الحياه.
و من الجدير ذكره، ان من شده حب الله لفاطمه الزهراء (عليهاالسلام) و الحرص على عدم خدش شعورها و كرامتها، أن ذكر سبحانه فى سوره (هل أتى) المباركه الكثير الكثير من نعيم الجنه، و حتى (الولدان المخلدون) و لكنه لم يتطرق و لم يذكر الحور العين، لا من قريب و لا من بعيد، كرامه لحبيبه حبيبه (صلى الله عليه و آله) لأن الآيه نزلت فى حق على، و فاطمه، و الحسن و الحسين (عليهم السلام)، فحفظ الله تعالى لفاطمه الزهراء جلاتها، اذ لم يذكر- عز و جل-الحور العين، كرامه لسيده نساء العالمين.
و نحن حين نعرض هذه اللوحات السلوكيه الفذه، انما يهمنا منها أمران:
الأول: ان الاسلام ليس قيما نظريه مثاليه محضه.. و انما هو تنظيم منهجى للحياه يحقق أسمى المراتب الحضاريه للانسان.. كل حين.
الثانى: ان أهل البيت (عليهم السلام) ليسوا أصحاب نطريات و اجتهادات و مذاهب.. و انما هم التجسيد الحى الصادق للرساله... شاء الله تعالى أن يكون كذلك، فكانوا كما أراد جل شأنه.
و قد حازت هذه الفضيله جانبا كبيرا، و اهتماما ملحوظا عند الشعراء على مر السنين، لو جمعت أشعارهم و قصائدهم لأصحبت كتابا فخما ضخما بديعا، يضم بين طياته نماذج رائعه من فنون الأدب و الشعر القصصى و الملحمى:
و سائل هل أتى نص بحق على
أجبته هل أتى نص بحق على
أجبته هل أتى نص بحق على
أجبته هل أتى نص بحق على
قال امام الشافعيه محمد بن ادريس الشافعى:
الى م الى م و حتى متى
و هل زوجت فاطم غيره
و فى غيره هل أتى؟ هل أتى؟!
أعاتب فى حب هذا الفتى
و فى غيره هل أتى؟ هل أتى؟!
و فى غيره هل أتى؟ هل أتى؟!
و قال الحافظ المفسر أبواسحاق الثعلبى:
أنا مولى لفتى
أنزل فيه هل أتى
أنزل فيه هل أتى
أنزل فيه هل أتى
أخرجه ابن البطريق فى (العمده) ص 349 عن تفسير الثعلبى.
قال الحافظ محمد بن طلحه الشافعى المتوفى سنه (652 ه-) فى (مطلب السؤول) ص 8:
هم العروه الوثقى لمتعصم بها
مناقب فى الشورى و سوره هل أتى
و هم أهل بيت المصطفى فودادهم
على الناس مفروض بحكم و اسجال
مناقبهم جاءت بوحى و انزال
و فى سوره الأحزاب يعرفها التالى
على الناس مفروض بحكم و اسجال
على الناس مفروض بحكم و اسجال
قوله (فى الشورى) آيه الموده، و بينهما فى البيت الثالث.
و قوله (فى سوره الأحزاب) آيه التطهير، و قد أفردت لكل من هاتين الآيتين بابا خاصا، فراجع.
و للملك الصالح أبى الغارات نصير الدين طائع بن رزيك بن صالح الأرمنى، صاحب مصر، المولود سنه (495 ه-) و المستشهد سنه (556 ه-)، عده فصائد فى السوره، أذكر منها قوله:
ولايتى لأميرالمؤمنين على
ان كان قد انكر الحساد رتيته
فى جوده فتمسك يا أخى بهل
بها بلغت الذى أرجوه من أملى
فى جوده فتمسك يا أخى بهل
فى جوده فتمسك يا أخى بهل
أى ب- (هل أتى....)
