فإن العقل من عالم التقييد و لهذا سميعقلا من العقال و الحس فمعلوم بالضرورةأنه من عالم التقييد بخلاف القلب
و ذلك أن الحب له أحكام كثيرة مختلفةمتضادة فلا يقبلها إلا من في قوتهالانقلاب معه فيها و ذلك لا يكون إلا للقلبو إذا أضفت مثل هذا إلى الحق فهو قولهأُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ و إن الله لا يمل حتى تملوا و من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي و الشرع كله أو أكثره في هذا الباب
و شرابه عين الحاصل في الكأس و قد بينا أنالكأس هو عين المظهر و الشراب عين الظاهرفيه و الشرب ما يحصل من المتجلي للمتجلي لهفاعلم ذلك على الاختصار انتهى الجزءالتاسع و الثمانون (بسم الله الرحمنالرحيم)
الجواب من تجليه في اسمه الجميل
قال صلّى الله عليه وسلّم إن الله جميليحب الجمال و هو حديث ثابت فوصف نفسه بأنه يحب الجمالو هو يحب العالم فلا شيء أجمل من العالم وهو جميل و الجمال محبوب لذاته فالعالم كلهمحب لله و جمال صنعه سار في خلقه و العالممظاهره فحب العالم بعضه بعضا هب من حب اللهنفسه
فإن الحب صفة الموجود و ما في الوجود إلاالله و الجلال و الجمال لله وصف ذاتي فينفسه و في صنعه و الهيبة التي هي من أثرالجمال و الأنس الذي هو من أثر الجلالنعتان للمخلوق لا للخالق و لا لما يوصف بهو لا يهاب و لا يأنس إلا موجود و لا موجودإلا الله فالأثر عين الصفة و الصفة ليستمغايرة للموصوف في حال اتصافه بها بل هيعين الموصوف
و إن عقلت ثانيا فلا محب و لا محبوب إلاالله عز و جل فما في الوجود إلا الحضرةالإلهية و هي ذاته و صفاته و أفعاله كماتقول كلام الله علمه و علمه ذاته فإنهيستحيل عليه أن يقوم بذاته أمر زائد أو عينزائدة ما هي ذاته تعطيها حكما لا يصح لهاذلك الحكم دونها مما يكون كمالا لها فيألوهيتها بل لا تصح الألوهة إلا بها و هوكونه عالما بكل شيء ذكر ذلك عن نفسهبطريق المدحة لذاته و دل عليه الدليلالعقلي و من المحال أن تكمل ذاته بغير ماهي ذاته فتكون مكتسبة الشرف بغيرها
و من علمه بذاته علم العلماء بالله منالله ما لا تعلمه العقول من حيث أفكارهاالصحيحة الدلالة و هذا العلم ما تقول فيهالطبعة إنه وراء طور العقل قال تعالى فيعبده خضر وَ عَلَّمْناهُ من لَدُنَّاعِلْماً و قال تعالى عَلَّمَهُ الْبَيانَفأضاف التعليم إليه لا إلى الفكر فعلمناإن ثم مقاما آخر فوق الفكر يعطي العبدالعلم بأمور شتى منها ما يمكن أن يدركها منحيث الفكر و منها ما يجوزها الفكر و إن لميحصل لذلك العقل من الفكر و منها ما يجوزهاالفكر و إن كان يستحيل أن يعينها الفكر ومنها ما يستحيل عند الفكر و يقبلها العقلمن الفكر مستحيلة الوجود لا يمكن أن يكونله تحت دليل الإمكان فيعلمها هذا العقل منجانب الحق واقعة صحيحة غير مستحيلة و لايزول عنها اسم الاستحالة و لا حكمالاستحالة عقلا قال صلّى الله عليه وسلّم إن من العلمكهيئة المكنون لا يعلمه إلا العلماء باللهفإذا نطقوا به لم ينكره إلا أهل الغرةبالله هذا و هو من العلم الذي يكون تحت النطق فماظنك بما عندهم من العلم مما هو خارج عنالدخول تحت حكم النطق فما كل علم يدخل تحتالعبارات و هي علوم الأذواق كلها
فلا أعلم من العقل و لا أجهل من العقلفالعقل مستفيد أبدا فهو العالم الذي لايعلم علمه و هو الجاهل الذي لا ينتهيجهله
الجواب إن أراد باللام الذي في لك و لهالأجلية فجوابه مغاير لجوابه إذا كانت لاللاجلية إذ يكون المعنى ما شراب حبه إياكحتى يسكرك عن حبك إياه فجواب الوجه الأول والثاني متغاير
نقول تغاير التجليات إنما كان من حيثظهوره فيك فوصف نفسه بالحب من أجلك فأسكركهذا العلم الحاصل لك من هذا التجلي عن أنتكون أنت المحب له أي المحب من أجله فلمتحب أحدا من أجله و هو أحب من أجلك فلو زلتأنت لم يتصف هو بالمحبة و أنت لا تزولفوصفه بالحب لا يزول فهذا جواب يعم الأول والثاني لفرقان بين ما يستحقه الأول منه والثاني دقيق غامض
و أما الجواب عن الثاني إن شراب حبه إياك وهو حبه إياك أن تحبه فإذا أحببته علمت حينشربت شراب حبه إياك أن حبك إياه عين حبهإياك و أسكرك عن