موجز فی أصول الفقه

جعفر السبحانی‏

جلد 1 -صفحه : 233/ 94
نمايش فراداده

إذا عرفت ذلك، فاعلم أنّ المراد من قولهمعدم المانع من مقدّمات الواجب هو المانعبالمعنى الثاني أي المانع من تأثيرالمقتضي، فيقال إنّ عدم الرطوبة في المحلّمن أجزاء العلة التامة لاشتعال الحطب.

وأمّا التمانع بالمعنى الأوّل، فلا يعدّعدم أحد الضدين مقدّمة للضد الآخر غايةالأمر بما أنّ بين الضدين (السواد والبياض)أو (الإزالة و الصلاة) كمال المنافرة،فيكون بين أحدهما وعدم الآخر كمالالملائمة، فالعينان لا تجتمعان لوجودالتنافر بينهما وأمّا وجود أحدهما مع عدمالآخر فيجتمعان دون أن يكون عدم أحدهمامقدّمة لوجود الآخر.

وبذلك ظهر وجود المغالطة في البرهان، وهوأنّ المستدل خلط بين التمانع في الوجودوالتمانع في التأثير، فضرب الجميع بسهمواحد.

شبهة الكعبي في نفي المباح

نقل الأُصوليون عن الكعبي (1) القولبانتفاء المباح قائلاً: بأنّ ترك الحراميتوقّف على فعل واحد من أفراد المباح فيجبالمباح بحكم كونه مقدّمة، وبما أنّ مقدّمةالواجب واجبة، فتكون المباحات واجبة.

والجواب ما عرفت في تحليل الدليل السابقمن أنّ بين الفعلين (الحرام والمباح)التضادّ في الوجود والمعاندة في التحقق،ولكن بين أحدهما وترك الآخر كمالالملائمة، فهما متقارنان ومتلائمان لاأنّ فعل المباح مقدّمة لترك الحرام.

وترك الحرام مستند إمّا إلى فقد المقتضىأو وجود المقتضي للضد الآخر وليس مستنداًإلى وجود الضد الآخر.

فمثلاً ترك السرقة مستند إلى فقدالمقتضي، كعدم الرغبة إلى ارتكاب الحرام

1. هو أبو القاسم البلخيّ الكعبيّ (273 ـ317هـ) خرّيج مدرسة بغداد في الاعتزال.