و قال أيضا:
آل الرسول الاله قوم
مقدارهم فى العلى خطير
مقدارهم فى العلى خطير
مقدارهم فى العلى خطير
و للسيد الحميرى- كما فى مناقب ابن شهر آشوب 3/ 329:
و أخبرنا الاله بما وقاهم
و أكرمهم لما صبروا جميعا
فلا شمسا يرون و لا حميما
و لا غساق بين الزمهرير
و لقاهم هناك من السرور
بجنات و ألوان الحرير
و لا غساق بين الزمهرير
و لا غساق بين الزمهرير
و للبعدى:
أوليس الاله قال لنا
و اذا بالنداء يا ساكن الجنه
مهلا أمنتم التغييرا
لا شمس فيها يرى لا زمهريرا
مهلا أمنتم التغييرا
مهلا أمنتم التغييرا
ذا على الوصى داعب مولا
داعبه: مازحه و لاعبه.
فزادت كرامه و حبورا
الحبور: جمع حبر: السرور.
تكم فاطمه فأبدت سرورا
فبدا اذا تبسمت ذلك النور
الحبور: جمع حبر: السرور.
الحبور: جمع حبر: السرور.
أما المصادر التى ذكرت نزول هذه الآيات الباهرات من سوره (هل أتى) فلا تحصى كثره، و العلماء و الحفاظ و المفسرون الذين رووا هذه الفضيله فكثيرون، اذكر منهم أكثر من عشرين مصدرا:
المحدث المفسر الحسين بن الحكم الحبرى، المتوفى سنه (286 ه-) فى كتاب (ما نزل من القرآن فى على عليه السلام) ص 326 ج 69 ط مؤسسه آل البيت- بيروت.
الحافظ الفقيه ابن المغازلى فى (مناقب على بن أبى طالب عليه السلام) ص 272 ج 320 ط دار الأضواء- بيروت.
الحافظ أبوعبدالله محمد بن يوسف الكنجى الشافعى فى (كفايه الطالب) ص 345- 349 ط طهران.
الحافظ موفق بن أحمد الخوارزمى فى (المناقب) ص 188- 194 ط النجف الأشرف.
الحافظ ابراهيم بن محمد الجوينى فى (فرائد السمطين) ج 1/ 53 ح 383 الباب الحادى عشر، و عنوانه: فضائل تنقاد بذكرها كل شامسه، و تشرق من نورها ليالى الأزمان الدامسه.
الحافظ الحاكم الحسكانى فى (شواهد التنزيل) ج 2/ 298- 310 ح 1042- 1061 بعده طرق، ط الأعلمى- بيروت.
العلامه شهاب الدين الحسينى الشافعى فى (توضيح الدلائل) ص 169 مخطوطه مكتبه ملى بفارس، عن الحسن و قتاده و الطبرى و الواحدى، و عن فرائد
التفسير.
و فى ص 322 عن الواحدى، و عن الامام الصالحانى عن شيخه أبى موسى المدينى.
العلامه المفسر ناصر الدين محمد بن عبدالله فى (فتح الرحمان فى تفسير القرآن) ص 167 نسخه مكتبه جستر بيتى- ايرلنده.
الشيخ أبوالمعالى محمد بن الحسن بن حمدون فى (التذكره الحمدونيه) ص 70 ط- بيروت.
العلامه السيد خير الدين الآلوسى فى (غاليه المواعظ و مصباح المتعظ و الواعظ) ج 2/ 96 ط- القاهره.
العلامه أبوالحسن الواحدى فى (أسباب النزول) ص 331 ط- القاهره.
العلامه محب الدين الطبرى فى (الرياض النضره) ج 2/ 207 ط- مصر.
و فى (ذخائر العقبى) ص 102 ط مصر.
العلامه أبوالفرج ابن الجوزى فى (التبصره) ص 449 ط الحلبى- مصر.
المورخ ابن الأثير الجزرى فى (أسد الغابه) ج 5/ 530 ط- مصر.
العلامه جار الله الزمخشى فى (ربيع الأبرار) ص 209 مخطوط.
الحافظ ابن حجر العسقلانى فى (الاصابه) ج 4/ 376 ط- دار الكتب المصريه.
و فى (الكاف الشاف) ص 80 ط- مصر.
الحافظ البغوى الشافعى فى تفسيره (معالم التنزيل) ج 7/ 159 ط- القاهره.
العلامه العارف الشيخ محيى الدين ابن عربى فى (محاضره الأبرار
و مسامره الأخيار) ج 1/ 103 ط- مطبعه الشعرواى.
الشيخ عبدالرحمن الصفورى فى (نزهه المجالس) ج 1 ص 213 ط- القاهره.
