1ـ قال ابن قتيبة: وخرج علي كرم الله وجههيحمل فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليهوآله على دابة ليلاً في مجالس الأنصارتسألهم النصرة، فكانوا يقولون: يا بنترسول الله قد مضت بيعتنا لهذا الرجل، ولوأن زوجك وابن عمك سبق إلينا قبل أبي بكر،ما عدلنا به،، فيقول علي كرم الله وجهه:أفكنت أدع رسول الله صلّى الله عليه وآلهفي بيته لم أدفنه. وأخرج أنازع الناسسلطانه؟ فقالت فاطمة: ما صنع أبو الحسن إلاما كان ينبغي له، ولقد صنعوا ما اللهحسيبهم وطالبهم.
قال: وإن أبا بكر رضي الله عنه تفقد قوماًتخلفوا عن بيعته عند علي كرم الله وجهه،فبعث إليهم عمر، فجاء فناداهموهم في دارعلي، فأبوا أن يخرجوا، فدعا بالحطب وقال:والذي نفس عمر بيده، لتخرجن أو لأحرقنهاعلى من فيها، فقيل له: يا أبا حفص إن فيهافاطمة! فقال: وإن. فخرجوا فبايعوا إلاعلياً فإنه زعم أنه قال: حلفت أن لا أخرجولا أضع ثوبي على عاتقي حتى أجمع القرآن.فوقفت فاطمة رضي الله عنها على بابها،فقالت: لاعهد لي بقوم حضروا أسوأ محضر منكمتركتم رسول الله صلّى الله عليه وآلهجنازة بين أيدينا، وقطعتم أمركم بينكم، لمتستأمرونا، ولم تردوا لنا حقاً.
فأتي عمر أبا بكر، فقال له: ألا تأخذ هذاالمتخلف عنك بالبيعة؟ فقال أبو بكر لقنفذوهو مولى له: اذهب فادع لي علياً. قال: فذهبإلى علي فقال له: ما حاجتك؟ فقال: يدعوكخليفة رسول الله، فقال علي: لسريع ما كذبتمعلى رسول الله. فرجع فأبلغ الرسالة. قال:فبكى أبو بكر طويلاً، فقال عمر الثانية: لاتمهل هذا المتخلف عنك بالبيعة، فقال أبوبكر رضي الله عنه لقنفذ: عد إليه، فقل له:خليفة رسول الله يدعوك لتبايع، فجاءهقنفذ، فأدى ما أمر به، فرفع علي صوته فقال:سبحان الله! لقد ادعى ما ليس له.
فرجع قنفذ، فأبلغ الرسالة، فبكى أبو بكرطويلاً، ثم قام عمر، فمشى معه جماعة، حتىأتوا باب فاطمة، فدقوا الباب، فلما سمعتأصواتهم نادت بأعلى صوتها: يا أبت، يا رسولالله ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابنأبي قحافة. فلما سمع القوم صوتها وبكاءهاانصرفوا باكين، وكادت قلوبهم تنصدع،وأكبادهم تنفطر، وبقي عمر ومعه قوم،فأخرجوا علياً، فمضوا به إلى أبي بكر،فقالوا له: بايع، فقال: إن أنا لم أفعل فمه؟قالوا: إذاً والله الذي لا إله إلا هو نضربعنقك، فقال: إذاً تقتلون عبد الله وأخارسوله. قال عمر: أما عبد الله فنعم، وأماأخو رسوله فلا، وأبو بكر ساكت لا يتكلم،فقال له عمر: ألا تأمر فيه بأمرك؟ فقال: لاأكرهه على شيء ما كانت فاطمة إلى جنبه.فلحق علي بقبر رسول الله صلّى الله عليهوآله يصيح ويبكي، وينادي: يا ابن أم إنالقوم استضعفوني وكادوا يقتلونني.
فقال عمر لأبي بكر رضي الله عنهما: انطلقبنا إلى فاطمة، فإنا قد أغضبناها. فانطلقاجميعاً، فاستأذنا على فاطمة، فلم تأذنلهما، فأتيا علياً فكلماه، فأدخلهماعليها، فلما قعدا عندها، حولت وجهها إلىالحائط، فسلما عليها، فلم ترد عليهماالسلام، فتكلم أبو بكر، فقال: يا حبيبةرسول الله، والله إن قرابة رسول الله أحبإلي من قرابتي، وإنك لأحب إلي من عائشةابنتي، ولوددت يوم مات أبوك أني مت ولاأبقى بعده، أفتراني أعرفك وأعرف فضلكوشرفك وأمنعك حقك وميراثك من رسول اللهإلا أني سمعت أباك رسول الله صلّى اللهعليه وآله يقول: (لا نورث، ما تركنا فهوصدقة).
فقالت: أرأيتكما إن حدثتكما حديثاً عنرسول الله صلّى الله عليه وآله تعرفانهوتفعلان به؟ قالا: نعم. فقالت: نشدتكماالله ألم تسمعا رسول الله صلّى الله عليهوآله يقول: (رضا فاطمة من رضاي، وسخط فاطمةمن سخطي، فمن أحب فاطمة ابنتي فقد أحبني،ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني، ومن أسخطفاطمة فقد أسخطني)؟ قالا: نعم، سمعناه منرسول الله صلّى الله عليه وآله، قالت: فإنيأشهد الله وملائكته أنكما أسخطتماني وماأرضيتماني، ولئن لقيت النبي لأشكونكماإليه. فقال أبو بكر: أنا عائذ بالله تعالىمن سخطه وسخطك يا فاطمة. ثم انتحب أبو بكريبكي، حتى كادت نفسه أن تزهق، وهي تقول:والله لأدعون الله عليك في كل صلاةأصليها(1).
2ـ قال ابن أبي الحديد:... واجتمع الناسينظرون، وامتلأت شوارع المدينة بالرجال،ورأت فاطمة ما صنع عمر، فصرخت وولولت،واجتمع معها نساء كثير من الهاشمياتوغيرهن، فخرجت إلى باب حجرتها، ونادت: ياأبا بكر، ما أسرع ما أغرتم على أهل بيترسول الله! والله لا أكلم عمر حتى ألقىالله.
قال أبو بكر:(2) وحدثني المؤمل بن جعفر،قال: حدثني محمد بن ميمون، قال: حدثني داودبن المبارك، قال: أتينا عبد الله بن موسىبن عبد الله بن حسن بن علي بن أبي طالب عليهالسلام ونحن راجعون من الحج في جماعة،فسألناه عن مسائل، وكنت أحد من سأله،فسألته عن أبي بكر وعمر، فقال: أجيبك بماأجاب به جدي عبد الله بن الحسن، فإنه سئلعنهما، فقال: كانت أمنا صديقة ابنة نبيمرسل، وماتت وهي غضبى على قوم، فنحن غضابلغضبها.
قلت: قد أخذ هذا المعنى بعض شعراءالطالبيين من أهل الحجاز، أنشدنيه النقيبجلال الدين عبد الحميد بن محمد بن عبدالحميد العلوي، قال: أنشدني هذا الشاعرلنفسه ـوذهب عني أنا اسمه ـ قال:
يخاطب عمر ويقول له: مهلاً ورويداً يا عمرـ أي ارفق واتئد ولا تعنف بنا ـ وما كنتملياً، أي وما كنت أهلاً لأن تخاطب بهذاوتستعطف، ولا كنت قادراً على ولوج دارفاطمة على ذلك الوجه الذي ولجتها عليه،لولا أن أباها الذي كان بيتها يحترم ويصانلأجله، مات فطمع فيها من لم يكن يطمع. ثمقال: أتموت أمنا وهي غضبى ونرضى نحن! إذاًلسنا بكرام، فإن الولد الكريم يرضى لرضىأبيه وأمه، ويغضب لغضبهما والصحيح عنديأنها ماتت وهي واجدة على أبي بكر وعمر،وأنها أوصت ألا يصليا عليها(3).
3ـ في حديث: فغضبت فاطمة بنت رسول اللهصلّى الله عليه وآله فهجرت أبا بكر، فلمتزل مهاجرته حتى توفيت، وعاشت بعد رسولالله صلّى الله عليه وآله ستة أشهر(4).
4 ـ وفي حديث آخر: فأبى أبو بكر أن يرفع إلىفاطمة منها شيئاً، فوجدت فاطمة على أبيبكر في ذلك، فهجرته، فلم تكلمه حتى توفيت،وعاشت بعد النبي صلّى الله عليه وآله ستةأشهر، فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلاً،ولم يؤذن بها أبا بكر، وصلى عليها(5).
5ـ قال ابن حجر العسقلاني في ترجمة أحمد بنمحمد السري بن يحيى بن أبي دارم المحدث أبوبكر الكوفي: قال محمد بن أحمد بن حمادالكوفي الحافظ بعد أن أرخ موته: كان مستقيمالأمر عامة دهره، ثم في آخر أيامه كان أكثرما يقرأ عليه المثالب، حضرته ورجل يقرأعليه: (إن عمر رفس فاطمة حتى أسقطت بمحسن)(6).
6ـ قال الشهرستاني: قال إبراهيم بن سيار بنهانئ النظام: إن عمر ضرب بطن فاطمة يومالبيعة حتى ألقت الجنين من بطنها، وكانيصيح: أحرقوا دارها بمن فيها، وما كان فيالدار غير علي وفاطمة والحسن والحسينعليهم السلام(7).
7 ـ قال أحمد بن يحيى البلاذري المتوفى 279:إن أبا بكر أرسل إلى علي يريد البيعة، فلميبايع، فجاء عمر ومعه فتيلة، فتلقته فاطمةعلى الباب، فقالت فاطمة: يا ابن الخطابأتراك محرقاً عليَّ بابي؟ قال: نعم، وذلكأقوى فيما جاء به أبوك(8).
8 ـ قال ابن عبد ربه الأندلسي: الذينتخلفوا عن بيعة أبي بكر علي والعباسوالزبير وسعد بن عبادة، فأما علي والعباسوالزبير فقعدوا في بيت فاطمة حتى بعثإليهم أبو بكر عمر بن الخطاب ليخرجوا منبيت فاطمة، وقال له: إن أبوا فقاتلهم.فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهمالدار، فلقيته فقالت: يا ابن الخطاب أجئتلتحرق دارنا؟ قال: نعم(9).
9ـ قال صلاح الدين الصفدي الشافعي المتوفى764 في ترجمة النظام في ذكر أقواله: وقال: إنعمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتى ألقتالمحسن من بطنها(10).
10ـ قال المحدث القمي (ره) في ترجمة النظام:ذكر ترجمته الصفدي في كتابه الوافيبالوفيات ونقلها منه صاحب (العبقات) مع بعضالأقوال منه كخبر المحسن، وأن الإجماع ليسبحجة، وكذلك القياس، وإنما الحجة قولالمعصوم، وأنه نص النبي صلّى الله عليهوآله على أن الإمام علي، وعينه وعرفتالصحابة ذلك، لكنه كتمه عمر لأجل أبيبكر(11).
11ـ قال المؤرخ الكبير إسماعيل أبو الفداء:خلا جماعة من بني هاشم والزبير وعتبة بنأبي لهب وخالد بن سعيد بن العاص والمقدادبن عمر وسلمان الفارسي وأبي ذر وعمار بنياسر والبراء بن عازب وأبي بن كعب، ومالوامع علي بن أبي طالب، وقال في ذلك عتبة بنأبي لهب:
وكذلك تخلف عن بيعة أبي بكر أبو سفيان منبني أمية. ثم إن أبا بكر بعث عمر بن الخطابإلى علي ومن معه ليخرجهم من بيت فاطمة رضيالله عنها، وقال: إن أبوا عليك فقاتلهم،فأقبل عمر بشيء من نار على أن يضرم الدار،فلقيته فاطمة رضي الله عنها وقالت: إلى أينيا ابن الخطاب؟ أجئت لتحرق دارنا؟ قال:نعم(12).
