وبهذه الفكرة، وهي انّ للقائد بعضالوظائف الخاصّة به، يظهر السرّ في اختلافالائمة الطاهرين (عليهم السلام)، من حيثالسلوك الخارجي؛ فالإمام الصادق (عليهالسلام) مثلاً كان يلبس نوعاً من الثياب،يختلف عن النوع الذي كان الإمام علي (عليهالسلام) يلبسه، وهذا الاختلاف يثير السؤالعن السرّ في ذلك؟.
والجواب ما ذكرناه، لاختلاف طبيعةالقيادة وظروفها، فانّ لكل امام مكانةاجتماعية، ربّما تختلف عن مكانة غيره،بالاضافة إلى اختلاف الظروف التي عاشهاالائمة (عليهم السلام)؛ وقد اشار لهذهالفكرة الإمام الصادق (عليه السلام)، فيحديث له في هذا المجال، يشير إلى هذاالمعنى الذي ذكرناه.
هذا هو المصدر الثاني، الذي يمكن التعرفمن خلاله، على شروط القيادة وأصولها فيالإسلام؛ وهو الرجوع للنصوص الرئيسية،المتضمنة للتعاليم الإسلامية في هذاالمجال.
أمثال ما ذكره القرآن الكريم، مخاطباًالانبياء عموماً، والنبي محمد (صلّى اللهعليه وآله وسلّم)بالخصوص، حول اساليبتعاملهم مع مجتمعاتهم؛ وكذلك التعاليمالصادرة، حول الأمر بالمعروف والنهي عنالمنكر، وارشاد الجاهل، والوعظ والنصيحة؛وكل ما ورد من النصوص حول شروط التبليغ،والمبلّغ؛ ونحن لو أردنا ذكرها بالتفصيل،لكان كتاباً كبيراً، ولذلك نكتفي بهذهالاشارة إليها.
إن قضايا القيادة ومسائلها، لها علاقةوثيقة بالنفس البشرية؛ فإن استمالةالنفوس وجذبها، لتكون مستعدة للالتفافحول القائد، والتضحية في سبيل رسالته،ودفعها باتجاه الاهداف المقدسة العالية؛كل ذلك، يحتاج إلى كفاءة كبيرة وقدراتفذّة، لا توجد عند كل أحد.
واليوم، وبعد التقدم الكبير في علمالنفس، وعلم الاجتماع، والعلوم الإنسانيةعلى العموم؛ قد اتضحت هذه الحقيقة بصورةجلية، فاننا حين ندرس سيرة اولياء الله،وقيادتهم، نرى بأنها تتوافق مع اعمق الاسسوالقواعد النفسية، والاصول العلميةالدقيقة، وقد تمكنوا بواسطة هذه القيادةالحكيمة، من النفوذ بقوة لاعماقالجماهير، وضحّى الناس في سبيل رسالتهمبكل ما يملكون.
ولكن، ما هي شروط القيادة؟ وهذا حديثطويل، ونأسف لعدم توفر الفرصة لدراستها.
وفي ختام حديثي، أود أن اذكر بعض الشواهدوالامثلة، من سيرة النبي (صلّى الله عليهوآله وسلّم) والإمام الحسين (عليه السلام)،كنماذج حيّة على الآراء التي تعرضت لهاهذه الدراسة، وكيف أمكن لهذا اليتيم، الذيحاربه حتى اقرباؤه في بداية بعثته، أنيبلغ الذروة التي وصل إليها من حيثالتأثير والنفوذ؛ حتى أن أبا سفيان، الرجلالمتمدّن، أو المطلّع على مدنيات عصره،حين ابصر النبي (صلّى الله عليه وآلهوسلّم) عن كثب وحوله اصحابة: قال: (ما رأيتأحداً يُحبّه أحدٌ كما يحب هؤلاء لناسصاحبهم).