الشيخ سليمان الحنفى القندوزى فى (ينابيع الموده) ص 212 ط- اسطنبول.
و لمزيد من التفاصيل راجع المصادر التاليه:
(تأويل الآيات) ج 2 ص 741- 752.
(بحارالأنوار) ج 35 ص 237- 257.
التفسير البرهان) ج 4 ص 411- 414.
(احقاق الحق) ج 3 ص 158، 169- 583، ج 8 ص 576، و ج 9 ص 110- 123 و ج 14 ص 446- 457، و ج 18 ص 339- 343، و ج 20 ص 153- 170.
كما ذكر ذلك الواحدى فى كتابه البسيط، و الثعلبى فى تفسيره الكبير و أبوالمؤيد موفق فى كتابه (الفضائل)، و الزمخشرى فى تفسيره (الكشاف) و غيرهم و لو أردت الاستقصاء لطال البحث و خرجت من الاختصار، و لكنى اكتفيت بالنزر اليسير.
فاطمه الزهراء و آيه القربى
قال سبحانه و تعالى فى محكم كتابه المجيد: (قل لا أسئلكم عليه أجرا الا الموده فى القربى و من يقترف حسنه نزد له فيها حسنا ان الله غفور شكور)
[ سوره الشورى: 23.] ]
تفسير الآيه واضح و هو خطابه تبارك و تعالى الى رسوله الكريم (صلى الله عليه و آله) (قل) يا محمد لأمتك: (لا أسئلكم عليه) أى على أداء الرساله (أجرا) شيئا من الأجر (الا الموده فى القربى) أى الا أن تودوا قرابتى، و قد اتفقت كلمات أئمه أهل البيت (عليهم السلام) و كلمات العلماء أن المقصود من القربى هم آل النبى (صلى الله عليه و آله).
و هناك أحاديث متواتره فى كتب الشيعه و السنه حول تعيين القربى بأفرادهم و أسمائهم، و من جمله الأحاديث التى ذكرها علماء العامه فى صحاحهم و تفاسيرهم هذا الحديث:
لما نزلت هذه الآيه قالوا: يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين تجب علينا مودتهم؟ فقال (صلى الله عليه و آله):؛ يا على و فاطمه و ابناهما... الخ».
ذكر هذا الحديث طائفه من العلماء، منهم:
ابن حجر فى الصواعق المحرقه.
السيوطى فى الدر المنثور.
أبونعيم فى حيله الاولياء.
الحموينى الشافعى فى فرائد السمطين.
و حديث آخر رواه الطبرى و ابن حجر أيضا: أن رسول الله (صلى الله عليه و آله) قال: «ان الله جعل أجرى عليكم الموده فى أهل بيتى، و انى سائلكم
غدا عنهم».
هؤلاء بعض الرواه الذين ذكروا و نقلوا هذا الحديث بصوره اجماليه.
و اليك بعض الأحاديث التى تصرح باحتجاج أئمه أهل البيت (عليهم السلام) بهذه الآيه على من المقصود من القربى، منها:
فى الصواعق المحرقه لا بن حجر: عن على (عليه السلام): «فينا فى آل حم، لا يحفظ مودتنا الا كل مؤمن ثم قرأ: (قل لا أسئلكم عليه أجرا الا الموده فى القربى و من يقترف حسنه نزد له فيها حسنا) و اقتراف الحسنه مودتنا أهل البيت... و الى هذا أشار الشاعر الكميت الأسدى بقوله:
وجدنا لكم فى آل حم آيه
تأولها منا تقى و معرب
تأولها منا تقى و معرب
تأولها منا تقى و معرب
و عن جابر بن عبدالله قال: جاء اعرابى الى النبى (صلى الله عليه و آله) قال:يا محمد اعرض على الاسلام.
فقال: «تشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له. و ان محمدا عبده و رسوله» .
قال: تسألنى عليه أجرا؟
قال: «لا، الا الموده فى القربى».
قال: قرابتى أو قرابتك؟
قال: «قرابتى».
قال: هات ابايعك، فعلى من لا يحبك و لا يحب قرابتك لعنه الله.
فقال النبى (صلى الله عليه و آله): «آمين».
رواه الكنجى فى (كفايه الطالب) ص 31.
