقب لابن شهر آشوب: عن الحسين بن على (عليهماالسلام) فى خبر: زوج النبى (صلى الله عليه و آله) فاطمه عليا على أربعمائه و ثمانين درهما.
و فى أمالى الطوسى: عن الحسين بن ابراهيم الزوينين، مرفوعا، الى أبى بصير عن أبى عبدالله (عليه السلام) قال: ان الله تبارك و تعالى أمهر فاطمه (عليهاالسلام) ربع الدنى، فربعها لها و أمهرها الجنه و النار، تدخل أعدءها النار و تدخل أولياءها الجنه، و هى الصديقه الكبرى و على معرفتها دارت القرون الاولى
[ أمالى الطوسى ج 2 ص 280، البحار ج 43 ص 105 حديث 19.]
درس عملى
الاسلام لا يرى من صلاح الامه أن تعقد على المهور العاليه، اذا ما رضوا بدين الرجل و خلقه.
قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «أفضل نساء امتى أقلهن مهرا»
[ الوافى كتاب النكاح ص 15.]
و قال الامام الصادق (عليه السلام): «شؤم المرأه فى كثره صداقها».
يعتقد الاسلام أن المسابقه فى ازدياد المهور تصعب الحياه على الناس و تخلق للامه مشاكل كبيره.
فلابد من استماله الشباب لبناء الاسره- من خلال تسهيل أمر الزواج- لنتقى الآف المفاسد الاجتماعيه و الأمراض الروحيه.
المهور العاليه تثقل ميزانيه الزوج و تزلزل وضعه الاقتصادى فى ابان حياته، و تؤثر على المحبه و الصفاء بين الزوجين، فينفر الشباب من الزواج.
و النبى الأكرم (صلى الله عليه و آله) زوج ابنته العزيزه بذلك المهر التواضع، من على بن أبى طالب (عليه السلام) و لم يجعل فى ذمته شيئا- و لو بعنوان الدين- كى يفهم الناس عمليا أن المهور الثقيله العاليه ليست فى صالح الامه واقعا.
جهاز الزهراء
أقبل رسول الله (صلى الله عليه و آله) فقال لعلى:
«يا أباالحسن انطلق الآن فبع درعك، و ائتنى بثمنه، حتى أهيى لك و لابنتى فاطمه ما يصلحكما».
قال على: «فانطلقت فبعثه باربعمائه درهم سود هجريه (وروى 408، وروى 500)، و أقبلت الى رسول الله (صلى الله عليه و آله) فطرحت الدراهم بين يديه، فأعطى قبضه الى ام سلمه للطعام، و أنفذ عمارا و أبابكر و بلالا لا بتياع ما يصلحها».
و كان ما اشتروه:
1- قميصا.
2- خمارا.
3- قطيفه سوداء خيبريه.
4- سريرا مزملا بشريط.
5- فرشين من خيش
[ الخيش: نسيخ من الكتان.] مصر، حشو أحدهما ليف،و حشو الآخر من جز الغنم.
6- أربع مرافق من أدم الطائف، حشوها اذخز
[ الاذخر: حشيش طيب الريح.]
7- سترا من صوف.
8- حصيرا هجريا.
9- رحا لليد.
10- سقاء من أدم.
11- مخضبا من نحاس
[ المخضب: و عاء لغسل الثياب أو خضبها.]
12- قعبا للبن
[ القعب: القدح الضخم الغليظ.]
13- شنا للماء
[ الشن القربه الصغيره.]
14- مطهره مزفته
[ مزفته، مطيله بالزفت و هو نوع من القير.]
15- جره خضراء.
16- كيزان خزف.
17- نطعا من أدم.
18- عباءه.
19- قربه ماء.
قالوا: و حملناه جميعا حتى وضعناه بين يدى رسول الله (صلى الله عليه و آله )،فلما نظر اليه بكى و جرت دموعه، ثم رفع رأسه الى السماء و قال:
«اللهم بارك لقوم جل آنيتهم الخزف»
[ مناقب ابن شهر آشوب 3/ 353. كشف الغمه 1/ 359.]
أثاث بيت الامام على
و كان من تجهز على داره:
1- انتشار رمل لين. (فرش (عليه السلام) بيته بالرمل).
2- نصب خشبه من حائط الى حائط للثياب.
3- بسط اهاب كبش.
4- منخل.
5- قربه للماء
[ بحارالأنوار 43/ 114. الماقب لابن شهر آشوب 3/ 35.]
و عن أبى يزيد قال: لما اهديت فاطمه الى على لم تجد عنده الا رملا مبسوطا و وساده، و جره و كوزا
[ المناقب لأحمد بن حنبل.]
درس عام للمسلمين جميعا
كان زواج الزهراء؟ (عليهاالسلام) نموذجا فريدا للزواج الاسلامى، و ذلك لأن أركانه، على و فاطمه، و محمد (صلى الله عليه و آله).