12ـ قال محمد بن جرير الطبري: عن زياد بنكليب قال: أتى عمر بن الخطاب منزل علي وفيهطلحة والزبير ورجال من المهاجرين، فقال:والله لأحرقن عليكم أو لتخرجن إلى البيعة،فخرج عليه الزبير مسلطاً بالسيف، فعثرفسقط السيف من يده، فوثبوا عليه فأخذوه(13).
13ـ قال عمر رضا كحالة: وتفقد أبو بكر قوماًتخلفوا عن بيعته عند علي بن أبي طالبكالعباس والزبير وسعد بن أبي عبادة،فقعدوا في بيت فاطمة، فبعث أبو بكر إليهمعمر بن الخطاب، فجاءهم عمر فناداهم وهم فيدار فاطمة، فأبوا أن يخرجوا، فدعا بالحطبوقال: والذي نفس عمر بيده لتخرجن أولأحـرقنها على من فيها، فقيل له: يا أباحفص إن فيها فاطمة، فقال: وإن(14).
14ـ قال العلامة المظفر (ره): وما زال أولئكالمسلمون بعداء عن ذلك الإمام الأعظم إلىزماننا هذا حتى جاء شاعرهم المصري فيوقتنا، فافتخر بما قاله عمر من التهديدبإحراق بيت النبوة وباب مدينة علم النبيوحكمته، وقال:
وظن هذا الشاعر أن هذا من شجاعة عمر، وهوخطأ، أولم يعلم أنه لم تثبت لعمر قدم فيالمقامات المشهورة، ولم تمتد له يد فيحروب النبي الكثيرة، فما ذلك إلا لأمانهمن علي عليه السلام بوصية النبي صلّى اللهعليه وآله له بالصبر، ولو هم به لهام علىوجهه واختطفه بأضعف ريشة(15).
أقول: ولقد أتى الشاعر بخلاف صريحالتاريخ، وقد أجاد ابن أبي الحديد في ذلكشعراً، وأنا أورده رغماً لأنف هذا الشاعر،قال:
إلى آخر الأبيات(16).
15ـ نقل ابن خيزرانة في غرره، قال زيد بنأسلم: كنت ممن حمل الحطب مع عمر إلى بابفاطمة حين امتنع علي وأصحابه عن البيعة أنيبايعوا، فقال عمر لفاطمة: أخرجي من فيالبيت وإلا أحرقته ومن فيه، قال: وفي البيتعلي وفاطمة والحسن والحسين وجماعة منأصحـاب النبي صلّى الله عليه وآله، فقالتفاطمة: تحرق على ولدي؟ قال: إي والله أوليخرجن وليبايعن(17).
16ـ قال المؤرخ الكبير المسعودي: فأقامأمير المؤمنين عليه السلام ومن معه منشيعته في منزله بما عهد إليه رسول اللهصلّى الله عليه وآله، فوجهوا إلى منزله،فهجموا عليه، وأحرقوا بابه واستخرجوه منهكرهاً، وضغطوا سيدة النساء بالباب حتىأسقطت محسناً، وأخذوه بالبيعة فامتنعوقال: لا أفعل، فقالوا: نقتلك، فقال: إنتقتلوني فإني عبد الله وأخو رسوله(18).
17ـ قال ولي الله الدهلوي: عن أسلم أنه حينبويع لأبي بكر بعد رسول الله صلّى اللهعليه وآله كان علي والزبير يدخلان علىفاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآلهفيشاورونها ويرتجعون في أمرهم، فلما بلغذلك عمر بن الخطاب خرج حتى دخل على فاطمةفقال: يا بنت رسول الله، والله ما من الخلقأحد أحب إلينا من أبيك ومنك، وأيم الله ماذاك بمانعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندك أنآمر بهم أن حرق عليهم الباب(19).
18ـ قال ابن أبي الحديد: روى إبراهيم بنسعيد الثقفي، عن إبراهيم بن ميمون قال:حدثنا عيسى بن عبد الله بن محمد بن علي بنأبي طالب عليه السلام، عن أبيه، عن جده، عنعلي عليه السلام قال: جاءت فاطمة عليهاالسلام إلى أبي بكر وقالت: إن أبي أعطانيفدك، وعلي وأم أيمن يشهدان، فقال: ما كنتلتقولي على أبيك إلا الحق، قد أعطيتكها،ودعا بصحيفة من أدم فكتب لها فيها.
فخرجت، فلقيت عمر، فقال: من أين جئت يافاطمة؟ قالت: جئت من عند أبي بكر أخبرته أنرسول الله صلّى الله عليه وآله أعطانيفدك، وأن علياً وأم أيمن يشهدان لي بذلك،فأعطانيها وكتب لي بها، فأخذ عمر منهاالكتاب ثم رجع إلى أبي بكر فقال: أعطيتفاطمة فدك وكتبت بها لها؟ قال: نعم، قال: إنعلياً يجر إلى نفسه، وأم أيمن امرأة، وبصقفي الكتاب فمحاه وخرقه.
وقد روي أن أبا بكر لما شهد أمير المؤمنينعليه السلام كتب بتسليم فدك إليها، فاعترضعمر قضيته وخرق ما كتبه(20).
19ـ قال برهان الدين الشافعي: وفي كلام سبطابن الجوزي (ره): أنه كتب لها بفدك، ودخلعليه عمر فقال: ما هذا؟ فقال: كتاب كتبتهلفاطمة بميراثها من أبيها، فقال: مما ذاتــنفـق على المسلمين وقد حاربتك العربكما ترى. ثم أخذ عمر الكتاب فشقه(21).
20ـ قال العلامة المقرم (ره): ودعا (أبو بكر)بكتاب كتب فيه بإرجاع فدك إلى الزهراءعليها السلام، فخرجت من عنده والكتابمعها، فصادفها عمر في الطريق وعرف أنهاكانت عند أبي بكر، فسألها عن شأنهافأخبرته بكتابة أبي بكر برد فدك عليها،وطلب الكتاب منها، فامتنعت، فرفسها برجلهوأخذ الكتاب منها قهراً، وبصق فيه وخرقه،وقال: هذا فيء للمسلمين يشهد بذلك عائشةوحفصة وأوس بن الحدثان، فقالت عليهاالسلام: بقرت كتابي بقر الله بطنك(22).
21ـ قال ابن حجر العسقلاني في ترجمة علوان:عن عبد الرحمن بن عوف، عن أبيه قال: دخلتعلى أبي بكر أعوده، فاستوى جالساً... ثم قالعبد الرحمن له: ما أرى بك بأساً والحمدلله، فلا تأس على الدنيا، فو الله إنعلمناك إلا كنت صالحاً مصلحاً، فقال: إنيلا آسى على شيء إلا على ثلاث وددت أني لمأفعلهن، وددت أني لم أكشف بيت فاطمةوتركته وإن أغلق على الحرب، وددت أني يومالسقيفة كنت قذفت الأمر في عنق أبي عبيدةأو عمر فكان أميراً وكنت وزيراً(23).
وكذلك في كتاب (الأموال) للحافظ أبيالقاسم بن سلام ص193، ط مكتبات الأزهرية،لكن حرفت الكلمات هنا، قال: فوددت أني لمأكن فعلت كذا وكذا.
22ـ روى إبراهيم بن سعيد الثقفي قال: حدثنيأحمد بن عمرو البجلي قال: حدثنا أحمد بنحبيب العامري، عن حمران بن أعين، عن أبيعبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام قال:والله ما بايع علي حتى رأى الدخان دخلبيته(24).
قال العلامة بحر العلوم في هامش (تلخيصالشافي): إن قصة هجوم عمر على دار فاطمةعليها السلام وعزمه على إحراقها بمن فيهالا مجال لنكرانها، فقد روتها عامةالمؤرخين من السنة... ثم ذكر كلام المؤرخين.
نعم أنكره ابن روزبهان في رده على العلامةالحلي (ره)، وأجابه العلامة المظفر بأدلةقاطعة في (دلائل الصدق) ج3، ص 78ـ95 طالقاهرة، قال (ره) في ص91: وبالجملة يكفي فيثبوت قصد الإحراق رواية جملة من علمائهمله، بل رواية الواحد منهم له لا سيما معتواتره عند الشيعة، ولا يحتاج إلى روايةالبخاري ومسلم وأمثالهما ممن أجهدهالعداء لآل محمد صلى الله عليهم أجمعين،والولاء لأعدائهم، ورام التزلف إلىملوكهم وأمرائهم وحسن السمعة عند عوامهم.
23ـ في حديث المفضل عن الصادق عليهالسلام:... وجمعهم الجزل والحطب على البابلإحراق بيت أمير المؤمنين وفاطمة والحسنوالحسين وزينب وأم كلثوم وفضة، وإضرامهمالنار على الباب، وخروج فاطمة إليهموخطابها لهم من وراء الباب، وقولها: ويحكيا عمر ما هذه الجرأة على الله وعلى رسوله؟تريد أن تقطع نسله من الدنيا وتفنيه وتطفئنور الله؟ والله متم نوره، وانتهاره له،وقوله: كفي يا فاطمة فليس محمد حاضراً، ولاالملائكة آتية بالأمر والنهي والزجر منعند الله، وما علي إلا كأحد من المسلمين،فاختاري إن شئت خروجه لبيعة أبي بكر أوإحراقكم جميعاً... وإدخال قنفذ يده لعنهالله يروم فتح الباب، وضرب عمر لها بالسوطعلى عضدها حتى صار كالدملج الأسود، وركلالباب برجله حتى أصاب بطنها وهي حاملةبالمحسن لستة أشهر وإسقاطها إياه. وهجومعمر وقنفذ وخالد بن الوليد، وصفقة خدهاحتى بدا قرطاها تحت خمارها، وهي تجهربالبكاء وتقول: وا أبتاه، وا رسول الله،ابنتك فاطمة تكذب وتضرب، ويقتل جنين فيبطنها. وخروج أمير المؤمنين عليه السلاممن داخل الدار محمر العين حاسراً، حتىألقى ملاءته عليها وضمها إلى صدره... وصاحأمير المؤمنين بفضة: يا فضة مولاتك فاقبليمنها ما تقبله النساء، فقد جاءها المخاضمن الرفسة ورد الباب، فأسقطت محسناً، فقالأمير المؤمنين عليه السلام: فإنه لاحقبجده رسول الله صلّى الله عليه وآله فيشكوإليه ـ الحديث(25).
24 ـ وقال (ره): فلما أخرجوه (علي عليهالسلام) حالت فاطمة عليها السلام بينزوجها وبينهم عند باب البيت، فضربها قنفذبالسوط على عضدها، فصار بعضدها مـثلالدملوج من ضرب قنفذ إيـاها ودفعـها، فكسرضلعاً من جنبها، وألقت جنيناً من بطنها(26).
25ـ إرشاد القلوب: من مثالبهم ما تضمنه خبروفاة الزهراء عليها السلام، قرة عينالرسول وأحب الناس إليه، مريم الكبرىوالحوراء التي أفرغت من ماء الجنة من صلبرسول الله صلّى الله عليه وآله التي قال فيحقها رسول الله صلّى الله عليه وآله: (إنالله يرضى لرضاك، ويغضب لغضبك) وقال صلّىالله عليه وآله: (فاطمة بضعة مني، من آذاهافقد آذاني). وروي أنه لما حضرتها الوفاةقالت لأسماء بنت عميس: إذا أنا مت فانظريإلى الدار فإذا رأيت سجفاً من سندس منالجنة قد ضرب فسطاطاً في جانب الدارفاحمليني وزينب وأم كلثوم، فاجعلوني منوراء السجف، وخلوا بيني وبين نفسي. فلماتوفيت عليها السلام وظهر السجف، حملناهاوجعلناها وراءه، فغسلت وكفنت وحنطتبالحنوط، وكان كافوراً أنزله جبرائيلعليه السلام من الجنة في ثلاث صرر فقال: يارسول الله ربك يقرئك السلام ويقول لك: هذاحنوطك وحنوط ابنتك وحنوط أخيك علي مقسومأثلاثاً، وإن أكفانها وماءها وأوانيها منالجنة.