و ذكر ابن حجر فى الصواعق المحرقه ص 101 هذين البيتين لا بن العربى:
رأيت ولائى آل طه فريضه
فما طلب المبعوث أجرا على الهدى
بتبليغه الا الموده فى القربى
على رغم أهل البعد يورثنى القربا
بتبليغه الا الموده فى القربى
بتبليغه الا الموده فى القربى
و هذين البيتين للامام الشافعى:
يا أهل بيت رسول الله حبكم
كفاكم من عظيم القدر انكم
من لم يصل عليكم لا صلاه له
فرض من الله فى القرآن أنزله
من لم يصل عليكم لا صلاه له
من لم يصل عليكم لا صلاه له
و قد ذكر شيخنا العلاه الأمينى (عليه الرحمه) فى الجزء الثالث من كتابه الغدير خمسه و أربعين مصدرا حول نزول هذه الآيه فى شأن على، و فاطمه، و الحسن، و الحسين (عليهم السلام).
و الآيات فى على، و فاطمه، و الحسن، و الحسين (عليهم السلام) كثيره، و كلها توضيح و تؤكد بمعانيها، و سبب نزولها مقام أهل البيت (عليهم السلام)، و علو مكانتهم، و من جمله ما نزل فيهم من القرآن آيه الموده، فعن ابن عباس قال: لما نزلت... (قل لا أسئلكم عليه أجرا الا الموده فى القربى).
قالوا: يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟
قال: «على، و فاطمه، و ابناهما». أخرجه أحمد فى المناقب
[ الطبرى، ذخائر العقبى ص 25.]
.
الى هذا الحد أقف عن الاسترسال تاركا للمتتبع مراجه المصادر و الغوص فى بطون امهات الكتب.
فى بيوت أذن الله أن ترفع
فى تفسير هذه الآيه، و الحديث الشريف، يقودنى البحث الى أن اشرح بصوره موجزه ماهيه البيوت بصوره عامه، لا سيما بيوت الأنبياء التى خصها الله سبحانه بالآيه و أفضلها بيت على و فاطمه (عليهاالسلام).
ان البيت الذى كانت السيده فاطمه الزهراء تسكن و تعيش فيه مع زوجها و ابنيهما (عليهم السلام)، كان محاطا بهاله نورانيه من القدسيه
و الروحانيه، و كان ذلك البيت مبينا على أساس مكارم الاخلاق و الاحترام المتبادل، و ربما لا يعرف حقيقه ذلك البيت الا من عرف حقيقه فاطمه و أبيها و بعلها و بنيها (صلوات الله عليهم).
و قد روى شيخنا المجلسى (قدس سره) عن أنس بن مالك، و عن بريده قال: قرأ رسول الله (صلى الله عليه و آله): (فى بيوت أذن الله أن ترفع و يذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو و الأصال رجال لا تلهيهم تجاره و لا بيع عن ذكر الله...) الآيه
[ سوره النور 36- 37.] ] فقام رجل فقال: أى بيوت هذه يا رسول الله؟
فقال: «بيوت الأنبياء».
فقام اليه أبوبكر، فقال: يا رسول الله! هذا البيت منها؟ و أشار الى بيت على و فاطمه (عليهماالسلام).
فقال: «نعم، من أفضلها!!».
رواه جماعه من أعلام القوم، منهم:
الحاكم الحسكانى فى (شواهد التنزيل) ج 1 ص 409 و 410 ط- بيروت، بثلاث طرق.
العلامه البدخشى فى (مفتاح النجا) ص 12 مخطوط.
العلامه الآلوسى فى تفسيره (روح المعانى) ج 18 ص 157 ط المنيريه بمصر قال ما لفظه: أخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك و بريده الى آخر ما ذكرنا أعلاه.
و العلامه شهاب الدين الشافعى فى (توضيح الدلائل) ص 163 مخطوط، (مكتبه ملى بفارس)، و قال: رواه الامام الصالحانى.
و الحافظ المفسر الثعلبى فى (الكشف و البيان) مخطوط.
و العلامه جلال الدين السيوطى فى (الدر المنثور) ج 5 ط مصر ص 50.
و المحدث العارف ابن حسنويه فى (در بحر المناقب) ص 18 مخطوط.
و للمزيد راجع، (تأويل الآيات) ج 1 ص 361- 363.
