فتلخّص : أنّ الحوالة بناءً علي أنّها وفاء فهي إيقاع إنشائي من قبل المحيل فقط إن كانت الحوالة علي مدين ، وإيقاع إنشائي من المحال عليه فقط إن كانت الحوالة علي بريء ، وفي كلتا الصورتين تتوقف علي إذن المحتال .
وأمّا النحو الثاني : ـ وهو أن تكون الحوالة تنازلاً لا مجانيّا أي التنازل إلي بدل ـ فان خرّجنا التنازل علي أحد التقريبين السابقين وهما : الجعالة والاستدعاء الموجب للضمان فيظهر حينذاك أنّ الحوالة ليست إيقاعا كاملاً ولا عقدا كاملاً ، بل هي مجموع معاملتين : الإبراء والجعالة أو الإبراء والاستدعاء ، فإن كانت مركّبة من الإبراء والجعالة فهي معاملة مجتمعة من إيقاع وعقد بناءً علي أنّ الجعالة عقد ، أو من إيقاعين بناءً علي أنّها إيقاع ، وإن كانت مركّبة من الإبراء والاستدعاء فهي مجتمعة من إيقاعين .
وأمّا إذا لم نخرّج التنازل علي أحد التقريبين السابقين وفرضنا أنّ هناك احتمالاً آخر للتنازل ـ وهو أن يكون تنازلاً عن الدين عن طريق المعاوضة بحيث يكون أحد العوضين فيها نفس سقوط الدين والعوض الآخر المال الذي هو في ذمّة المحال عليه ـ فحينذاك تكون الحوالة عقدا ؛ لأنّها تمسّ شأنين : شأن المحيل وشأن المحتال .
وتختلف هذه المعاوضة عن المعاوضة في النحو الثالث ؛ فإنّه هناك ينتقل الدين إلي مَن هو عليه ، وهنا يسقط الدين عنه .
وأمّا النحو الثالث : ـ وهو أن تكون الحوالة عبارة عن تغيير الدائن ـ فيظهر حاله ممّا ذكرناه في النحو الثاني ، فإنّ الحوالة إمّا أن تكون علي مدين أو علي بريء . فإن كانت علي مدين فهي مبادلة مال بمال ؛ فإنّ المال الثابت للمحيل في ذمّة المحال عليه تبودل بالمال الثابت للمحتال في ذمّة المحيل ، فهي معاوضة إنشائية ، والأداة الإنشائية لها هي العقد ، ولكلّ من المحيل والمحتال دخل إنشائي فيها سواء كان الأوّل هو البائع والثاني هو المشتري أو بالعكس .
وأمّا المحال عليه فلا دخل له أصلاً في المعاوضة لا بنحو الإنشاء ولا بنحو الإذن ، فأمّا الأوّل فلأنّه لم يقع تصرّف في ماله وفي شأن من شؤونه كي يكون له دخل إنشائي فيه ، وأمّا الثاني فلأنّ المعاوضة لاتوجب تلف حقّ علي المحال عليه كي يكون له دخل إذني فيها .
وإن كانت الحوالة علي بريء فقد خرّجناها سابقا علي أحد تقريبين :
الأوّل : البناء علي أنّ المعاوضة لايشترط فيها دخول كل من العوضين في ملك من خرج منه العوض الآخر ، فحينذاك يقال : إنّ أحد العوضين هنا هو المال الثابت في ذمّة المحيل للمحتال والعوض الآخر هو مال المحال عليه ، وقد خرج العوض الأوّل من ملك المحتال ودخل في ملك المحيل ، والعوض الثاني خرج من ملك المحال عليه ودخل في ملك المحتال ، فتكون الحوالة عقدا ؛ لأنّها متقوّمة بدخل إنشائي من كل من المحتال والمحال عليه ، أمّا المحتال فلأنّه الذي خرج من ملكه العوض الأوّل ودخل في ملكه العوض الثاني ، وأمّا المحال عليه فلأنّه الذي قد خرج من ملكه العوض الثاني وإن كان لم يدخل في ملكه العوض الأوّل بل دخل في ملك المحيل .
ويبقي الكلام في أنّه هل لابدّ من دخل إنشائي من قبل المحيل في هذه المعاوضة ـ باعتبار أنّه الذي يدخل في ملكه العوض الأوّل ، ودخوله في ملكه مساوق لسقوط الدين عنه ـ أو لايعتبر دخله الإنشائي في المعاوضة باعتبار أنّه لم يخرج من ملكه أيّ من العوضين ؟ الصحيح أنّ ذلك ملحق بباب تمليك الدين علي مَن هو عليه ، فإن قلنا إنّ تمليك الدين علي مَن هو عليه هبة وعقد ففي المقام أيضا لابدّ من دخل إنشائي من قبل المحيل ، وإن قلنا هناك إنّه إبراء وإيقاع ولا يحتاج إلي قبول مَن عليه الدين ففي المقام أيضا ينتفي دخله الإنشائي ، وحيث إنّ التوسّع في هذا المجال يسوقنا إلي البحث عن النكات الأساسيّة لإلحاق الهبة بالإبراء فلنتركه إلي محلّه .