وروي أنها توفيت عليها السلام بعد غسلهاوتكفينها وحنوطها، لأنها طاهرة ولا دنسفيها، وأنها أكرم على الله تعالى أن يتولىذلك منها غيرها، وأنه لم يحضرها إلا أميرالمؤمنين والحسن والحسين وزينب وأم كلثوموفضة جاريتها وأسماء بنت عميس، وأن أميرالمؤمنين أخرجها ومعه الحسن والحسين فيالليل، وصلوا عليها، ولم يعلم بها أحد،ولا حضروا وفاتها ولا صلى عليها أحد منسائر الناس غيرهم، لأنها عليها السلامأوصت بذلك وقالت: لا تصلي عليَّ أمة نقضتعهد الله وعهد أبي رسول الله صلّى اللهعليه وآله في أمير المؤمنين علي عليهالسلام، وظلموني حقي، وأخذوا إرثي،وخرقوا صحيفتي التي كتبها لي أبي بملكفدك، وكذبوا شهودي وهم والله جبرائيلوميكائيل وأمير المؤمنين وأم أيمن، وطفتعليهم في بيوتهم، وأمير المؤمنين عليهالسلام يحملني ومعي الحسن والحسين ليلاًونهاراً إلى منازلهم، أذكرهم باللهورسوله ألا تظلمونا ولا تغصبونا حقنا الذيجعله الله لنا، فيجيبونا ليلاً ويقعدون عننصرتنا نهاراً، ثم ينفذون إلى دارناقنفذاً ومعه عمر بن الخطاب وخالد بنالوليد ليخرجوا ابن عمي علياً إلى سقيفةبني ساعدة لبيعتهم الخاسرة، فلا يخرجإليهم متشاغلاً بما أوصاه به رسول اللهصلّى الله عليه وآله وبأزواجه، وبتأليفالقرآن، وقضاء ثمانين ألف درهم وصاهبقضائها عنه عداة وديناً.
فجمعوا الحطب الجزل على بابنا، وأتوابالنار ليحرقوه ويحرقونا، فوقفت بعضادةالباب، وناشدتهم بالله وبأبي أن يكفوا عناوينصرونا، فأخذ عمر السوط من يد قنفذ مولىأبي بكر فضرب به عضدي، فالتوى السوط علىعضدي حتى صار كالدملج، وركل الباب برجلهفرده علي وأنا حامل، فسقطت لوجهي والنارتسعر وتسفع وجهي، فضربني بيده حتى انتشرقرطي من أذني، وجاءني المخاض فأسقطتمحسناً قتيلاً بغير جرم، فهذه أمة تصليعليّ وقد تبرأ الله ورسوله منهم، وتبرأتمنهم!
فعمل أمير المؤمنين عليه السلام بوصيتها،ولم يعلم أحداً بها فأصنع في البقيع ليلةدفنت فاطمة عليها السلام أربعون قبراًجدداً. ثم إن المسلمين لما علموا بوفاةفاطمة ودفنها جاؤوا... فقالوا: إنا لله وإناإليه راجعون، تموت ابنة نبينا محمد صلّىالله عليه وآله ولم يخلف فينا ولداً غيرهاولا نصلي عليها، إن هذا لشيء عظيم، فقالعليه السلام: حسبكم ما جنيتم على الله وعلىرسوله وعلى أهل بيته، ولم أكن واللهلأعصيها في وصيتها التي أوصت بها في أن لايصلي عليها أحد منكم...
فقال أبو بكر: هاتوا من ثقات المسلمين منينبش هذه القبور حتى تجدوا قبرها فنصليعليها ونزورها، فبلغ ذلك أمير المؤمنينعليه السلام، فخرج من داره مغضباً وقداحمر وجهه وفاضت عيناه ودرّت أوداجه وعلىيده قباءه الأصفر الذي لم يكن يلبسه إلا فييوم كريهة يتوكى على سيفه ذي الفقار حتىورد البقيع، فسبق الناس النذير فقال لهم:هذا علي قد أقبل كما ترون، يقسم بالله لئنبحث من هذه القبور حجر واحد لأضعن السيفعلى غابر هذه الأمة، فولى القوم هاربينقطعاً قطعاً(27).
26ـ لما أوقف علي عليه السلام تكلم فقال:أيتها الغدرة الفجرة... فاستعدوا للمسألةجواباً، ولظلمكم لنا أهل البيت احتساباً،أو تضرب الزهراء نهراً، ويؤخذ منا حقناقهراً وجبراً، فلا نصير ولا مجير ولا مسعدولا منجد؟ فليت ابن أبي طالب مات قبل يومه،فلا يرى الكفرة الفجرة قد ازدحموا على ظلمالطاهرة البرة، فتباً تباً، وسحقاًسحقاً، ذلك أمر إلى الله مرجعه، وإلى رسولالله مدفعه، فقد عز على علي بن أبي طالب أنيسوَّد متن فاطمة ضرباً وقد عرف مقامهوشوهدت أيامه...
فالصبر أيمن وأجمل، والرضا بما رضي اللهأفضل، لكيلا يزول الحق عن وقره، ويظهرالباطل من وكره، حتى ألقى ربي فأشكو إليهما ارتكبتم من غصبكم حقي، وتماطلكم صدري،وهو خير الحاكمين وأرحم الراحمين، وسيجزيالله الشاكرين، والحمد لله رب العالمين.ثم سكت عليه السلام(28).
27ـ... فقال المفضل للصادق عليه السلام: يامولاي ما في الدموع من ثواب؟ قال: ما لايحصى إذا كان من محق. فبكى المفضل (بكاءً)طويلاً ويقول: يا ابن رسول الله إن يومكمفي القصاص لأعظم من يوم محنتكم، فقال لهالصادق عليه السلام: ولا كيوم محنتنابكربلاء وإن كان يوم السقيفة وإحراق النارعلى باب أمير المؤمنين والحسن والحسينوفاطمة وزينب وأم كلثوم وفضة وقتل محسنبالرفسة أعظم وأدهى وأمر، لأنه أصل يومالعذاب(29).
وقال عليه السلام: ويأتي محسن مخضباًمحمولاً تحمله خديجة بنت خويلد وفاطمةابنة أسد أم أمير المؤمنين عليه السلاموهما جدتاه، وأم هانئ وجمانة عمتاه ابنتاأبي طالب، وأسماء ابنة عميس الخثعميةصارخات، أيديهن على خدودهن، ونواصيهنمنشرة، والملائكة تسترهن بأجنحتهن،وفاطمة أمه تبكي وتصيح وتقول: هذا يومكمالذي كنتم توعدون، وجبرائيل يصيح ـ يعنيمحسناً ـ ويقول: إني مظلوم فانتصر، فيأخذرسول الله محسناً على يديه رافعاً له إلىالسماء وهو يقول: إلهي وسيدي صبرنا فيالدنيا احتساباً، وهذا اليوم الذي تجد كلنفس ما عملت من خير محضراً وما عملت منسوء، تود لو أن بينها وبينه أمداًبعيداً(30).
28ـ قال العلامة المجلسي (ره): وجدت في بعضالكتب خبراً في وفاتها عليها السلامفأحببت إيراده وإن لم آخذه من أصل يعولعليه:
روى ورقة بن عبد الله الأزدي قال: خرجتحاجاً إلى بيت الله الحرام راجياً لثوابالله رب العالمين، فبينما أنا أطوف وإذاأنا بجارية سمراء، ومليحة الوجه عذبةالكلام، وهي تنادي بفصاحة منطقها، وهيتقول: اللهم رب الكعبة الحرام، والحفظةالكرام، وزمزم والمقام، والمشاعر العظامورب محمد خير الأنام، صلّى الله عليه وآلهالبررة الكرام (أسألك) أن تحشرني مع ساداتيالطاهرين، وأبنائهم الغر المحجلينالميامين.
ألا فاشهدوا يا جماعة الحجاج والمعتمرينأن موالي خيرة الأخيار، وصفوة الأبرار،والذين علا قدرهم على الأقدار، وارتفعذكرهم في سائر الأمصار المرتدينبالفخار(31).
قال ورقة بن عبد الله: فقلت: يا جارية إنيلأظنك من موالي أهل البيت عليهم السلامفقالت: أجل، قلت لها: ومن أنت من مواليهم؟قالت: أنا فضة أمة فاطمة الزهراء ابنة محمدالمصطفى صلى الله عليها وعلى أبيها وبعلهاوبنيها.
فقلت لها: مرحباً بك وأهلاً وسهلاً، فلقدكنت مشتاقاً إلى كلامك ومنطقك فأريد منكالساعة أن تجيبيني من مسألة أسألك، فإذاأنت فرغت من الطواف قفي لي عند سوق الطعامحتى آتيك وأنت مثابة مأجورة، فافترقنا.
فلما فرغت من الطواف وأردت الرجوع إلىمنزلي جعلت طريقي على سوق الطعام وإذا أنابها جالسة في معزل عن الناس، فأقبلت عليهاواعتزلت بها وأهديت إليها هدية ولم أعتقدأنها صدقة، ثم قلت لها: يا فضة أخبريني عنمولاتك فاطمة الزهراء عليها السلام وماالذي رأيت منها عند وفاتها بعد موت أبيهامحمد صلّى الله عليه وآله.
قال ورقة: فلما سمعت كلامي تغرغرت عيناهابالدموع ثم انتحبت نادبة وقالت: يا ورقة بنعبد الله هيجت علي حزناً ساكناً، وأشجاناًفي فؤادي كانت كامنة، فاسمع الآن ما شاهدتمنها عليها السلام.
اعلم أنه لما قبض رسول الله صلّى اللهعليه وآله افتجع له الصغير والكبير، وكثرعليه البكاء، وقل العزاء، وعظم رزؤه علىالأقرباء والأصحاب والأولياء والأحبابوالغرباء والأنساب، ولم تلق إلا كل باكوباكية، ونادب ونادبة. ولم يكن في أهلالأرض والأصحاب، والأقرباء والأحباب، أشدحزناً وأعظم بكاءً وانتحاباً من مولاتيفاطمة الزهراء عليها السلام، وكان حزنهايتجدد ويزيد، وبكاؤها يشتد.
فجلست سبعة أيام لا يهدأ لها أنين، ولايسكن منها الحنين، كل يوم جاء كان بكاؤهاأكثر من اليوم الأول، فلما كان في اليومالثامن أبدت ما كتمت من الحزن، فلم تطقصبراً إذ خرجت وصرخت، فكأنها من فم رسولالله صلّى الله عليه وآله تنطق، فتبادرتالنسوان، وخرجت الولائد والولدان، وضجالناس بالبكاء والنحيب وجاء الناس من كلمكان، وأطفأت المصابيح لكيلا تتبين صفحاتالنساء، وخيل إلى النسوان أن رسول اللهصلّى الله عليه وآله قد قام من قبره، وصارتالناس في دهشة وحيرة لما قد رهقهم، وهيعليها السلام تنادي وتندب أباها: واأبتاه، وا صفياه، وا محمداه! وا أباالقاسماه، وا ربيع الأرامل واليتامى، منللقبلة والمصلى، ومن لابنتك الوالهةالثكلى.
