موجز فی أصول الفقه

جعفر السبحانی‏

جلد 1 -صفحه : 233/ 33
نمايش فراداده

وأما الثاني فحاصله: أنّ صيرورة تلكالألفاظ حقائق شرعية على لسان النبي(صلّىالله عليه وآله وسلّم) يتوقف على الوضع وهوإمّا تعييني أو تعيّني، و الأوّل بعيدجداً، و إلاّ لنقل إلينا، والثاني يتوقفعلى كثرة الاستعمال التي هي بحاجة إلى وقتطويل، و أين هذا من قصر مدّة عصر النبوّة؟!

يلاحظ عليه: أنّ عصر النبوّة استغرق 23عاماً، و هي فترة ليست قصيرة لحصول الوضعالتعيّني على لسانه، وإنكاره مكابرة.

على أنّ الوضع لا ينحصر في التعييني والتعيّني، بل ثمّة قسم ثالث هو الاستعمالبداعي الوضع، كما إذا أُقيمت مراسيماحتفال لتسمية المولود الجديد، فقام أبوهيخاطب الأُم بقوله: آتيني بولدي الحسن،فهو بهذا الاستعمال أسماه حسناً، ولعلّالنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) سلك هذاالسبيل حينما قال: «صَلّوا كما رأيتمونيأُصلّي». فبنفس الاستعمال وضعَ اللفظَللمعنى.

و هناك قولان آخران يختلفان مع القولينالسابقين في المبنى لكنّهما يشتركان معالقول الثاني في إنكار النقل:

الأوّل: للشيخ الباقلاني(1) و حاصله: أنّالألفاظ المذكورة باقية على معانيهااللغوية إلى يومنا هذا، و أنّ الشارعتصرّف في كيفيّتها. و هو يسلّم الأمرالأوّل الذي عليه الأُصوليون، و ينكرالأمر الثاني، أي النقل عن معانيها إلىمعان أُخر، في عصر النبوّة و مابعدها.

و هو من الوهن بمكان، لأنّ الفرق بينالدعاء اللغوي و الصلاة، أو الفرق بينالنمو و الزكاة الواجبة كثير على نحو يجعلالمعنى الثاني مغايراً للمعنى اللغوي،فكيف تكون باقية على معانيها اللغويّة؟فأين القصد من أعمال الحج؟!

1. أبوبكر محمد بن الطيب بن محمد القاضيالمعروف بالباقلاني، بصري، سكن بغدادتوفي عام 403هـ.