من عدم ذكرهم في مقام الاستدلال علىاعتبار المدة، سوى أن عدم ذكرها يقتضيالتأبيد، و التأبيد باطل، فيشبه إرسالالمسلم، و الاتكال على وضوح الأمر.
و هو كذلك إذ الإطلاق في عقد الهدنة و عدمذكر المدة يقتضي وجوب الوفاء به ما لم يظهرنقض من العدو، سواء في مدة حياة من تصدىللعقد أو بعده، و هذا خلاف المصلحة قطعا،إذ لازمه تعطيل الجهاد، و من المعلومضرورة من ضروريات الدين عدم رضا الشارعبه، مضافا إلى الاستبعاد القريب منالاستحالة أن تبقى الظروف دائما على غرارواحد، فالعقد المقتضي للتأبيد خلافالمصلحة قطعا، و منه يعلم بطلان العقدالمصرح فيه بدوام الهدنة بطريق أولى.
ثم إن اشتراط صحة الهدنة بالتوقيت، لايعني استلزام ذلك لحكم تكليفي في البين،أي حرمة عقد الهدنة بدون الوقت أو حتى معالتصريح بالتأبيد.
و على هذا فلو فرض قيام مصلحة عظيمة فيإلغاء المدة في الهدنة، كما إذا فرض أنالعدو لا يقبل تقييد الهدنة بمدة و لايقبلها إلا مطلقة أو مؤبدة، و فرض أن فياستمرار الحرب ضررا عظيما على الإسلام والمسلمين، فلا مضايقة على الإمام حينئذ أنيعقد الهدنة بغير ذكر المدة، و لا يكون ذلكحراما عليه، و إن كانت الهدنة في الواقعفاسدة غير منعقدة، فيستفيد المسلمون منمتاركة الحرب ما يحتاجون إليه، و يكونالإمام بالخيار في أمر الحرب متى شاء.
و الحاصل: أن اشتراط الهدنة بالمدة مما لاكلام فيه.
إنما الكلام في مقدار المدة و أنه هل يوجدله حد للأقل و للأكثر؟ فقد ذكروا في ذلكتحديدا في طرفي القلة و الكثرة، و لا بد منالتعرض لذلك و الفحص عن دليله حتى يتضحالحال.