ثم أقبلت تعثر في أذيالها، وهي لا تبصرشيئاً من عبرتها ومن تواتر دمعتها حتى دنتمن قبر أبيها محمد صلّى الله عليه وآلهفلما نظرت إلى الحجرة وقع طرفها علىالمئذنة فقصرت خطاها، ودام نحيبهاوبكاها، إلى أن أغمي عليها، فتبادرتالنسوان إليها فنضحن الماء عليها وعلىصدرها وجبينها حتى أفاقت، فلما أفاقت منغشيتها قامت وهي تقول: رفعت قوتي، وخاننيجلدي، وشمت بي عدوي، والكمد قاتلي، ياأبتاه بقيت والهة وحيدة، وحيرانة فريدة،فقد انخمد صوتي، وانقطع ظهري، وتنغص عيشي،وتكدر دهري، فما أجد يا أبتاه بعدك أنيساًلوحشتي، ولا راداً لدمعتي ولا معيناًلضعفي، فقد فني بعدك محكم التنزيل، ومهبطجبرائيل، ومحل ميكائيل. انقلبت بعدك ياأبتاه الأسباب، وتغلقت دوني الأبواب،فأنا للدنيا بعدك قالية، وعليك ما ترددتأنفاسي باكية، لا ينفذ شوقي إليك، ولاحزني عليك. ثم نادت: يا أبتاه والباه، ثمقالت:
ثم نادت: يا أبتاه انقطعت بك الدنيابأنوارها، وزوت زهرتها وكانت ببهجتكزاهرة، فقد اسود نهارها، فصار يحكيحنادسها رطبها ويابسها، يا أبتاه لا زلتآسفة عليك إلى التلاق، يا أبتاه زال غمضيمنذ حق الفراق، يا أبتاه من للأراملوالمساكين، ومن للأمة إلى يوم الدين، ياأبتاه أمسينا بعدك من المستضعفين، ياأبتاه أصبحت الناس عنا معرضين، ولقد كنابك معظمين في الناس غير مستضعفين، فأيدمعة لفراقك لا تنهمل، وأي حزن بعدك عليكلا يتصل، وأي جفن بعدك بالنوم يكتحل، وأنتربيع الدين، ونور النبيين، فكيف للجبال لاتمور، وللبحار بعدك لا تغور، والأرض كيفلم تتزلزل؟ رميت يا أبتاه بالخطب الجليل،ولم تكن الرزية بالقليل، وطرقت يا أبتاهبالمصاب العظيم، وبالفادح المهول. بكتك ياأبتاه الأملاك، ووقفتك الأفلاك، فمنبركبعدك مستوحش، ومحرابك خال من مناجاتك،وقبرك فرح بمواراتك، والجنة مشتاقة إليكوإلى دعائك وصلاتك. يا أبتاه ما أعظم ظلمةمجالسك، فوا أسفاه عليك إلى أن أقدمعاجلاً عليك، وأثكل أبو الحسن المؤتمن أبوولديك، الحسن والحسين، وأخوك ووليكوحبيبك ومن ربيته صغيراً، وواخيتهكبيراً، وأحلى أحبابك وأصحابك إليك، منكان منهم سابقاً ومهاجراً وناصراً،والثكل شاملنا، والبكاء قاتلنا، والأسىلا زمنا.
ثم زفرت زفرة وأنت أنة كادت روحها أنتخرج، ثم قالت:
قالت: ثم رجعت إلى منزلها وأخذت بالبكاءوالعويل ليلها ونهارها، وهي لا ترقأدمعتها، ولا تهدأ زفرتها.
واجتمع شيوخ أهل المدينة وأقبلوا إلىأمير المؤمنين علي عليه السلام فقالوا له:يا أبا الحسن إن فاطمة عليها السلام تبكيالليل والنهار فلا أحد منا يتهنأ بالنومفي الليل على فرشنا، ولا بالنهار لنا قرارعلى أشغالنا وطلب معايشنا، وإنا نخبرك أنتسألها إما أن تبكي ليلاً أو نهاراً، فقالعليه السلام: حباً وكرامة.
فأقبل أمير المؤمنين عليه السلام حتى دخلعلى فاطمة عليها السلام وهي لا تفيق منالبكاء، ولا ينفع فيها العزاء. فلما رأتهسكنت هنيئة له، فقال لها: يا بنت رسول اللهـ صلّى الله عليه وآله ـ إن شيوخ المدينةيسألوني أن أسألك إما أن تبكين أباك ليلاًوإما نهاراً.
فقالت: يا أبا الحسن ما أقل مكثي بينهم وماأقرب مغيبي من بين أظهرهم، فو الله لا أسكتليلاً ولا نهاراً أو ألحق بأبي رسول اللهصلّى الله عليه وآله، فقال لها علي عليهالسلام: افعلي يا بنت رسول الله ما بدا لك.
ثم إنه بنى لها بيتاً في البقيع نازحاً عنالمدينة يسمى بيت الأحزان، وكانت إذاأصبحت قدمت الحسن والحسين عليهما السلامأمامها، وخرجت إلى البقيع باكية. فلا تزالبين القبور باكية، فإذا جاء الليل أقبلأمير المؤمنين عليه السلام إليها وساقهابين يديه إلى منزلها.
ولم تزل على ذلك إلى أن مضى لها بعد موتأبيها سبعة وعشرون يوماً، واعتلت العلةالتي توفيت فيها، فبقيت إلى يوم الأربعين،وقد صلى أمير المؤمنين عليه السلام صلاةالظهر وأقبل يريد المنزل إذا استقبلتهالجواري باكيات حزينات فقال لهن: ما الخبروما لي أراكن متغيرات الوجوه والصور؟فقلن: يا أمير المؤمنين أدرك ابنة عمكالزهراء عليها السلام وما نظنك تدركها.
فأقبل أمير المؤمنين عليه السلام مسرعاًحتى دخل عليها، وإذا بها ملقاة على فراشهاـ وهو من قباطي مصر ـ وهي تقبض يميناً وتمدشمالاً، فألقى الرداء عن عاتقه والعمامةعن رأسه، وحل أزراره، وأقبل حتى أخذ رأسهاوتركه في حجره، وناداها: يا زهراء! فلمتكلمه، فناداها: يا بنت محمد المصطفى! فلمتكلمه، فناداها: يا بنت من حمل الزكاة فيطرف ردائه وبذلها على الفقراء! فلم تكلمه،فناداها: يا ابنة من صلى بالملائكة فيالسماء مثنى مثنى! فلم تكلمه، فناداها: يافاطمة كلميني فأنا ابن عمك علي بن أبيطالب.
قال: ففتحت عينيها في وجهه ونظرت إليهوبكت وبكى وقال: ما الذي تجدينه فأنا ابنعمك علي بن أبي طالب.
فقالت: يا ابن العم إني أجد الموت الذي لابد منه ولا محيص عنه، وأنا أعلم أنك بعديلا تصبر على قلة التزويج، فإن أنت تزوجتامرأة اجعل لها يوماً وليلة واجعل لأولادييوماً وليلة، يا أبا الحسن ولا تصح فيوجوههما فيصبحان يتيمين غريبين منكسرين،فإنهما بالأمس فقدا جدهما واليوم يفقدانأمهما، فالويل لأمة تقتلهما وتبغضهما. ثمأنشأت تقول:
قالت: فقال لها علي عليهما السلام: من أينلك يا بنت رسول الله هذا الخبر، والوحي قدانقطع عنا؟ فقالت: يا أبا الحسن رقدتالساعة فرأيت حبيبي رسول الله صلّى اللهعليه وآله في قصر من الدر الأبيض فلما رآنيقال: هلمي إلي يا بنية فإني إليك مشتاق.فقلت: والله إني لأشد شوقاً منك إلى لقائك،فقال: أنت الليلة عندي. وهو الصادق لماوعد، والموفي لما عاهد.
فإذا أنت قرأت يس فاعلم أني قد قضيت نحبيفغسلني ولا تكشف عني فإني طاهرة مطهرةوليصل علي معك من أهلي الأدنى فالأدنى ومنرزق أجري، وادفني ليلاً في قبري، بهذاأخبرني حبيبي رسول الله صلّى الله عليهوآله.
فقال علي: والله لقد أخذت في أمرهاوغسلتها في قميصها ولم أكشفه عنها، فوالله لقد كانت ميمونة طاهرة مطهرة. ثمحنطتها من فضلة حنوط رسول الله صلّى اللهعليه وآله وكفنتها وأدرجتها في أكفانها،فلما هممت أن أعقد الرداء ناديت يا أمكلثوم! يا زينب! يا سكينة! يا فضة! يا حسن! ياحسين! هلموا تزودوا من أمكم، فهذا الفراق،واللقاء في الجنة.
فأقبل الحسن والحسين عليهما السلام وهمايناديان وا حسرتا لا تنطفئ أبداً من فقدجدنا محمد المصطفى وأمنا فاطمة الزهراء.يا أم الحسن يا أم الحسين إذا لقيت جدنامحمد المصطفى فأقرئيه منا السلام وقوليله: إنا قد بقين بعدك يتيمين في دار الدنيا.
فقال أمير المؤمنين علي عليه السلام: إنيأشهد الله أنها قد حنت وأنت ومدت يديهاوضمتهما إلى صدرها ملياً وإذا بهاتف منالسماء ينادي: يا أبا الحسن ارفعهما عنهافلقد أبكيا والله ملائكة السماوات، فقداشتاق الحبيب إلى المحبوب. قال: فرفعتهماعن صدرها وجعلت أعقد الرداء وأنا أنشدبهذه الأبيات:
ثم حملها على يده وأقبل بها إلى قبر أبيهاونادى: السلام عليك يا رسول الله، السلامعليك يا حبيب الله، السلام عليك يا نورالله، السلام عليك يا صفوة الله مني،السلام عليك، والتحية واصلة مني إليكولديك، ومن ابنتك النازلة عليك بفنائك،وإن الوديعة قد استردت، والرهينة قد أخذت،فوا حزناه على الرسول، ثم من بعده علىالبتول، ولقد اسودت علي الغبراء، وبعدتعني الخضراء، فوا حزناه ثم وا أسفاه.
ثم عدل بها على الروضة فصلى عليه في أهلهوأصحابه ومواليه وأحبائه وطائفة منالمهاجرين والأنصار، فلما واراها وألحدهافي لحدها أنشأ بهذه الأبيات يقول:
29ـ قال الأستاذ عبد الفتاح عبد المقصود:...فهلا كان علي كابن عبادة حرياً في نظر ابنالخطاب بالقتل حتى لا تكون فتنة ولا يكونانقسام؟! كان هذا أولى بعنف عمر إلى جانبغيرته على وحدة الإسلام، وبه تحدث الناسولهجت الألسن كاشفة عن خلجات خواطر جرتفيها الظنون مجرى اليقين...
وكذلك سبقت الشائعات خطوات ابن الخطابذلك النهار، وهو يسير في جمع من صحبهومعاونيه إلى دار فاطمة، وفي باله أن يحملابن عم رسول الله ـ إن طوعاً وإن كرهاً ـعلى إقرار ما أباه حتى الآن، وتحدث أناسبأن السيف سيكون وحده متن الطاعة!... وتحدثآخرون بأن السيف سوف يلقى السيف!... ثم تحدثغير هؤلاء وهؤلاء بأن (النار) هي الوسيلةالمثلى إلى حفظ الوحدة وإلى الرضاوالإقرار!... وهل على ألسنة الناس عقاليمنعها أن تروي قصة حطب أمر به ابن الخطابفأحاط بدار فاطمة، وفيها علي وصحبه، ليكونعدة الإقناع أو عدة الإيقاع؟...
أقبل الرجل محنقاً مندلع الثورة على دارعلي، وقد ظاهره معاونوه ومن جاء بهم،فاقتحموها أو أوشكو على اقتحام، فإذا وجهكوجه رسول الله يبدو بالباب حائلاً منحزن، على قسماته خطوط آلام، وفي عينيهلمعات دمع، وفوق جبينه عبسة غضب فائر وحنقثائر... وراحت الزهراء وهي تستقبل المثوىالطاهر، تستنجد بهذا الغائب الحاضر: ياأبت رسول الله!... ماذا لقينا بعدك من ابنالخطاب وابن أبي قحافة؟! فما تركت كلماتهاإلا قلوباً صدعها الحزن، وعيوناً جرتدمعاً(33).
30ـ قال العلامة الأميني (ره): والوصيالأقدس والعترة الهادية وبنو هاشم ألهاهمالنبي الأعظم وهو مسجى بين يديهم وقد أغلقدونه الباب أهله، وخلى أصحابه صلّى اللهعليه وآله بينه وبين أهله، فولوا إجنانه،ومكث ثلاثة أيام لا يدفن، أو من يومالاثنين إلى يوم الأربعاء أو ليلته، فدفنهأهله، ولم يله إلا أقاربه، دفنوه في الليلأو في آخره، ولم يعلم به القوم إلا بعدسماع صريف المساحي وهم في بيوتهم من جوفالليل، ولم يشهد الشيخان دفنه صلّى اللهعليه وآله.