تفسير البرهان ج 3 ص 137- 139.
احقاق الحق ج 3 ص 558، ج 9 ص 137، ج 14 ص 421 و 422 و ج 18 ص 515 و ج 20 ص 72.
و عن ابن عباس قال: كنت فى مسجد رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و قد قرأ القارى: (فى بيوت أذن الله أن ترفع و يذكر فيها اسمه...) الآيه فقلت: يا رسول الله؟ ما البيوت؟
فقال: «بيوت الأنبياء». و أم الى منزل فاطمه!
و الآن ننقلك عزيزى القارى الى البيت الذى أذن الله سبحانه و تعالى أن يرفع و يذكر فيه اسمه، بيت الامام أميرالمؤمنين، و بيت السيده فاطمه الزهراء (عليهماالسلام) ذلك البيت البسيط المتواضع فى الظاهر، و العظيم عند الله و رسوله، لترى أجنحه السعاده و السمو ترفرف على كل جانب من جوانبه، أساسه الايثار و التضحيه.
فقد علمها أبوها (صلى الله عليه و آله) معنى الحياه، و أوحى لها بأن الانسانيه هى جوهر الحياه، و ان السعاده الزوجيه القائمه على الخلق و القيم الاسلاميه عى أسمى من المال، و القصور، و الزخارف، و قطع الآثاث، و تحف الفن المزخرقه.. و تعيش فاطمه الزهراء فى كنف زوجها، قريره العين، سعيده المثاليه، زوجه على بطل المسلمين، و رجل الاقدام، و الفداء، و حامل لواء النصر و الجهاد... و عليها أن تكون بمستوى المسؤوليه و هذه المهه الخطيره...و ان تكون لعلى كما كانت امها خديجه لرسول الله (صلى الله عليه و آله) يتصدرها ببطوله و بساله.. فكانت كذلك.. و كانت حقا بمستوى مهمتها التى
أختارها الله تعالى لها..
و لم يكن رسول الله (صلى الله عليه و آله) ليترك هذا الغرس النبوى، دون أن يرعاه و يحتضنه... فمحمد رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و رعايته، أحاط فاطمه و عليا (عليهماالسلام) بتوجيهه و عنايته، فعاش الزوجان فى ظل رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و تحت كنفه و رعايته.. و منح (صلى الله عليه و آله) فاطمه بعد زواجها ما لم يمنحه لأحد، حتى بلغ من شده عنايته بفاطمه، و تعلق قلبه بها: انه اذا أراد الخروج فى سفره أو غزوه، كانت فاطمه آخر انسان يودعه، و اذا عاد من سفره أو غزوه، كان أول انسان يلقى به هو فاطمه.
(فعن ثوبان) قال: كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) اذا سافر آخر عهده اتيان فاطمه، و أول من يدخل عليه اذا قدم: فاطمه (عليهاالسلام)- أخرجه أحمد
[ الطبرى، ذخائر العقبى ص 37. أخرجه عمر.]
و عن أبى ثعلبه قال: كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) اذا قدم من غزوه أو سفر بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين، ثم أتى فاطمه، ثم أتى أزواجه
[ الطبرى، ذخائر العقبى ص 37. أخرجه عمر.]
فأيه علاقه هذه؟ و أيه رابطه تربط رسول الله (صلى الله عليه و آله) بابنته الحبيبه فاطمه، انها علاقه الروح و المبدأ، و جامعه الغايه و الهدف.
و تعيش فاطمه فى بيتها، تعتنى بشؤون منزلها، و تدبر حاجاتها بالاعتماد على جهودها... فلم يكن يساعدها أحد لا عبيد، و لا اماء، فكل حياتها كدح و جهاد...
كانت فاطمه تطحن الشعير و تدير الرحى بيدها، و تصنع أقراص الخبز بنفسها، و تكنس البيت، و تدبر مستلزمات الاسره... و قد كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) و على (عليه السلام) يريان ذلك من فاطمه فيشاركانها
العناء، و يهونان عليها متاعب الحياه... بل و كان على (عليه السلام) و ربما النبى (صلى الله عليه و آله) يساعدانها فى أعمال المنزل، و تدبير شؤون البيت.
