قوله سبحانه: «وَمَآ أَدْرَاكَ مَالَيْلَةُ الْقَدْرِ». يدلّ بوضوح، علىأنَّ إدراك المعنى الحقيقي لليلة القدر هوأمر شاقّ تكتنفه صعوبات جمّة، وأنَّ هذاالمعنى هو فوق المستوى الإدراكي لعامّةالناس. بديهي إذا كان المخاطب بالآية هورسول اللَّه صلّى الله عليه وآله،فسيكون الاستفهام في قوله: «مَآأَدْرَاكَ» لتعظيم ليلة القدر وتكريمهاعلى ما يظهر، مردّ ذلك، أنَّ من نزل القرآنعلى قلبه، ومن روحه موضع ليلة القدر،وتهبط عليه الملائكة لتدبير اُمور العالموتقدير شؤونه، لا يمكن أن يكون جاهلاًبحقيقة ليلة القدر.
أكثر من ذلك، قد تتيسّر مشاهدة حقيقة ليلةالقدر ولو بقدر لعدد من أهل السيروالسلوك، عبر انتفاعهم من تعاليم أهلالبيت عليهم السلام في هذا المجال (129).لقد عرض العالم الرباني آية اللَّه ملكيتبريزي للسؤال التالي: «مامعنى رؤية ليلةالقدر، وما معنى لذّته؟» ثُمَّ أجاب عليهبما يلي: «رؤية ليلة القدر عبارة عن كشف مايقع فيها من نزول الأمر إلى الأرض، كمايُكشف لإمام العصر عليه السلام فياللّيلة» (130).
على أنَّ رؤية هذه الحقيقة والارتقاءإليها أمر عظيم وشأن جليل، وهو كما وصفهالإمام الصادق عليه السلام بقوله:
«إنَّ القَلبَ الَّذي يُعايِنُ مايُنزَلُ في لَيلَةِ القَدرِ لَعَظيمُالشَّأنِ» (131).
بيد أنَّ الإسلام لم يترك الناس هَمَلاًعلى هذا الصعيد، فمن أجل أن ينعم عامّةالناس بمعرفة إجمالية عن معنى ليلة القدر،اضطلعت النصوص الإسلامية بتصوير ملامحلهذه الحقيقة، عبر بيان خصائص تلك اللّيلةوتلمّس فضائلها، ممّا سنطلّ على أمثلة لهفي النقطة التالية.