بعدما رأى الرجل عمر بن الخطاب محتجراًيهرول بين يدي أبي بكر وقد نبر حتى أزبدشدقاه.
بعدما قرعت سمعه عقيرة صحابي بدري عظيم ـالحباب بن المنذر ـ وقد انتضى سيفه على أبيبكر ويقول: والله لا يرد علي أحد ما أقولإلا حطمت أنفه بالسيف، أنا جذيلها المحكك،وعذيقها المرجب،(34) أنا أبو شبل في عرينةالأسد يعزى إلى الأسد، فيقال عليه: إذنيقتلك الله. فيقول: بل إياك يقتل، أو بلأراك تقتل، فأخذ ووطئ في بطنه، ودس في فيهالتراب.
بعدما شاهد ثالثاً يخالف البيعة لأبي بكروينادي: أما والله أرميكم بكل سهم فيكنانتي من نيل، وأخضب منكم سناني ورمحيوأضربكم بسيفي ما ملكته يدي، وأقاتلكم معمن معي من أهلي وعشيرتي.
بعدما رأى رابعاً يتذمر على البيعة، ويشبنار الحرب بقوله: إني لأرى عجاجة لا يطفئهاإلا دم.
بعد ما نظر إلى مثل سعد بن عبادة أميرالخزرج وقد وقع في ورطة الهون ينزى عليه،وينادى عليه بغضب: اقتلوا سعداً، قتلهالله، إنه منافق، أو: صاحب فتنة. وقد قامالرجل على رأسه ويقول: لقد هممت أن أطئكحتى تندر عضوك، أو تندر عيونك.
بعدما شاهد قيس بن سعد قد أخذ بلحية عمرقائلاً: والله لو حصصت منه شعرة ما رجعتوفي فيك واضحة. أو: لو خفضت منه شعرة مارجعت وفيك جارحة.
بعد ما عاين الزبير وقد اخترط سيفه ويقول:لا أغمده حتى يبايع علي. فيقول عمر: عليكمالكلب، فيؤخذ سيفه من يده ويضرب به الحجرويكسر.
بعد ما بصر مقداداً ذلك الرجل العظيم وهويدافع في صدره، أو نظر إلى الحباب بنالمنذر وهو يحطم أنفه، وتضرب يده، أو إلىاللائذين بدارالنبوة، مأمن الأمة، وبيتشرفها بيت فاطمة وعلي ـ سلام الله عليهما ـوقد لحقهم الإرهاب والترعيد، وبعث إليهمأبو بكر عمر بن الخطاب وقال لهم: إن أبوافقاتلهم. فأقبل عمر بقبس من نار على أنيضرم عليهم الدار، فلقيته فاطمة فقالت: ياابن الخطاب أجئت لتحرق دارنا؟ قال: نعم، أوتدخلوا في ما دخل فيه الأمة.
بعدما رأى هجوم رجال الحزب السياسي دارأهل الوحي وكشف بيت فاطمة وقد علت عقيرةقائدهم بعد ما دعا بالحطب: والله لتحرقنعليكم أو لتخرجن إلى البيعة ـ أو لتخرجنإلى البيعة أو لأحرقنها على من فيها ـفيقال للرجل: إن فيها فاطمة، فيقول: وإن.
بعد قول ابن شحنة: إن عمر جاء إلى بيت عليليحرقه على من فيه، فلقيته فاطمة فقال:ادخلوا في ما دخلت فيه الأمة. (تاريخ ابنشحنة، هامش الكامل، 7، ص164).
بعد ما سمع أنة وحنة من حزينة كئيبة ـ بضعةالمصطفى ـ وقد خرجت عن خدرها وهي تبكيوتنادي بأعلى صوتها: يا أبت يا رسول الله:ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبيقحافة؟!
بعد ما رآها وهي تصرخ وتولول ومعها نسوةمن الهاشميات تنادي: يا أبا بكر ما أسرع ماأغرتم على أهل بيت رسول الله! والله لاأكلم عمر حتى ألقى الله. (شرح ابن أبيالحديد،1، ص134، ج2، ص19).
بعد ما شاهد هيكل القداسة والعظمة ـ أميرالمؤمنين ـ يقاد إلى البيعة كما يقادالجمل المخشوش، ويدفع ويساق سوقاًعنيفاً، واجتمع الناس ينظرون، ويقال له:بايع. فيقول: إن أنا لم أفعل فمه؟ فيقال:إذن والله الذي لا إله إلا هو نضرب عنقك،فيقول: إذن تقتلون عبد الله وأخا رسوله.
بعد ما رأى صنو المصطفى علياً لاذ بقبررسول الله صلّى الله عليه وآله وهو يصيحويبكي ويقول: يا ابن أم! إن القوماستضعفوني وكادوا يقتلونني(35)...
31ـ قال المولى محسن الكاشاني (ره): ثم إنعمر جمع جماعة من الطلقاء والمنافقين،وأتى بهم إلى منزل أمير المؤمنين عليهالسلام فوافوا بابه مغلق، فصاحوا به: اخرجيا علي، فإن خليفة رسول الله يدعوك، فلميفتح لهم الباب، فأتوا بحطب فضعوه علىالباب وجاؤوا بالنار ليضرموه، فصاح عمروقال: والله لئن لم تفتحوا لنضرمنه بالنار.
فلما عرفت فاطمة عليها السلام أنهميحرقون منزلها قامت وفتحت الباب، فدفعوهاالقوم قبل أن تتوارى عنهم، فاختبت فاطمةعليها السلام وراء الباب والحائط. ثم إنهمتواثبوا على أمير المؤمنين عليه السلاموهو جالس على فراشه، واجتمعوا عليه حتىأخرجوه سحباً من داره، ملبياً بثوبهيجرونه إلى المسجد، فحالت فاطمة بينهموبين بعلها وقالت: والله لا أدعكم تجرونابن عمي ظلماً، ويلكم ما أسرع ما خنتم اللهورسوله فينا أهل البيت، وقد أوصاكم رسولالله صلّى الله عليه وآله باتباعناومودتنا والتمسك بنا! فقال الله تعالى: (قللا أسألكم عليه أجراً إلا المودة فيالقربى)(36).
قال: فتركه أكثر القوم لأجلها، فأمر عمرقنفذ بن عمران يضربها بسوطه، فضربها قنفذبالسوط على ظهرها وجنبيها إلى أن أنهكهاوأثر في جسمها الشريف، وكان ذلك الضربأقوى ضرر في إسقاط جنينها ـ وقد كان رسولالله صلّى الله عليه وآله سماه محسناً ـوجعلوا يقودون أمير المؤمنين عليه السلامإلى المسجد حتى أوقفوه بين يدي أبي بكر،فلحقته فاطمة عليها السلام إلى المسجدلتخلصه، فلم تتمكن من ذلك، فعدلت إلى قبرأبيها فأشارت إليه بحزنة ونحيب وهي تقول:
ثم قالت: وا أسفاه عليك يا أبتاه، واثكلحبيبك أبو الحسن المؤتمن، وأبو سبطيكالحسن والحسين، ومن ربيته صغيراً، وآخيتهكبيراً، وأجل أحباءك لديك، وأحب أصحابكعليك، أولهم سبقاً إلى الإسلام، ومهاجرةإليك يا خير الأنام، فها هو يساق في الأسركما يقاد البعير.
ثم إنها أنت أنة وقالت: وامحمداه،واحبيباه، واأباه، واأبو القاسماه،واأحمداه، واقلة ناصراه، واغوثاه، واطولكربتاه، واحزناه، وامصيبتاه، واسوءصباحاه، وخرت مغشية عليها، فضج الناسبالبكاء والنحيب، وصار المسجد مأتماً.
ثم إنهم أوقفوا أمير المؤمنين عليهالسلام بين يدي أبي بكر وقالوا له: مد يدكفبايع. فقال: والله لا أبايع، والبيعة ليفي رقابكم.
فروي عن عدي بن حاتم أنه قال: والله مارحمت أحداً قط رحمتي علي بن أبي طالب عليهالسلام حين أتي به ملبياً بثوبه، يقودونهإلى أبي بكر وقالوا: بايع. قال: فإن لمأفعل؟ قالوا: نضرب الذي فيه عيناك. ـ قال: ـفرفع رأسه إلى السماء وقال: اللهم إنيأشهدك أنهم أتوا أن يقتلوني، فإني عبدالله وأخو رسول الله.
فقالوا له: مد يدك فبايع. فأبى عليهم،فمدوا يده كرهاً، فقبض علي أنامله، فراموابأجمعها (بأجمعهم ـ ظ) فتحها فلم يقدروا،فمسح عليها أبو بكر ـ وهو مضمومة ـ وهوعليه السلام يقول وينظر إلى قبر رسول اللهصلّى الله عليه وآله: (يا ابن أم إن القوماستضعفوني وكادوا يقتلونني).
قال الراوي: إن علياً عليه السلام خاطبأبا بكر بهذين البيتين:
وكان عليه السلام كثيراً ما يقول:واعجباه! تكون الخلافة بالصحابة، ولا تكونبالقرابة والصحابة؟!(38)
32ـ قال سليم بن قيس الكوفي: فأغرم عمر بنالخطاب تلك السنة جميع عماله أنصافأموالهم لشعر أبي المختار، ولم يغرم قنفذالعدوي شيئاً، وقد كان من عماله، ورد عليهما أخذ منه وهو عشرون ألف درهم، ولم يأخذمنه عشره ولا نصف عشره، وكان من عمالهالذين أغرموا أبو هريرة، وكان علىالبحرين، فأحصى ماله فبلغ أربعة وعشرونألفاً، فأغرمه اثني عشر ألفاً.
(قال أبان: قال سليم) فلقيت علياً صلواتالله عليه فسألته عما صنع عمر، فقال: هلتدري لم كف عن قنفذ ولم يغرمه شيئاً؟ قلت:لا، قال: لأنه هو الذي ضرب فاطمة بالسوطحين جاءت لتحول بيني وبينهم، فماتت صلواتالله عليها وأن أثر السوط لفي عضدها مثلالدملج.
(قال أبان عن سليم) قال: انتهيت إلى حلقة فيمسجد رسول الله صلّى الله عليه وآله ليسفيها إلا هاشمي غير سلمان وأبي ذروالمقداد ومحمد بن أبي بكر وعمر بن أبيسلمة وقيس بن سعد بن (أبي) عبادة فقالالعباس لعلي صلوات الله عليه: ما ترى عمرمنعه من أن يغرم قنفذاً كما أغرم جميععماله؟ فنظر علي عليه السلام إلى من حوله،ثم اغرورقت عيناه، ثم قال: نشكو له ضربةضربها فاطمة بالسوط، فماتت وفي عضدها أثرهكأنه الدملج(39).
33ـ في حديث فدك: ثم خرجت وحملها علي علىأتان عليه كساء له خمل، فدار بها أربعينصباحاً في بيوت المهاجرين والأنصاروالحسن والحسين عليهما السلام معها وهيتقول: يا معشر المهاجرين والأنصار انصرواالله فإني ابنة نبيكم وقد بايعتم رسولالله صلّى الله عليه وآله يوم بايعتموه أنتمنعوه وذريته مما تمنعون منه أنفسكموذراريكم، ففوا لرسول الله صلّى الله عليهوآله ببيعتكم، قال: فما أعانها أحد ولاأجابها ولا نصرها، قال: فانتهت إلى معاذ بنجبل فقالت: يا معاذ بن جبل إني قد جئتكمستنصرة وقد بايعت رسول الله صلّى اللهعليه وآله على أن تنصره وذريته وتمنعه مماتمنع منه نفسك وذريتك، وأن أبا بكر قدغصبني على فدك وأخرج وكيلي منها قال: فمعيغيري؟ قالت: لا، ما أجابني أحد، قال: فأينأبلغ أنا من نصرتك؟ قال: فخرجت من عندهودخل ابنه(40) فقال: ما جاء بابنة محمد إليك؟قال: جاءت تطلب نصرتي على أبي بكر فإنه أخذمنها فدكاً، قال: فما أجبتها به؟ قال: قلت:وما يبلغ من نصرتي أنا وحدي؟ قال: فأبيت أنتنصرها؟ قال: نعم، قال: فأي شيء قالت لك؟قال: قالت لي: والله لأنازعنك الفصيح منرأسي حتى أرد على رسول الله صلّى الله عليهوآله،(41) قال: فقال: أنا والله لأنازعنكالفصيح من رأسي حتى أرد على رسول الله صلّىالله عليه وآله إذ لم تجب ابنة محمد صلّىالله عليه وآله.