فقد صور لنا التاريخ و دون كتاب السير و الأثر، صوره الحياه العائليه الفريده التى كانت تعايشها فاطمه مع زوجها و أبنائها، أهل بيت النبوه تحت ظل أبيها رسول الله (صلى الله عليهم أجمعين).
و فى المناقب لابن شهر آشوب: تفسير الثعلبى، عن الامام الصادق (عليه السلام)،و تفسير القشرى، عن جابر الانصارى: انه رأى النبى (صلى الله عليه و آله) فاطمه و عليها كساء من أجله الابل، و هى تطحن بيديها و ترضع ولدها، فدمعت عيناه (صلى الله عليه و آله) و قال: «يا بنتاه تعجلى مراره الدنيا بحلاوه الآخره»، فقالت: «يا رسول الله، الحمدلله على نعمائه، و الشكر لله على آلائله، فأنزل الله تعالى آيه: (و لسوف يعطيك ربك فترضى)
[ المناقب ج 3 ص 120، البحار ج 43 ص 85، سوره الضحى: 5.]
قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «جهاد المرأه حسن التبعل».
وروى المجلسى فى البحار ج 43 ص 50- 51 بلفظ آخر، مماثل فى المعنى، فراجع.
و عن الامام أبى جعفر الباقر (عليه السلام) قال: «ان فاطمه ضمنت لعلى (عليه السلام) عمل البيت و العجن و الخبز، و قم البيت، و ضمن على (عليه السلام)ما كان خلف الباب، (خارج البيت) نقل الحطب و ان يجيى بالطعام، فقال لها يوما، يا فاطمه هل عندك شى ء؟ قالت: والذى حقك ما كان عندنا منذ ثلاثه أيام شى ء نقريك به، قال: أفلا أخبرتنى؟ قالت: كان رسول الله (صلى الله عليه و آله)نهانى أن أسألك شيئا فقال: لا تسألين ابن عمك شيئا ان جاءك بشى ء و الا فلا تسألين»
[ البحار ج 43 ص 31.]
و قال على (عليه السلام): «فوالله ما أغضبتها- خلال الحياه المشركه مع فاطمه (عليهاالسلام)- و لا أكرهتها على أمر و لا عصيت لى أمرا حتى قبضها الله، كنت أنظر اليها فتنكشف عنى الهوم و الاحزان».
هذه الصوره العائليه، و اللقطه الفذه من حياه المجتمع الاسلامى، و الحياه النبويه الكريمه، توضح لنا صوره الحياه التعاونيه و علاقه الرجل بالمرأه، و عظمه التواضع عند قاده الاسلام، و عظماء البشريه، فمحمد الرسول الأعظم ( صلى الله عليه و آله) يساعد فاطمه و يعينها على طحن طعامها، و على يشاطرها العمل فى المنزل.. انها الصوره المثاليه لحياه العائله المثاليه فى السلام، و لمكانه المرأه و علاقتها بالزوج و الاسره فى هذه الرساله الالهيه الخالده...
فرسول الله و على و فاطمه (صلى الله عليهم) مثال الأب و الزوج و البنت و الزوجه فى الاسلام، و على شاكله هذه الاسره يجب أن تبنى الاسره المسلمه... و بمثل هذه العلاقه يجب أن تشاد العلاقات بين أفرادها...
فرسول الله (صلى الله عليه و آله) و على و فاطمه قدوه و اسوه، و كان بامكان رسول الله أن يتخذ العبيد و الخدم لفاطمه، و أن يوفر لها المال و الثروه و متع الحياه. الا ان الرسول القائد و القدوه، الداعى الى العدل و المساواه،و الرافض لمتع الحياه و عرضها يرد أن يجسد مبادئه سلوكا و حياه لامته، بل يريد من المصلح، و المربى، و الحاكم، و القائد، أن يعلم، و يقود، و يربى، بسلوكه و سيرته، قبل أن يدعو الناس بلسانه و مواعظه.
و تأتى المواقف و الشواهد دليلا... و العمل لسانا بليغ التعبير، قوى الوقع و الاثر.
روى عن الامام الصادق (عليه السلام): «... كان على (عليه السلام) يستقى و يحطب، و كانت فاطمه (عليهاالسلام) تطحن و تعجن و تخبز و ترقع، و كانت من أحسن الناس و جها كأن وجنتيها وردتان» صلى الله عليها