فالزوج: على (عليه السلام) أوسط العرب نسبا، و أعظمهم شرفا و شجاعه و علما، خليفه رسول الله (صلى الله عليه و آله) و وزيره، بطل الاسلام و قطب الرحى فى حروب المسلمين و معاركهم.
و الزوجه: فاطمه بنت محمد (صلى الله عليه و آله) أكمل النساء عقلا و أشرفهن حسبا و نسبا، و أجملهن خلقا، و أحسنهن خلقا، و احدى النساء الأربعه اللواتى فضلهن الله على نساء العالمين.
و أبوها: رسول الله (صلى الله عليه و آله)، الرجل الأول فى الجزيره العربيه، بل فى الدنيا كلها، حبيب الله وصفيه، و خيرته من خلقه.
جهاز بسيط مر ذكره، أشترى من صداق الزهراء (عليهاالسلام) و ليس من أموال أبيها، و وليمه متواضعه- كما سيأتى- لا بذخ فيها و لا اسراف.
أليس زواج الزهراء (عليهاالسلام)- المرأه النموذجيه فى الاسلام- زوجا نموذجيا، و درسا توجيهيا، و قدوه صالحه لكل المسلمين؟!
أو لم يتمكن الرسول (صلى الله عليه و آله)- كأى أب يريد أن تنتقل ابنته الى بيت الزوجيه، مرفوعه الرأس عزيزه- أن يشترى للزهراء (عليهاالسلام) أفخر الأثاث و اللباس، و يولهم أعظم وليمه و يقول: انى شريف قومى، و ابنتى خير النساء، و صهرى زين الرجال، و لابد أن اراعى شأنى و ما يناسبنى، و أبذال لوحيدتى ما يبذل لمثلها فى ذلك الزمان؟! و لو جر ذلك دينا ثقيلا.
لم يفعل الرسول (صلى الله عليه و آله) شيئا من ذلك- و حاشاه أن يفعل- هو يعرف الأضرار و المفاسد التى تترتب على ارتقاع المهور و زياده كلفه الزواج، و يعرف البلاء الذى سيعم بلاد المسلمين اذا أصيبوا بهذا المرض من الفقر، و الخسران، و الانكسار الاقتصادى، و كثره الطلاق، و تخدش العواطف، و تنصل الشباب عن مسؤولياتهم و عزوفهم عن بناء الأسره الاسلاميه، و انتشار العزوبه بين الشباب و الفتيات، فتفشو الجريمه، و تزداد الجنايات، و تشيع الفاحشه و الأمراض الاجتماعيه و النفسيه و العصبيه.
و لهذا كان زواج الزهراء (عليهاالسلام) النموذج الأمثل، بسيطا لا تكلف فيه و لا اسراف، ليكون درسا عمليا و علاجا ناجحا و طريقا واضحا للمسلمين عموما، و للمتصدين لا داره شؤونهم خاصه.
و على (عليه السلام)- أيضا- لم يتزوج للمال و الثروه، كسائر الشبان، فاذا ما وجدوا قصورا ماديا فى اسره الزوجه حولوا الحياه الوديعه الى جحيم لا يطاق، و صبوا جام غضبهم على الزوجه البريئه، و زلزلوا البيت تحت أقدامهم، و استبدلوا الحنان و الدف ء، بالقسوه و البرود، و الهدوء فى الحياه الزوجيه الى صخب و ضجيج، و حولوا البيت الى سجن يختاره الزوجان بمل ء ارادتها.
على (عليه السلام) الامام و القدره المدخر لغد المسلمين، حارب الأفكار الباليه، و طمس المعالم المغلوطه فهزمها، و ما قيمه المال فى نظره الشريف؟!
مفاوضات الزفاف
قال على (عليه السلام): «و مكثت بعد ذلك شهرا لا اعاود رسول الله (صلى الله عليه و آله) فى أمر فاطمه بشى ء- استحياء من رسول الله (صلى الله عليه و آله) غير أنى كنت اذا خلوت برسول الله (صلى الله عليه و آله) يقول لى:
يا أباالحسن ما أحسن زوجتك و أجملها! أبشر يا أباالحسن فقد زوجتك سيده نساء العالمين».
فقال على (عليه السلام): «فلما كان بعد شهر دخل على أخى عقيل فقال: يا أخى ما فرحت بشى ء كفرحى بتزويجك فاطمه بنت محمد (صلى الله عليه و آله): يا أخى، فما بالك لاتسال رسول الله (صلى الله عليه و آله) يدخلها عليك؟ فتقر عينا باجتماع شملكما».
قال على: «والله يا أخى انى لأحب و ما يمنعنى من مسألته الا الحياء منه».