قال: وخرجت فاطمة عليها السلام من عندهوهي تقول: والله لا أكلمك كلمة حتى أجتمعأنا وأنت عند رسول الله صلّى الله عليهوآله ثم انصرفت، فقال علي عليه السلام لها:ائت أبا بكر وحده فإنه أرق من الآخر وقوليله: ادعيت مجلس أبي وأنك خليفته وجلستمجلسه، ولو كانت فدك لك ثم استوهبتها منكلوجب ردها علي. فلما أتته وقالت له ذلك،قال: صدقت، قال: فدعا بكتاب فكتبه لها بردفدك. فقال: فخرجت والكتاب معها، فلقيها عمرفقال: يا بنت محمد ما هذا الكتاب الذي معك؟فقالت: كتاب كتب لي أبو بكر برد فدك، فقال:هلميه إلي، فأبت أن تدفعه إليه، فرفسهابرجله وكانت حاملة بابن اسمه المحسنفأسقطت المحسن من بطنها، ثم لطمها فكأنيأنظر إلى قرط في أذنها حين نقفت(42). ثم أخذالكتاب فخرقه. فمضت ومكثت خمسة وسبعينيوماً مريضة مما ضر بها عمر، ثم قبضت.
فلما حضرته الوفاة دعت علياً صلوات اللهعليه فقالت: إما تضمن وإلا أوصيت إلى ابنالزبير. فقال عليه عليه السلام: أنا أضمنوصيتك يا بنت محمد، قالت: سألتك بحق رسولالله صلّى الله عليه وآله إذا أنا مت ألايشهداني ولا يصليا علي، قال: فلك ذلك، فلماقبضت عليها السلام دفنها ليلاً في بيتهاوأصبح أهل المدينة يريدون حضور جنازتهاوأبو بكر وعمر كذلك، فخرج إليهما علي عليهالسلام فقالا له: ما فعلت بابنة محمد أخذتفي جهازها يا أبا الحسن؟ فقال علي عليهالسلام: قد والله دفنتها، قالا: فما حملكعلى أن دفنتها ولم تعلمنا بموتها؟ قال: هيأمرتني، فقال عمر: والله لقد هممت بنبشهاوالصلاة عليها، فقال علي عليه السلام: أماوالله ما دام قلبي بين جوانحي وذو الفقارفي يدي، إنك لا تصل إلى نبشها فأنت أعلم،فقال أبو بكر: اذهب إنه أحق بها منا،وانصرف الناس ـ تم الخبر ـ(43).
أبو محمد، عن عمرو بن أبي المقدام، عنأبيه، عن جده قال: ما أتى على علي عليهالسلام، يوم قط أعظم من يومين أتياه، فأماأول يوم فاليوم الذي قبض فيه رسول اللهصلّى الله عليه وآله، وأما اليوم الثانيفو الله إني لجالس في سقيفة بني ساعدة عنيمين أبي بكر والناس يبايعونه إذ قال لهعمر: يا هذا لم تصنع شيئاً ما لم يبايعكعلي؟ فابعث إليه حتى يأتيك فيبايعك. قال:فبعث قنفذاً، فقال له: أجب خليفة رسول اللهصلّى الله عليه وآله، قال علي عليه السلام:لأسرع ما كذبتم على رسول الله صلّى اللهعليه وآله! ما خلف رسول الله صلّى اللهعليه وآله أحداً غيري، فرجع قنفذ وأخبرأبا بكر بمقالة علي عليه السلام فقال أبوبكر: انطلق إليه فقل له: يدعوك أبو بكرويقول: تعال حتى تبايع فإنما أنت رجل منالمسلمين، فقال علي عليه السلام: أمرنيرسول الله صلّى الله عليه وآله أن لا أخرجبعده من بيتي حتى أؤلف الكتاب فإنه فيجرائد النخل وأكتاف الإبل. فأتاه قنفذوأخبره بمقالة علي عليه السلام، فقال عمر:قم إلى الرجل، فقام أبو بكر وعمر وعثمانوخالد ابن الوليد والمغيرة بن شعبة وأبوعبيدة بن الجراح وسالم مولى أبي حذيفةوقمت معهم، وظنت فاطمة عليها السلام أنهلا تدخل بيتها إلا بإذنها، فأجافت الباب(44)وأغلقته، فلما انتهوا إلى الباب ضرب عمرالباب برجله فكسره ـ وكان من سعف ـ فدخلواعلى علي عليه السلام وأخرجوه ملبباً(45).
فخرجت فاطمة عليها السلام فقالت: يا أبابكر وعمر تريدان أن ترملاني(46) من زوجي!والله لئن لم تكفان عنه لأنشرن شعريولأشقن جيبي ولآتين قبر أبي ولأصيحن إلىربي. فخرجت وأخذت بيد الحسن والحسينعليهما السلام متوجهة إلى القبر. فقال عليعليه السلام لسلمان: يا سلمان أدرك ابنةمحمد صلّى الله عليه وآله فإني أرى جنبتيالمدينة تكفئان، فو الله لئن فعلت لايناظر بالمدينة أن يخسف بها وبمن فيها.قال: فلحقها سلمان فقال: يا بنت محمد صلّىالله عليه وآله إن الله تبارك وتعالى إنمابعث أباك رحمة فانصرفي، فقالت: يا سلمان ماعلي صبر فدعني حتى آتي قبر أبي، فأصيح إلىربي. قال سلمان: فإن علياً بعــثـنـي إليكوأمرك بـالرجوع، فقالت: أسمع له وأطـيع.فرجعت، وأخرجوا علياً ملبباً. قال: وأقبلالزبير مخـترطاً سيفه(47) وهو يقول: يا معشربني عبد المطلب أيفعل هذا بعلي وأنتمأحياء! وشد على عمر ليضربه بالسيف فرماهخالد بن الوليد بصخرة فأصابت قفاه وسقطالسيف من يده فأخذه عمر وضربه على صخرةفانكسر. ومر علي عليه السلام على قبر النبيصلّى الله عليه وآله فقال: (يا ابن أم إنالقوم استضعفوني وكادوا يقتلونني). وأتيبعلي عليه السلام إلى السقيفة إلى مجلسأبي بكر، فقال له عمر: بايع، قال: فإن لمأفعل فمه؟ قال: إذاً والله نضرب عنقك، قالعلي عليه السلام: إذاً والله أكون عبد اللهوأخا رسول الله صلّى الله عليه وآلهالمقتول، فقال عمر: أما عبد الله المقتولفنعم وأما أخو رسول الله صلّى الله عليهوآله فلا ـحتى قالها ثلاثاًـ وأقبل العباسفقال: يا أبا بكر ارفقوا بابن أخي، فلك عليأن يبايعك. فأخذ العباس بيد علي عليهالسلام فمسحها على يدي أبي بكر وخلواعلياً مغضباً، فرفع رأسه إلى السماء، ثمقال: اللهم إنك تعلم أن النبي الأمي ـ صلّىالله عليه وآله ـ قال لي: إن تموا عشرينفجاهدهم، وهو قولك في كتابك: (فإن يكن منكمعشرون صابرون يغلبوا مائتين) اللهم إنهملم يتموا ـ حتى قالها ثلاثاً ـ ثم انصرف(48).
34ـ (أمالي) الصدوق: المكتب، عن العلوي، عنالفزاري، عن محمد بن الحسين الزيات، عنسليمان بن حفص المروزي، عن ابن طريف، عنابن نباتة قال: سئل أمير المؤمنين علي بنأبي طالب عليه السلام عن علة دفنه لفاطمةبنت رسول الله صلّى الله عليه وآله ليلاً؟فقال: إنها كانت ساخطة على قوم كرهت حضورهمجنازتها، وحرام على من يتولاهم أن يصليعلى أحد من ولدها(49).
35ـ أمالي الطوسي: المفيد، عن محمد بن أحمدالمنصوري، عن سلمان بن سهل، عن عيسى بنإسحاق القرشي، عن حمدان بن علي الخفاف، عنابن حميد، عن الثمالي، عن أبي جعفرالباقر، عن أبيه عليهما السلام، عن محمدبن عمار بن ياسر، عن أبيه، قال: لما مرضتفاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآلهمرضتها التي توفيت فيها، وثقلت، جاءهاالعباس بن عبد المطلب عائداً فقيل له: إنهاثقيلة، وليس يدخل عليها أحد، فانصرف إلىداره وأرسل إلى علي عليه السلام، فقاللرسوله: قل له: يا ابن أخ، عمك يقرئكالسلام، ويقول لك: قد فجأني من الغم بشكاةحبيبة رسول الله صلّى الله عليه وآله وقرةعينيه وعيني فاطمة ما هدني، وإني لأظنهاأولنا لحوقاً برسول الله صلّى الله عليهوآله، يختار لها ويحبوها ويزلفها لربه،فإن كان من أمرها ما لا بد منه، فاجمع ـ أنالك الفداء ـ المهاجرين والأنصار حتىيصيبوا الأجر في حضورها والصلاة عليها،وفي ذلك جمال للدين.
فقال علي عليه السلام لرسوله وأنا حاضرعنده: أبلغ عمي السلام، وقل: لا عدمتإشفاقك وتحيتك، وقد عرفت مشورتك، ولرأيكفضله، إن فاطمة بنت رسول الله صلّى اللهعليه وآله لم تزل مظلومة، من حقها ممنوعة،وعن ميراثها مدفوعة، لم تحفظ فيها وصيةرسول الله صلّى الله عليه وآله، ولا رعيفيها حقه، ولا حق الله عز وجل، وكفى باللهحاكماً، ومن الظالمين منتقماً، وأناأسألك يا عم أن تسمح لي بترك ما أشرت به،فإنها وصتني بستر أمرها.
قال: فلما أتى العباس رسوله بما قال عليعليه السلام قال: يغفر الله لابن أخي فإنهالمغفور له، إن رأي ابن أخي لا يطعن فيه،إنه لم يولد لعبد المطلب مولود أعظم بركةمن علي إلا النبي صلّى الله عليه وآله، إنعلياً لم يزل أسبقهم إلى كل مكرمة وأعلمهمبكل فضيلة، وأشجعهم في الكريهة، وأشدهمجهاداً للأعداء في نصرة الحنيفية، وأول منآمن بالله ورسوله صلّى الله عليه وآله(50).
36ـ قال العلامة الأمين (ره): إن فاطمةعليها السلام لم تزل بعد وفاة أبيها صلّىالله عليه وآله مهمومة مغمومة، محزونةمكروبة باكية، ثم مرضت مرضاً شديداً،ومكثت أربعين ليلة في مرضها إلى أن توفيتصلوات الله عليها، فلما نعيت إلى نفسهادعت أم أيمن وأسماء بنت عميس، ووجهت خلفعلي فأحضرته، فقالت: يا ابن عم إنه قد نعيتإلى نفسي، وإنني لا أرى ما بي إلا أننيلاحقة بأبي ساعة بعد ساعة، وأنا أوصيكبأشياء في قلبي. قال لها علي عليه السلام:أوصيني بما أحببت يا بنت رسول الله. فجلسعند رأسها، وأخرج من كان في البيت، ثمقالت:
يا ابن عم ما عهدتني كاذبة ولا خائنة، ولاخالفتك منذ عاشرتني، فقال عليه السلام:معاذ الله، أنت أعلم بالله وأبر وأتقىوأكرم وأشد خوفاً من الله من أن أوبخكبمخالفتي، وقد عز علي مفارقتك وفقدك إلاأنه أمر لا بد منه، والله لقد جددت عليمصيبة رسول الله صلّى الله عليه وآله، وقدعظمت وفاتك وفقدك، فإنا لله وإنا إليهراجعون من مصيبة ما أفجعها وآلمها وأمضهاوأحزنها! هذه والله مصيبة لا عزاء عنها،ورزية لا خلف لها.
