المقام الأول: في عموم القدرة
قد أوضحنا فيما مضى المراد من التّوحيد فيالخالقية و قلنا: إنَّ المراد من أنَّه لاخالق إلاَّ هو ليس هو نفي التأثير عن العللالطولية المنتهية إليه، كيف و قد نصّالقرآن الكريم على تأثير العلل الطبيعة فيآثارها كراراً، فيكون معنى التوحيد فيالخالقية: إنَّ الخالق الأصيل غير المعتمدعلى شيء هو اللّه سبحانه و إن قيام غيرهبالخلق و الإِيجاد، بقدرته و مشيئته ولطفه و عنايته. فالكل مستمد في وجوده وفعله منه، لا غنى لهم عنه في حال منالحالات، (يا أيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُالفُقَراءُ إِلى اللّه وَ اللّه هُوَالغَنِيُّ الحَمِيدُ)(1).و نزيد هنا بياناً فلسفياً على إبطالالنظرية التي تتبناها الأشاعرة.
الوجود حقيقة واحدة
إنَّ سلب وصف المؤثريّة و العليّة عن كلشيء حتى على نحو التبعية و الظلية، مضافاًإلى أنّه مخالف للحكم الفطري الذي يجده كلإنسان في نفسه حيث يعتقد بأنَّ للأشياء وللعقاقير و النباتات آثاراً، و لا معنىلخلقه سبحانه هذا الحكم الخاطئ و الباطلفي نفوسنا، أقول ـ مضافاً إلى ذلك ـ إنَّالبرهان الفلسفي يرده بوضوح، و ذلك أنَّحقيقة الوجود حقيقة واحدة في جميعمراتبها، من الواجب إلى الممكن، فالجميعيشترك في حقيقة واحدة نعبر عنها بـ «طردالعدم». و لأجل تلك الوحدة نطلق الوجود علىالجميع بمعنى واحد، و لو كانت حقيقته فيالواجب مباينة لحقيقته في الممكن لوجب أنيكون لفظ الوجود مشتركاً لفظياً بينهما، وأن يطلق على الواجب بملاك آخر.فإذا كانت حقيقة الوجود بين عامة المراتبحقيقة واحدة، فإذا ثبت التأثير لمرتبةعليا منه، يجب أن يكون ثابتاً للمراتبالدنيا أيضاً لكن حسب ما يناسب شأنها،فإنَّ حقيقة الوجود ـ حسب الفرض ـ موجودةفي جميع
1- سورة فاطر: الآية 15.