فقال لها: «أما والله لو علمت ودى لها. اذن لأزددت لها حبا... فاطمه حوراء أنسيه، فاذا اشتقت الى رائحه الجنه شممت ابنتى فاطمه (صلى الله عليها و على أبيها و بعلها)» [ كشف الغمه 2/ 85.]
و سأله على (عليه السلام) يوما، فقال: «يا رسول الله، أنا أحب اليك أم فاطمه؟».
فقال: «أنت عندى أعز منها، و هى أحب منك» [ كشف الغه 2/ 88.]
وروى عنها (عليهاالسلام) قالت: «لما نزلت (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا) رغب رسول الله (صلى الله عليه و آله) أن أقول له: يا أبه، فكنت أقول يا رسول الله، فأعرض عنى مره أو اثنتين أو ثلاثا، ثم أقبل على فقال: يا فاطمه! انها لم تنزل فيك و لا فى نسلك، و أنت منى و أنا منك، انما نزلت فى أهل الجفاء من قريش، قولى: يا ابه، فانها أحيى للقلب و أرضى للرب» [ بيت الاحزان/ 19.]
و سئلت عائشه: من كان أحب الناس الى رسول الله (صلى الله عليه و آله)؟
فقالت: فاطمه.
قيل: انما اسأيك عن الرجال!
قال: زوجها [ كشف الغمه 2/ 88.]
و عن حذيفه قال: كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) لا ينام حتى يقبل عرض وجه فاطمه [ كشف الغمه 2/ 93.]
و كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) اذا سافر، فآخر عهده اتيان فاطمه، و أول من يدخل عليه اذا قدم فاطمه [ مناقب شهر آشوب 3/ 332.]
و يقول النبى (صلى الله عليه و آله): «فاطمه بضعه منى، من سرها فقد سرنى، و من ساءها فقد ساءنى، فاطمه أعز البريه على».
لا شك أن النبى (صلى الله عليه و آله) كان يحب فاطمه حبا جما حتى عذله بعض فى ذلك. و الحب عند النبى ليس حبا أعمى (و العياذ بالله) لأنه (صلى الله عليه و آله) (لعلى خلق عظيم) [ سوره القلم: 4.] و (و ما ينطق عن الهوى ان هو الا وحى يوحى) [ سوره النجم: 3- 4.] و انما كان يحب فاطمه كل هذا الحب، لعلمه بمقامها الشامخ، و لأنها ام الأئمه و منبع الولايه و الامامه، انها المرأه النموذيجه فى الاسلام، و المعصومه من كل ذنب و دنس، و لا يعرفها حق المعرفه الا الله و رسوله و على، و هى الاشعاع الملائكى فى الأرض، و بعث النور السماوى الملكوتى التى يشم فيها الرسول (صلى الله عليه و آله) رائحه الجنه كلما اشتقها.
حياتها الشاقه
عن سويد بن غفله قال: أصابت عليا (عليه السلام) شده فؤتت فاطمه (عليهاالسلام)رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فدقت الباب، فقال: «أسمع حس حبيبتى بالباب يا ام أيمن قومى و انظرى»، ففتحت لها الباب فدخلت، فقال (صلى الله عليه و آله): «لقد جاءتنا فى وقت ما كانت تأتينا فى مثله؟».
فقالت فاطمه (عليهاالسلام): «يا رسول الله ما طعام الملائكه عند ربنا؟».
فقال: «التحميد».
فقالت: «ما طعامنا».
قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «والذى نفسى بيده ما اقتبس فى آل محمد شهرا نارا، و أعملك خمس كلمات علمنيهن جبرئيل (عليه السلام)».
قلت: «يا رسول الله و ما الخمس كلمات؟».
قال: «يا رب الأولين، و الآخرين، يا ذا القوه المتين، و يا راحم المساكين، و يا أرحم الراحمين». و رجعت.
فلما أبصرها على (عليه السلام) قال: «بأبى أنت و أمى، ما وراءك يا فاطمه؟».
قالت: «ذهبت للدنيا و جئت بالآخره».
قال على (عليه السلام): «خيرا أمامك، خيرا أمامك» [ البحار 43/ 152.]
و ذات يوم عاد رسول الله (صلى الله عليه و آله) فاطمه (عليهاالسلام) فى
وجع لها فقال: «يا بنيه كيف تجدينك؟».
