ماذا يراد من التفويض؟
اتَّفقت كلمة الموحدين على أنَّ الاعتقادبالتفويض موجب للشّرك، وأنَّ الخضوعالنابع من ذاك الاعتقاد يُعَدّ عبادةللمخضوع له، والتفويض يتصور في أمرين:1 ـ تفويض الله تدبير العالم إلى خيارعباده من الملائكة والأنبياء والأولياء،ويسمى بالتفويض التكويني.
2 ـ تفويض الشؤون الإِلهية إلى عبادةكالتقنين والتشريع، والمغفرة والشفاعة،ممّا يعد من شؤونه سبحانه ويسمى بالتفويضالتشريعي.
أمَّا القسم الأول:
فلا شك أنَّه موجب للشرك، فلو اعتقد أحدبأنَّ الله فوّض أمور العالم وتدبيرها منالخلق والرزق والإِماتة ونزول الثلجوالمطر وغيرها من حوادث العالم إلىملائكته أو صالحي عباده، فقد جعلهمأنداداً له سبحانه، إذ لا يعني من التفويضإلاّ كونهم مستقلين في أفعالهم، منقطعينعنه سبحانه فيما يفعلون وما يريدون.فالأمر دائر بين كون العبد ذا فعلبالاستقلال والانقطاع عن الله سبحانه(1) أوكونه إذا شأن بأمره تعالى وإذنه ومشيئتهولا قسم ثالث. والأول منهما هو التفويض.وأما الثاني وهو الاعتقاد بأنَّ القديسينمن الملائكة والجنّ أو الأنبياء أوالأولياء مدبرون للعالَم بإذنه ومشيئتهوأمره وقدرته من دون أنْ يكونوا مستقلينفيما يفعلون، أو مفوّضين فيما يعملون،فليس موجباً
1. وهو قسمان استقلال العبد في الأفعالالراجعة إلى تدبير العالم والحوادثالواقعة فيه وهو محل البحث. واستقلاله فيأفعال نفسه كمَشْيِه وتكلمه وهو ما يأتيالبحث عنه في الجبر والتفويض وهو الفصلالسَّادس من الكتاب.