ثم بكيا جميعاً ساعة، وأخذ علي رأسهاوضمها إلى صدره، ثم قال: أوصيني بما شئت،فإنك تجدينني وفياً، أمضي كل ما أمرتنيبه، وأختار أمرك على أمري. ثم قالت: جزاكالله عني خير الجزاء يا ابن عم، أوصيكأولاً أن تتزوج بعدي بابنة أختي أمامة،فإنها تكون لولدي مثلي، فإن الرجال لا بدلهم من النساء ـ فمن أجل ذلك قال أميرالمؤمنين عليه السلام: أربعة ليس إلىفراقهن سبيل، وعد منهن أمامة، وقال أوصتبها فاطمة عليها السلام ـ. ثم قالت: أوصيكيا ابن عم أن تتخذ لي نعشاً، فقد رأيتالملائكة صوروا صورته، فقال لها: صفيه لي،فوصفته، فاتخذه لها. ثم قالت: أوصيك أن لايشهد أحد جنازتي من هؤلاء الذين ظلموني،ولا تترك أن يصلي علي أحد منهم،وادفني فيالليل إذا هدأت العيون، ونامت الأبصار.
ثم توفيت ـ صلوات الله عليها وعلى أبيهاوبعلها وبنيها ـ، فصاح أهل المدينة صيحةواحدة واجتمعت نساء بني هاشم في دارها،فصرخن صرخة واحدة كادت المدينة تتزعزع منصراخهن، وهن يقلن: يا سيدتاه، يا بنت رسولالله، وأقبل الناس مثل عرف الفرس إلى عليعليه السلام وهو جالس، والحسن والحسينعليهما السلام بين يديه يبكيان، فبكىالناس لبكائهما، وخرجت أم كلثوم عليهابرقعها، تجر ذيلها، متجللة برداء وهيتقول: يا أبتاه يا رسول الله الآن حقاًفقدناك فقداً لا لقاء بعده أبداً(51).
واجتمع الناس فجلسوا وهم يرجعون وينتظرونأن تخرج الجنازة فيصلوا عليها، فخرج أبوذر وقال: انصرفوا فإن ابنة رسول الله قدأخر إخراجها هذه العشية(52). فقام الناسوانصرفوا، فلما أن هدأت العيون، ومضى شطرمن الليل أخرجها علي والحسن والحسين عليهمالسلام وعمار والمقداد وعقيل والزبيروأبو ذر وسلمان وبريدة ونفر من بني هاشموخواصه، وصلوا عليها ودفنوها في جوفالليل، وسوى علي عليه السلام حواليهاقبوراً مزورة مقدار سبعة حتى لا يعرفقبرها، وقال بعضهم: سوى قبرها مع الأرض حتىلا يعرف أحد موضعه.
وروي أن أمير المؤمنين عليه السلام قامبعد دفنها، فحول وجهه إلى قبر رسول اللهصلّى الله عليه وآله ثم قال: السلام عليكيا رسول الله عني وعن ابنتك زائرتكالنازلة في جوارك، والبائتة في الثرىببقعتك، والمختار الله لها سرعة اللحاقبك. قل يا رسول الله عن صفيتك صبري، ورقعنها تجلدي، إلا أن في التأسي بعظيم فرقتكوفادح مصيبتك موضع تعز، فلقد وسدتك فيملحود قبرك، وفاضت بين نحري وصدري نفسك،بلى وفي كتاب الله لي أنعم القبول: (إنا للهوإنا إليه راجعون).
قد استرجعت الوديعة، وأخذت الرهينة،(53)واختلست الزهراء، فما أقبح الخضراءوالغبراء يا رسول الله، أما حزني فسرمد،وأما ليلي فمسهد، إلى أن يختار الله ليدارك التي أنت فيها مقيم، كمد مقيح، وهممهيج، سرعان ما فرق بيننا، وإلى اللهأشكو، وستنبئك ابنتك بتظافر أمتك علىهضمها،(54) فأحفها السؤال، واستخبرهاالحال، فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجدإلى بثه سبيلاً، وستقول، ويحكم الله وهوخير الحاكمين، والسلام عليكما سلام مودع،لا قال ولا سئم، فإن أنصرف فلا عن ملالة،وإن أقم فلا عن سوء ظن بما وعد اللهالصابرين.
واهاً واهاً، والصبر أيمن وأجمل، ولولاغلبة المتسولين لجعلت المقام واللبث عندكلزاماً معكوفاً، ولأعولت إعوال الثكلىعلى جليل الرزية، فبعين الله تدفن ابنتكسراً، وتهضم حقها، ويمنع إرثها، ولم يطلالعهد، ولم يخلق منك الذكر، إلى الله يارسول الله المشتكى، وفيك يا رسول اللهأحسن العزاء، صلى الله عليك وعليك، وعليهاالسلام والرضوان. ولما دفنها علي عليهالسلام قام على شفير القبر فأنشأ يقول:
كتاب طويل يعمر إلى معاوية فيما وقع عليهامن الظلم
37ـ قال العلامة المجلسي (ره) في البحار:أجاز لي بعض الأفاضل في مكة زاد الله شرفهارواية هذا الخبر وأخبرني أنه أخرجه منالجزء الثاني من كتاب (دلائل الإمامة) وهذهصورته: حدثنا أبو الحسين محمد بن هارون بنموسى التلعكبري قال: حدثنا أبي رضي اللهعنه قال: حدثنا أبو علي محمد بن همام قالحدثنا جعفر بن محمد بن مالك الفزاريالكوفي قال: حدثني عبد الرحمن بن سنانالصيرفي، عن جعفر بن علي الجواد، عن الحسنبن مسكان، عن المفضل بن عمر الجعفي، عنجابر الجعفي، عن سعيد بن المسيب قال:
لما قتل الحسين بن علي صلوات الله عليهماوورد نعيه إلى المدينة وورد الأخبار بجزرأسه وحمله إلى يزيد بن معاوية، وقتلثمانية عشر من أهل بيته، وثلاث وخمسينرجلاً من شيعته، وقتل علي ابنه بين يديهوهو طفل بنشابه، وسبي ذراريه، أقيمتالمأتم عند أزواج النبي في منزل أم سلمةرضي الله عنها وفي دور المهاجرينوالأنصار. قال: فخرج عبد الله بن عمر بنالخطاب صارخاً من داره، لاطماً وجهه،شاقاً جيبه يقول: يا معشر بني هاشم وقريشوالمهاجرين والأنصار يستحل هذا من رسولالله في أهله وذريته وأنتم أحياء ترزقون؟لا قرار دون يزيد. وخرج من المدينة تحتليلة، لا يرد مدينة إلا صرخ فيها واستنفرأهلها على يزيد ـ وأخباره يكتب بها إلىيزيد ـ فلم يمر بملأ من الناس إلا لعنه،وسمع كلامه، وقالوا: هذا عبد الله بن عمرخليفة رسول الله وهو ينكر فعل يزيد بأهلبيت رسول الله ويستنفر الناس على يزيد،وإن من لم يجبه لا دين له ولا إسلام.
واضطرب الشام بمن فيه، وورد دمشق وأتى باباللعين يزيد في خلق من الناس يتلونه، فدخلأذن يزيد عليه فأخبره بوروده، ويده على أمرأسه والناس يهرعون إليه قدامه ووراءه،فقال يزيد: فورة من فورات أبي محمد، وعنقليل يفيق منها. فأذن له وحده، فدخل صارخاًيقول: لا أدخل يا أمير المؤمنين وقد فعلتبأهل بيت محمد ما لو تمكنت الترك والروم مااستحلوا ما استحللت، ولا فعلوا ما فعلت،قم عن هذا البساط حتى يختار المسلمون من هوأحق به منك.
فرحب به يزيد وتطاول له وضمه إليه وقال له:يا أبا محمد اسكن من فورتك، واعقل، وانظربعينك واسمع بأذنك، ما تقول في أبيك عمر بنالخطاب؟ أكان هادياً مهدياً خليفة رسولالله وناصره ومصاهره بأختك حفصة، والذيقال: لا يعبد الله سراً؟ فقال عبد الله: هوكما وصفت، فأي شيء تقول فيه؟ قال: أبوك قلدأبي أمر الشام أم أبي قلد أباك خلافة رسولالله صلّى الله عليه وآله؟ فقال: أبي قلدأباك الشام. قال: يا أبا محمد أفترضى بهوبعهده إلى أبي أو ما ترضاه؟ قال: بل أرضى،قال: أفترضى بأبيك؟ قال: نعم، فضرب يزيدبيده على يد عبد الله بن عمر وقال له: قم ياأبا محمد حتى تقرأه. فقام معه حتى وردخزانة من خزائنه، فدخلها، ودعا بصندوق،ففتحه واستخرج منه تابوتاً مقفلاًمختوماً، فاستخرج منه طوماراً لطيفاً فيخرقة حرير سوداء، فأخذ الطومار بيدهونشره، ثم قال: يا أبا محمد، هذا خط أبيك،قال: إي والله، فأخذه من يده فقبله فقال له:اقرأ، فقرأه ابن عمر، فإذا فيه: (بسم اللهالرحمن الرحيم، إن الذي أكرهنا بالسيف علىالإقرار به، فأقررنا والصدور وغرة،(56)والأنفس واجفة، والنيات والبصائر شايكة(57)مما كانت عليه من جحدنا ما دعانا إليه،وأطعناه فيه رفعاً لسيوفه عنا، وتكاثرهبالحي علينا من اليمن، وتعاضد من سمع بهممن ترك دينه وما كان عليه آباؤه في قريش.فبهبل أقسم والأصنام والأوثان واللاتوالعزى ما جحدها عمر مذ عبدها، ولا عبدللكعبة رباً، ولا صدق لمحمد قولاً، ولاألقى السلام إلا للحيلة عليه وإيقاع البطشبه، فإنه قد أتانا بسحر عظيم، وزاد في سحرهعلى سحر بني إسرائيل مع موسى وهارون وداودوسليمان وابن أمه عيسى، ولقد أتانا بكل ماأتوا به من السحر، وزاد عليهم ما لو أنهمشهدوه لأقروا له بأنه سيد السحرة(58).
فخذ يا ابن أبي سفيان سنة قومك، واتباعملتك، والوفاء بما كان عليه سلفك من جحدهذه البنية التي يقولون إن لها رباً أمرهمبإتيانها والسعي حولها، وجعلها لهم قبلة،فأقروا بالصلاة والحج الذي جعلوه ركناً،وزعموا أنه لله اختلفوا، فكان ممن أعانمحمداً منهم هذا الفارسي الطمطمانيروزبه،(59) وقالوا: إنه أوحي إليه: (إن أولبيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدىًللعالمين)(60) وقولهم: (قد نرى تقلب وجهك فيالسماء فلنولينك قبلة ترضاها، فول وجهكشطر المسجد الحرام، وحيث ما كنتم فولواوجوهكم شطره)(61) وجعلوا صلاتهم للحجارة،فما الذي أنكره علينا ـ لولا سحره ـ منعبادتنا للأصنام والأوثان واللات والعزىوهي من الحجارة والخشب والنحاس والفضةوالذهب؟ لا واللات والعزى ما وجدنا سبباًللخروج عما عندنا وإن سحروا وموهوا.
فانظر بعين مبصرة، واسمع بأذن واعية،وتأمل بقلبك وعقلك ما هم فيه، واشكر اللاتوالعزى، واستخلاف السيد الرشيد عتيق بنعبد العزى على أمة محمد وتحكمه في أموالهمودمائهم وشريعتهم وأنفسهم وحلالهموحرامهم وجبايات الحقوق التي زعموا أنهميجيبونها (يجيبونها ـ ظ) لربهم ليقيموا بهاأنصارهم وأعوانهم، فعاش شديداً رشيداً،يخضع جهراً، ويشتد سراً، ولا يجد حيلة غيرمعاشرة القوم.