قالت: «انى لوجعه و انه ليزيدنى وجعا أن ليس لى طعام آكله».
فقال: «أما ترضين أنك سيده نساء العالمين؟!» [ نظم درر السمطين/ 179.]
و عن أسماء بنت عميس عن فاطمه بنت رسول الله (عليهاالسلام): «أن الرسول (صلى الله عليه و آله) أتى يوما فقال: أين ابناى حسنا و حسينا؟».
قالت: أصبحنا و ليس عندنا فى بيتنا شيئا يذوقه ذائق».
فقال على: «أذهب بهما الى فلان».
فتوجه اليهما رسول الله (صلى الله عليه و آله) فوجدهما يلعبان فى مشربه بين أيديهما فضل من تمر. فقال: يا على، ألا تقلب ابنى قبل أن يشتد الحر عليهما؟
قال: فقال على: «أصبحنا و ليس فى بيتنا شى ء، فلو جلست يا رسول الله حتى أجمع لفاطمه تمرات»، فلما اجتمع له شى ء من التمر، جعله فى حجره ثم عاد الى البيت [ ذخائر العقبى/ 49.]
و عن عمران بن حصين قال: كنت مع النبى (صلى الله عليه و آله) جالسا اذ أقبلت فاطمه فوقفت بين يديه فنظر اليها و قد غلبت الصفره على وجهها، و ذهب الدم من شده الجوع، فقال: «ادنى يا فاطمه»، فدنت ثم قال: «ادنى يا فاطمه»، فدنت حتى وقفت بين يديه، فوضع يده على صدرها فى موضع القلاده و فرج بين أصابعه ثم قال:
«اللهم مشبع الجاعه و رافع الوضعه لا تجع فاطمه بنت محمد» [ نظم درر السمطين/ 191.]
الدعوه بالعمل
قال الشيخ ابراهيم الأمينى:
ان التاريخ العام و الروايات تشهد أن حياه شخصيات الطراز الأول فى الاسلام- محمد (صلى الله عليه و آله)، و على (عليه السلام)، و فاطمه (عليهاالسلام)- كانت بسيطه جدا و كثيرا ما تتخللها الصعوبات و المشقات، و لا غرابه فى ذلك، اذا ما أخذنا الوضع العام للمسلمين- فى زمانهم- بنظر الاعتبار، لأن الأكثريه الساحقه كانت من الفقراء و المعدمين، و الأقليه القليله التى كانت تتمتع بشى ء من الغنى النسبى، اضطرت- تحت الضغوط و فرارا بالدين- الى ترك مكه و الهجره الى المدينه المنوره.
و المجتمع المدنى لا يخلف عن المجتمع المكى، سوى أن الأقليه المسلمه التى كانت تتمتع بالغنى النسبى، اضطرت- هنا- الى مديد العون و المساعده للمهاجرين، و تقديم كل ما بوسعهم لهم و مواساتهم تكريما لهم.
ثم ان الاسلام و المسلمين كانوا يمرون بأزمه حاده، و منادى الجهاد يدعوهم للتعبئه العامه دائما، و هم فى حاله انذار قصوى و انشغال بالحرب و الدفاع، و لهذا كان من الصبوعه بمكان انتعاش الوضع الاقتصادى و دعمه.
و حياه أهل البيت (عليهم السلام) كانت مواساه للفقراء و المساكين، و ترفعا عن الترف و الترهل، فذلك لا يليق بهم و لا يناسبهم، مع أن النبى الأكرم (صلى الله عليه و آله) و الامام عليا (عليه السلام) كانا يعملان بيديهما و لهما سهم فى الغنائم- كسائر المسلمين- و يمكنهما أن يعيشا فى سعه أفضل حياه.
و لكن كيف يشبع الرسول (صلى الله عليه و آله) و صهره و ابنته و بطون فقراء المدينه غرثى و صرخاتهم مدويه؟!
و كيف يلبسون الثياب الفاخره و فى المسلمين من يجلس عاريا فى المسجد؟!
و كيف يشبع الحسنان و أطفال المسلمين جياع و هما يسمعان أنينهم؟!
لقد اقتحمت جماهير المسلمين المستضعفه ميادين التضحيه و المعارك، و قدموا أرواحهم فى سبيل الأهداف الرساليه المقدسه، و هم بعد لم يدركوا معنى الوحى جيدا، و لا زالوا فى أول عهدهم بالاسلام، و لا زالت عقولهم فى عيونهم.
