الثاني، و قد عرفت أنَّ معنى الإِمكان فيالوجود غير الإِمكان في الماهية و أنَّمعناه في الأول كونه متعلقاً بالعلّة وقائماً بها بجميع شؤونه و خصوصياته، والإِمكان نافذ فيه و راسخ في واقعه رسوخالحياة في الموجود الحىّ، و عند ذلك يكونالإِرتباط بالعلّة و القيام بها غير خارجعن واقع الوجود الإِمكاني و يكون الفقر والربط نفس ذاته و عين واقعه، و إلاَّ فلوكان في حاق الذات غنياً ثم عرض له الفقريلزم الخلف، و خروج الموجود الغني عن كونهغنياً، إلى حيز الفقر و الحاجة.
و على هذا الأصل، لا يمكن إنكار صلةالوجودات الإِمكانية باللّه سبحانه، منغير فرق بين الإِنسان و غيره، و تبطل نظريةالتفويض القائلة بانقطاع الصلة بينالمبدأ و الموجودات الإِمكانية. و هذهالحقيقة صادقة في الفواعل الإِلهية والعِلَل غير الطبيعية ففيها يصدق ما ذكرنامن الوزان و المكانة و أمَّا العللالطبيعية فصدق العلّة عليها من بابالمجاز، كما تقدم.
الثالث - وحدة حقيقة الوجود يلازم التأثيرفي جميع المراتب
قد وقع النزاع بين الفلاسفة في أنَّالوجود الواجب و الوجود الإِمكاني هل هماحقيقتان متباينتان بحيث لا صلة جامعةبينهما أبداً، و أنَّ إطلاق الوجود عليهمامن باب إطلاق اللفظ الموضوع لمعنيينمتباينين، كالعين الموضوعة تارة للشمس وأخرى للذهب، أو أنهما من مقولة واحدةيجمعهما قدر مشترك و هو الوجود و طرد العدمو ما يفيد ذلك(1). و أنَّ الوجود يطلق عليهمابوضع واحد و بمعنى مفرد، و إطلاق المعنىالواحد على الشيئين يقتضي وجود قدر مشتركبينهما و إلاَّ يلزم انتزاع المعنى الواحدبما هو معنى واحد من الأشياء الكثيرة التيلا جهة وحدة بينها.1- و هذه العناوين ليست معرفات حقيقية بلهي عناوين مشيرة إلى حقيقة مجهولة فإنَّحقيقة الوجود لا يقدر الإنسان على دركها،لانَّ أدوات المعرفة لا تتجاوز الذهن والذهنيات، و هي لا تدرك الحقيقة الخارجيةبل المفاهيم العارية عنها كمفهوم النار. وأما حقيقة الوجود فهي نفس العينيةالخارجية، فكيف يمكن أن تكون مُدرَكَةللذهن؟!.