إلهیات علی هدی الکتاب و السّنة و العقل

حسن محمد مکی العاملی

جلد 2 -صفحه : 400/ 90
نمايش فراداده

للشرك، بل أمره دائر حينئذ بين كونهصحيحاً مطابقاً للواقع ـ كما في الملائكةـ أو غَلَطاً مخالفاً له، كما في الأنبياءوالأولياء، فإنهم غير واقعين في سلسلةالعلل والأسباب بل هم كسائر الناسيستفيدون من النظام الطبيعي بحيث يختلعيشهم وحياتهم عند اختلال تلك النُّظم.ومعلوم أنه ليس كل مخالف للواقع يعتبرشركاً، إذ عند ذاك يحتل الولي مكان العلّةالطبيعية والنظم المادية، وليس الاعتقادبوجود هذا النوع من العلل والأسباب مكانالنظم المادية للظاهرة شركاً.

وقد مرَّ أنَّ مشركي عهد الرسالة كانوايعتقدون لآلهتهم نوعاً من الاستقلال فيالفعل وكانوا يتوجهون إليها على هذاالأساس. وقد جاء في السيرة أنه لما أصابالمسلمين مطر في الحديبية لم يبلّ أسفلنعالهم أي ليلاً، فنادى منادي رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) مناديه أنْينادي ألا صَلّوا في رحالكم. وقال (صلّىالله عليه وآله وسلّم) صبيحة ليلةالحديبية لما صلّى بهم: «أتدرون ما قالربّكم». قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: قالالله عز وجل: «صَبَّحَ بي مِنْ عِبادِيمُْؤمِنٌ بِي وَكَافِرٌ، فأمَّا مَنْقَالَ: مُطِرْنا بِرَحْمَةِ اللهوَفَضْلِه، فهو مُْؤمِنٌ بالله وكافِرٌبالكَواكِب، وَمَنْ قَالَ: مُطِرْنابِنَجْم كِذَا ـ وفي رواية: بِنَوْءِ كذاوكذا ـ فهو مُْؤمِنٌ بالكَواكِبِ وكافرٌبِي»(1).

وأمَّا القسم الثاني

وهو الاعتقاد بأنَّ الله سبحانه فوضّ إلىأحد مخلوقاته بعض شؤونه كالتقنينوالتشريع والشفاعة والمغفرة، فلا ريب أنهشرك بالله، واتخاذ ندّ له كما يقول سبحانه:(وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْدُونِ اللهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْكَحُبِّ اللهِ)(2) والموجود لا يكون ندّاًلله سبحانه، إلاَّ إذا كان قائماً بفعل أو

1. السيرة الحلبية، ج 3، ص 29.

2. سورة البقرة: الآية 165.