ذلك لأن النبى (صلى الله عليه و آله) نفذ و هيمن على قلوبهم و أرواحهم و لانه (صلى الله عليه و آله) و أهل بيته الطاهرين- على و فاطمه (عليهماالسلام)- واسوا سائر المسلمين جاعوا حين جاعوا، و تألموا حين تألموا، و حرموا حين حرموا، و كانوا أول من يعمل بما يقولونه نموذجا عليما و تجسيدا حيا للأوامر قولا و فعلا و لقد دعوا الناس بأعمالهم و سلوكهم الى الاسلام و التضحيه و العطاء [ انظر: فاطمه الزهراء (عليهاالسلام) أبراهيم أمينى/ تعريب على جمال الحسينى.]
عصمة الزهراء
تطلق كلمه المعصوم فى اللغه على الممنوع المحفوظ.
و فى الاصطلاح تطلق على من لا يخطى ء و لا يسهو و لا يذنب، و له بصيره نافذه يرى من خلالها حقائق الكون بالمشاهده و العيان، فلا عصيان و لا اثم و لا خطأ و لا سهو فى ساحه وجوده المقدس، لعلاقته الوثيقه بعالم الملكوت و لتسديده الغيبى، و قد ذكروا أدله و براهين عقيله و نقليه لاثبات مقام العصمه الرفيع للأنبياء و المرسلين (عليهم السلام).
و يعتقد الاماميه بعصمه أوصياء النبى (صلى الله عليه و آله) و خلفائه- الأئمه الأثنى عشر- أيضا و يقيمون الأدله و البراهين الكافيه على ذلك.
و لا نريد التعرض لمباحث الامامه خوفا من الاطاله ولئلا نبتعد عن محور البحث المقصود.
و كذلك الأمر فى عصمه الزهراء (عليهاالسلام). و لكننا سوف نذكر هنا شيئا يسيرا فى عصمتها (عليهاالسلام) و نحيل القارى الكريم على المطولات.
الدليل الأول: آيه تطهير.
قوله سبحانه و تعالى فى كتابه المجيد (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا) (الاحزاب: 33).
ليس من شك و لا شبهه ان حديث نزول آيه التطهير فى أهل البيت (عليهم السلام) أو ما أطلق عليه العلماء و المحدثون اسم (حديث كساء). قد روى بطرق لا تحصى حتى جاوز حد التواتر، و بلغ من الشهره و الثبوت بحيث لم يبق سبيلا أمام أى عالم، أو باحث، أو محقق منصف الا صدقه و أذعن لفحواه، بل أدى هذا التواتر الى انكباب كبار الحفاظ و أجله العلماء و ثقاه الرواه الى روايته و حفظه و دراسته، و التصدى له بالتأليف و التصنيف، و حرك فى صيارفه القول و صاغه القريض و الشعراء البارعين روح الابداع، فنظموه فى
قصائد عصماء و أراجيز بديعه، سار ذكرها مع الركبان، و حكاها مهره الفن و أئمه النقل، بأقلامهم السياله.
و قد ورد فى أحاديث كثيره- من طرق العامه و الخاصه كما ذكرنا- انها نزلت فى النبى (صلى الله عليه و آله) و على (عليه السلام) و فاطمه الحسن و الحسين (عليهم السلام) اليك نموذجا منها:
و لتكن متون الحديث و مصادره بذكر متنه المطلول الذى رواه الشيخ الجليل عبدالله البحرانى فى (العوالم) بسند فيه ثله من أجلاء العلماء و أعلام الطائفه الى جابر بن عبدالله الأنصارى قال:
سمعت فاطمه الزهراء (عليهاالسلام) بنت رسول الله أنها قالت:
«دخل على أبى رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فى بعض الأيام.
فقال: السلام عليك يا فاطمه.
فقلت: و عليك السلام يا أبتاه.
فقال: انى لأجد فى بدنى ضعفا.
فقلت له: اعيذك بالله يا أبتاه من الضعف.
فقال: يا فاطمه، ائتينى بالكساء اليمانى، و غطينى به.
فأتيته و غطيته به، و صرت أنظر اليه فاذا به يتلألأ كأنه البدر فى ليله تمامه و كماله.