فقال: أقسمت عليك الا قمت معى؛ فقمنا نريد رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فلقينتا فى طريقنا بركه (ام أيمن)- مولاه رسول الله (صلى الله عليه و آله)- فذكرنا ذلك لها.
فقالت: لا تفعل ودعنا نحن نكلمه، فان كلام النساء فى هذا الأمر أحسن و أوقع بقلوب الرجال.
ثم انثنت راجعه فدخلت الى ام سلمه فأعلمتها بذلك و أعلمت نساء النبى (صلى الله عليه و آله) فاجتمعن عند رسول الله (صلى الله عليه و آله) فأحدقن به و قلن- و الكلام لا يزال لام سلمه (ام المؤمنين)-.
فديناك بآبائنا و امهاتنا- يا رسول الله- قد اجتمعنا لأمر لو أن خديجه فى الاحياء لقرت بذلك عينها. قالت ام سلمه: فلما ذكرنا خديجه بكى رسول الله (صلى الله عليه و آله).
ثم قال: «خديجه، و أين مثل خديجه؟ صدقتنى حين كذبنى الناس، و وازرتنى على دين الله، و أعانتنى عليه بمالها، ان الله- عز و جل- أمرنى أن ابشر خديجه ببيت فى الجنه من قصب (الزمرد) لا صخب فيه و لا تعب».
قالت ام سلمه: فقلنا فديناك بآبائنا و امهاتنا، يا رسول الله: انك لم تذكر من خديجه أمرا الا و قد كانت كذلك، غير أنها قد مضت الى ربها، فهنأها الله بذلك، و جمع بيننا و بينهما فى درجات جنته و رضوانه و رحمته.
يا رسول الله، و هذا أخوك فى الدين، و ابن عمك فى النسب، على بن أبى طالب، يحب أن تدخل عليه زوجته فاطمه، و تجمع بها شمله.
فقال: «يا ام سلمه، فما بال على لا يسألنى ذلك؟».
فقلت: يمنعه الحياء منك يا رسول الله.
قالت ام أيمن: فقال لى رسول الله (صلى الله عليه و آله): «انطلقى الى على فاتينى به».
فخرجت من عند رسول الله (صلى الله عليه و آله) فاذا على ينتظرنى ليسألنى عن جواب رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فلما رآنى قال: ما وراءك يا ام أيمن؟».
قلت: أجب رسول الله.
قال (عليه السلام): فدخلت عليه و قمن أزواجه فدخلن البيت، و جلست بين يديه، مطرقا نحو الأرض حياء منه»، فقال: «أتحب أن تدخل عليك زوجتك؟».
فقلت- و أنا مطرق-: «نعم، فداك أبى و امى».
فقال: «نعم و كرامه، يا أباالحسن! أدخلها عليك فى ليلتنا هذه أو فى ليله غد ان شاءالله».
فقمت فرحا مسرورا، و أمر (صلى الله عليه و آله) أزواجه أن يزين فاطمه
(عليهاالسلام) و يطيبنها و يفرشن لها بيتا ليدخلنها على بعلها ففعلن ذلك
[ البحار 43/ 130- 132.]
وروى المجلسى فى بحاره أيضا (43/ 95):
قال على (عليه السلام): «فأقمت بعد ذلك شهرا اصلى مع رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و أرجع الى منزلى، و لا أذكر شيئا من أمر فاطمه (عليهاالسلام)،ثم قلن أزواج رسول الله (صلى الله عليه و آله): ألا نطلب لك من رسول الله (صلى الله عليه و آله) دخول فاطمه عليك؟ فقلت: أفعن»، فدخلن عليه فقالت ام أيمن
[ حاضنه النبى و خادمته- اسمها بركه- و هى نوبيه و لكن الروايات الصحيحه- ام سلمه- هى التى فاتحت النبى.] : يا رسول الله لو أن خديجه باقيه لقرت عينها بزفاف فاطمه و ان عليا يريد أهله، فقر عين فاطمه ببعلها و اجمع شملها و قر عيوننا بذلك.
فقال (صلى الله عليه و آله): فما بال على لا يطلب منى زوجته، فقد كنا نتوقع ذلك منه».
قال على: فقلت: «الحياء يمنعنى يا رسول الله».
فالتفت الى النساء فقال: «من هاهنا؟».
فقالت ام سلمه: أنا ام سلمه و هذه زينب، و هذه فلانه و فلانه، فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «هيئوا لابنتى و ابن عمى فى حجرى بيتا».
فقالت ام سلمه: فى أى حجر يا رسول الله؟
فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «فى حجرتك و أمر نساءه أن يزين ( فاطمه) و يصحلن من شأنها».
قالت ام سلمه: فسألن فاطمه: هل عندك طيب ادخرتيه لنفسك؟
قالت: «نعم»، فأتت بقاروره فكسبت منها فى راحتى فشممت منها رائحه ما شممت مثله قط.