الدولة التي تقسم فيها الأعمال حسبالكفاءات فيكون الجو الكامل للعلموالعمل، والمحيط الصالح لتنميةالاستعدادات الانسانية، يملأ نور الأملقلوب الكل، ويكون طريق التقدم والترقيمفتوحاً أمام الجميع. هناك يكون الأفرادأحراراً في الحصول على الكفاءات، فمن يكوننتاجه أفضل ينال صلاحيات أوسع. هذه الدولةتكون من النظرة المادية والمعنوية مهداًللفضيلة، ومنشأ للسعادة والراحة.
تخضع نفسيات الأفراد في الأسرة إلى وضعحكومة الآباء. فالأب الذي يتحدث إلىأبنائه بلسان التهديد والعقاب فقط وتكونإطاعته له قائمة على أساس الخوف منه،ينعدم حب التعالي والترقي من نفوسالأطفال، ولا تظهر استعداداتهم الخفيةولا يفكرون في تحصيل الكفاءات لأنفسهم.وبصورة أساسية فإن الأطفال في أمثال هذهالأسر لا يدركون أنفسهم، ولا يلتفتون إلىوجودهم بين ظهراني المجتمع، لأنهم لميسمعوا كلاماً من رب الأسرة حول إظهارشخصياتهم، إنه كان يتحدث معهم بلغة السوطوالعصا فقط!.
أما في الأسر التي تقوم على أساس التعاليالنفسي وحب الكمال، الاسر التي تهدفالتربية فيها إلى إيجاد الكفاءة والفضيلةوالصلاحية في نفوس الأفراد، تنعدم لغةالتهديد والعقوبة، بل يستند المربي حينئذإلى شخصية الأطفال ويستفيد من غريزة جبهمللكمال في تشجيعهم على العمل المثمر الحر.
إن الحديث الذي بدأنا به المحاضرة يستندإلى هذا الأساس. فالامام الحسن عليهالسلام لم يتحدث عن نفسه مع أطفاله ولميهددهم بقوته، بل أشعرهم بأنهم صغاراليوم، وربما كانوا كبار الغد، وإن العظمةوذيوع الصيت في المجتمع يستلزم الكفاءة،فأخذ يحثهم على التعلم وتحصيل المعرفة.
* * *