فما كانت الا ساعه و اذا بولدى الحسن قد أقبل، فقال: السلام عليك يا أماه.
فقلت: و عليك السلام يا قره عينى، و ثمره فؤادى.
فقال لى: يا أماه، انى اشم عندك رائحه طيبه كأنها جدى رسول الله.
فقلت: نعم يا ولدى، ان جدك تحت الكساء.
فأقبل الحسن نحو الكساء و قال: السلام عليك يا جداه، يا رسول
الله، أتأذن لى أن أدخلنى معك.
فقال: و عليك السلام يا ولدى، و صاحب حوضى، قد أذنت لك. فدخل معه تحت الكساء.
فما كانت الا ساعه فاذا بولدى الحسين قد أقبل، قال: السلام عليك يا اماه.
فقلت: و عليك السلام يا قره عينى، و ثمره فؤادى.
فقال لى: يا اماه انى أشم عندك رائحه طيبه كأنها رائحه جدى رسول الله.
فقلت: نعم يا بنى، ان جدك و أخاك تحت الكساء. فدنا الحسين نحو الكساء و قال:السلام عليك يا جداه، السلام عليك يا من اختاره الله، أتأذن لى أن أكون معكما تحت هذا الكساء.
فقال: و عليك السلام يا ولدى، و يا شافع أمتى، قد أذنت لك. فدخل معهما تحت الكساء.
فأقبل عند ذلك أبوالحسن على بن أبى طالب، قال: السلام عليك يا فاطمه، يا بنت رسول الله.
فقلت: و عليك السلام يا أباالحسن، و يا أميرالمؤمنين.
فقال: يا فاطمه، انى أشم عندك رائحه طيبه كأنها رائحه أخى و ابن عمى رسول الله.
فقلت: نعم، ها هو مع وليدك تحت الكساء.
فأقبل على نحو الكساء و قال: السلام عليك يا رسول الله، أتأذن لى أن أكون معكم تحت الكساء.
فقال له: و عليك السلام يا أخى، و خليفتى، و صاحب لوائى فى المحشر، نعم قد أذنت لك. فدخل على تحت الكساء.
ثم أتيت نحو الكساء، و قلت: السلام، عليك يا أبتاه، يا رسول الله،
أتاذن لى أن أكون معكم تحت الكساء؟
فقال لى: و عليك السلام يا ابنتى، و يا بضعتى، قد أذنت لك. فدخلت معهم.
فلما اكتملنا و اجتمعنا جميعا تحت الكساء أخذ أبى رسول الله بطرفى الكساء، و أومى بيده اليمنى الى السماء و قال:
«اللهم ان هؤلاء أهل بيتى، و خاصتى، و حامتى، لحمهم لحمى، و دمهم دمى، يؤلمنى ما يؤلمهم، و يحزننى ما يحزنهم، أنا حرب لمن حاربهم، و سلم لمن سالمهم، و عدو لمن عاداهم، و محب لمن أحبهم، و انهم منى و أنا منهم، فاجعل صلواتك و بركاتك و رحمتك و غفرانك و رضوانك على و عليهم، و أذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا».
فقال عز و جل: «يا ملائكتى، و يا سكان سماواتى، انى ما خلقت سماء مبنيه، و لا أرضا مديحه، و لا قمرا منيرا، و لا شمسا مضيئه، و لا فلكا يدور، و لا فلكا تسرى، و لا بحرا يجرى الا لمحبه هؤلاء الخمسه، الذين هم تحت الكساء».
فقال الأمين جبرئيل: يا رب، و من تحت الكساء؟
فقال الله عز و جل: هم أهل بيت النبوه، و معدن الرساله؛ و هم: فاطمه و أبوها و بعلها و بنوها.
فقال جبرئيل: يا رب، أتأذن لى أن أهبط الى الأرض لأكون معهم سادسا؟
فقال الله عز و جل: قد أذنت لك.
فهبط الأمين جبرئيل، و قال لأبى: السلام عليك يا رسول الله، العلى الأعلى يقرؤك السلام، و يخصك بالتحيه و الاكرام، و يقول لك: و عزتى و جلالى، انى ما خلقت سماء مبينه، و لا أرضا مدحيه، و لا قمرا منيرا، و لا شمسا مضيئه، و لا فلكا يدور، و لا بحرا يجرى، و لا فلكا تسرى الا لأجلكم