الإِنسان بالوراثة و الثقافة و البيئة،فإن ما تتركه هذه الأُمور من الآثار بماأنها خارجة عن اختيار الإِنسان يطلق عليهاالذاتي. فقد عرفت أنَّ تأثير كل واحد منهذه العوامل الثلاث تأثير اقتضائي غيرمفروض على الإِنسان، بل فوقه حريةالإِنسان واختياره، فله أن يزيل ما تركتهو فرضته هذه العوامل بقوة و شدة. وقداشبعنا الكلام في ذلك فيما مضى فلاحظ.
أضف إلى ذلك: إنَّ كثيراً من الملكاتالصالحة أو الطالحة لا تحصل في الإنسانإلاَّ بتكرار العمل، فالشرير الذي يسهلعليه قتل الأبرياء، لم يكن يوم ولد بهذهالدَّرجة من الجناية و إنما أوجد تكرارالعمل تلك الدرجة الخاصة التي يكون قتلالإِنسان و قتل البق عنده سواء. و هذا إندلّ على شيء فإنما يدلّ على أنَّ الملكاتالصالحة أو الخبيثة التي يعبّر عنهابالسَّعادة و الشقاء، الباعثة إلىالأعمال المناسبة لها، إنما يكتسبهاالإِنسان عن طريق تكرار العمل و مع ذلكفكيف تعد تلك الملكات أموراً ذاتية.
تقسيم الإِنسان إلى شقىّ وسعيد
إنَّه سبحانه يقسم مجموع الإِنسان إلىشقي وسعيد حيث يقول: (يَوْمَ يأتِ لاَتَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِفَمِنْهُمْ شَقِىٌّ وَسَعِيد)(1). ولكنهالا تدل على أنَّ الشقاء و السعادة منالأمور الذاتية اللاّزمة للإِنسان لماعرفت من أنَّ ظرف الحكم هو الدنيا ولكن ظرفالإِتصاف في الآخرة. فاتصاف كل واحد بأحدالأوصاف لأجل الأعمال التي ارتكبها فيحياته الدنيوية أو العقائد الباطلة التياتصف بها فيها، ولأجل ذلك نرى أنَّهسبحانه يرتب على كون الإِنسان شقياً بأنَّله في الحياة الأُخروية، زفير و شهيق، وعلى السعيد بأن له الجنة(2).و هذا يعرب عن أنَّ الزفير و الشهيق أوالنعمة و الجنة من آثار الشقاء و السعادةكما أنهما من آثار تكذيب الأنبياء أو قبولدعوتهم إلى غير ذلك من
1- سورة هود: الآية 105.
2- سورة هود: الآيتان 106 و 107.