ولقد وثبت وثبة على شهاب بني هاشم الثاقب،وقرنها الزاهر، وعلمها الناصر، وعدتهاوعددها المسمى بحيدرة، المصاهر لمحمد علىالمرأة التي جعلوها سيدة نساء العالمين،يسمونها فاطمة، حتى أتيت دار علي وفاطمةوابنيهما الحسن والحسين وابنتيهما زينبوأم كلثوم، والأمة المدعوة بفضة، ومعيخالد بن وليد، وقنفذ مولى أبي بكر، ومن صحبمن خواصنا، فقرعت الباب عليهم قرعاًشديداً، فأجابتني الأمة، فقلت لها: قوليلعلي: دع الأباطيل، ولا تلج نفسك إلى طمعالخلافة، فليس الأمر لك، الأمر لمن اختارهالمسلمون واجتمعوا عليه.
ورب اللات والعزى لو كان الأمر والرأيلأبي بكر لفشل عن الوصول إلى ما وصل إليهمن خلافة ابن أبي كبشة، لكني أبديت لهاصفحتي، وأظهرت لها بصري، وقلت للحيين نزاروقحطان، بعد أن قلت لهم: ليس الخلافة إلافي قريش، فأطيعوهم ما أطاعوا الله. وإنماقلت ذلك لما سبق من ابن أبي طالب من وثوبهواستيثاره بالدماء التي سفكها في غزواتمحمد، وقضاء ديونه، وهي ثمانون ألف درهم،وإنجاز عداته، وجمع القرآن، فقضاها علىتليده وطارفه، وقول المهاجرين والأنصارلما قلت: إن الإمامة في قريش، قالوا: (هوالأصلع البطين أمير المؤمنين علي ابن أبيطالب، الذي أخذ رسول الله البيعة له علىأهل ملته، وسلمنا له بإمرة المؤمنين فيأربعة مواطن، فإن كنتم نسيتموها يا معشرقريش فما نسيناها، وليست البيعة ولاالإمامة والخلافة والوصية إلا حقاًمفروضاً وأمراً صحيحاً، لا تبرعاً ولاادعاءً).
فكذبناهم،(62) وأقمت أربعين رجلاً شهدواعلى محمد أن الإمامة بالاختيار، فعند ذلكقال الأنصار: (نحن أحق من قريش، لأنا آويناونصرنا، وهاجر الناس إلينا، فإذا كان دفعمن كان الأمر له فليس هذا الأمر لكم دوننا)وقال قوم: (منا أمير ومنكم أمير) قلنا لهم:قد شهد أربعون رجلاً أن الأئمة من قريش،فقبل قوم وأنكر آخرون، وتنازعوا، فقلت ـوالجمع يسمعون ـ: إلا أكبرنا سناً،وأكثرنا ليناً. قالوا: فمن تقول؟ قلت: أبوبكر الذي قدمه رسول الله في الصلاة، وجلسمعه في العريش يوم بدر يشاوره ويأخذبرأيه، وكان صاحبه في الغار، وزوج ابنتهعائشة التي سماها أم المؤمنين.
فأقبل بنو هاشم يتميزون غيظاً، وعاضدهمالزبير وسيفه مشهور وقال: لا يبايع إلاعلي، أو لا أملك رقبة قائمة سيفي هذا. فقلت:يا زبير صرختك سكن من بني هاشم، أمك صفيةبنت عبد المطلب، فقال: ذلك والله الشرفالباذخ، والفخر الفاخر، يا ابن ختمة وياابن صهاك، اسكت لا أم لك. فقال قولاً، فوثبأربعون رجلاً ممن حضر سقيفة بني ساعدة علىالزبير، فو الله ما قدرنا على أخذ سيفه منيده حتى وسدناه الأرض، ولم نر له عليناناصراً.
فوثبت إلى أبي بكر، فصافحته وعاقدتهالبيعة، وتلاني عثمان بن عفان وسائر منحضر غير الزبير، وقلنا له: بايع أو نقتلك.ثم كففت عنه الناس فقلت له: أمهلوه، فماغضب إلا نخوة لبني هاشم. وأخذت أبا بكربيدي فأقمته وهو يرعد، قد اختلط عقله،فأزعجته إلى منبر محمد إزعاجاً، فقال لي:يا أبا حفص أخاف وثبة علي، فقلت له: إنعلياً عنك مشغول. وأعانني على ذلك أبوعبيدة بن الجراح، كان يمد بيده إلىالمنبر، وأنا أزعجه من ورائه كالتيس إلىشفار الجارز متهوناً.
فقام عليه مدهوشاً، فقلت له: اخطب، فأغلقعليه وتثبت، فدهش وتلجلج وغمض، فغضضت علىكفي غيظاً وقلت له: قل ما سنح لك، فلم يأتخيراً ولا معروفاً، فأردت أن أحطه عنالمنبر وأقوم مقامه، فكرهت تكذيب الناس ليبما قلت فيه، وقد سألني الجمهور منهم كيفقلت من فضله ما قلت، ما الذي سمعته من رسولالله في أبي بكر؟ فقلت لهم: قد قلت من فضلهعلى لسان رسول الله ما لو وددت أني شعرة فيصدره ولي حكاية فقلت: قل وإلا فانزل....والله في وجهي وعلم أنه لو نزل لرقيت وقلتما لا يهتدي إلى قوله، فقال بصوت ضعيفعليل: (وليتكم ولست بخيركم وعلي فيكم،واعلموا أن لي شيطاناً يعتريني، وما أرادبه سواي، فإذا زللت فقوموني، لا أقع فيشعوركم وأبشاركم، وأستغفر الله لي ولكم)ونزل. فأخذت بيده ـ وأعين الناس ترمقه ـوغمزت يده غمزاً، ثم أجلسته، وقدمت الناسإلى بيعته، وصحبته لأرهبه وكل من ينكربيعته ويقول: ما فعل علي بن أبي طالب؟فأقول خلعها من عنقه وجعلها طاعة المسلمينقلة خلاف عليهم في اختيارهم، فصار جليسبيته. فبايعوا وهم كارهون.
فلما فشت بيعته علمنا أن علياً يحمل فاطمةوالحسن والحسين إلى دور المهاجرينوالأنصار يذكرهم بيعته علينا في أربعمواطن، ويستنفرهم، فيعدونه النصرة ليلاً،ويقعدون عنه نهاراً، فأتيت داره مستشيراًلإخراجه منها، فقالت الأمة فضة وقد قلتلها: قولي لعلي يخرج إلى بيعة أبي بكر فقداجتمع عليه المسلمون، فقالت: إن أميرالمؤمنين علياً مشغول، فقلت: خلي عنك هذاوقولي له يخرج وإلا دخلنا عليه وأخرجناهكرهاً.
فخرجت فاطمة فوقفت من وراء الباب، فقالت:أيها الضالون المكذبون ماذا تقولون؟ وأيشيء تريدون؟ فقلت: يا فاطمة، فقالت فاطمة:ما تشاء يا عمر؟ فقلت: ما بال ابن عمك قدأوردك للجواب، وجلس من وراء الحجاب؟ فقالتلي: طغيانك يا شقي أخرجني، وألزمك الحجةوكل ضال غوي. فقلت: دعي عنك الأباطيلوأساطير النساء، وقولي لعلي يخرج لا حبولا كرامة، فقالت: أبحزب الشيطان تخوفنييا عمر؟ وكان حزب الشيطان ضعيفاً، فقلت: إنلم يخرج جئت بالحطب الجزل وأضرمتها ناراًعلى أهل هذا البيت، وأحرق من فيه، أو يقادعلي إلى البيعة، وأخذت سوط قنفذ فضربتها،وقلت لخالد بن الوليد: أنت ورجالنا، هلموافي جمع الحطب، فقلت: إني مضرمها، فقالت: ياعدو الله وعدو رسوله وعدو أمير المؤمنين.
فضربت فاطمة يديها من الباب تمنعني منفتحه، فرمته، فتصعب علي، فضربت كفيهابالسوط، فآلمها، فسمعت لها زفيراًوبكاءً، فكدت أن ألين وأنقلب عن الباب،فذكرت أحقاد علي وولوعه في دماء صناديدالعرب، وكيد محمد وسحره، فركلت الباب، وقدألصقت أحشاءها بالباب تترسه، وسمعتها وقدصرخت صرخة حسبتها قد جعلت أعلى المدينةأسفلها، وقالت: يا أبتاه يا رسول الله هكذاكان يفعل بحبيبتك وابنتك، آه يا فضة إليكفخذيني، فقد والله قتل ما في أحشائي منحمل، وسمعتها تمخض وهي مستندة إلى الجدار،فدفعت الباب ودخلت، فأقبلت إلي بوجه أغشىبصري، فصفقت صفقة على خديها من ظاهرالخمار، فانقطع قرطها وتناثرت إلىالأرض(63).
وخرج علي فلما أحسست به أسرعت إلى خارجالدار، وقلت لخالد وقنفذ ومن معهما: نجوتمن أمر عظيم ـ وفي رواية أخرى: قد جنيتجناية عظيمة لا آمن على نفسي، وهذا علي قدبرز من البيت ومالي ولكم جميعاً به طاقة ـفخرج علي وقد ضربت يديها إلى ناصيتهالتكشف عنها وتستغيث بالله العظيم ما نزلبها، فأسبل علي عليها ملاءتها وقال لها: يابنت رسول الله إن الله بعث أباك رحمةللعالمين، وأيم الله لئن كشفت عن ناصيتكسائلة إلى ربك ليهلك هذا الخلق لأجابك،حتى لا يبقي على الأرض منهم بشراً، لأنكوأباك أعظم عند الله من نوح الذي غرق منأجله بالطوفان جميع من على وجه الأرض وتحتالسماء إلا من كان في السفينة، وأهلك قومهود بتكذيبهم له، وأهلك عاداً بريح صرصر،وأنت وأبوك أعظم قدراً من هود، وعذب ثمودفي اثنا عشر ألفاً بعقر الناقة والفصيل،فكوني يا سيدة النساء رحمة على هذا الخلقالمنكوس، ولا تكوني عذاباً.
واشتد بها المخاض، ودخلت البيت فأسقطتسقطاً سماه علي محسناً. وجمعت جمعاًكثيراً لا مكاثرة لعلي، ولكن ليشد بهمقلبي، وجئت وهو محاصر، فاستخرجته من دارهمكرهاً مغصوباً، وسقته إلى البيعة سوقاً،وإني لأعلم علماً يقيناً لا شك فيه لواجتهدت أنا وجميع من على الأرض جميعاً علىقهره ما قهرناه، ولكن لهنات كانت في نفسهأعلمها ولا أقولها. فلما انتهيت إلى سقيفةبني ساعدة قام أبو بكر ومن بحضرتهيستهزئون بعلي، فقال علي: يا عمر أتحب أنأعجل لك ما أخرته سوءً عنك (من سوأتك عنه خل)؟ فقلت: لا يا أمير المؤمنين.
فسمعني والله خالد بن الوليد، فأسرع إلىأبي بكر، فقال له أبو بكر: ما لي ولعمر ـثلاثاً ـ والناس يسمعون. ولما دخل السقيفةصبا إليه أبو بكر، فقلت له: قد بايعت يا أباالحسن فانصرف فأشهد ما بايعه، ولا مد يدهإليه، وكرهت أن أطالبه بالبيعة فيعجل ليما أخره عني. وود أبو بكر أنه لم ير علياًفي ذلك المكان جزعاً وخوفاً منه. ورجع عليمن السقيفة، وسألنا عنه فقالوا: مضى إلىقبر محمد، فجلس إليه.
فقمت أنا وأبو بكر إليه، وجئنا نسعى، وأبوبكر يقول: ويلك يا عمر ما الذي صنعتبفاطمة؟ هذا والله الخسران المبين. فقلت:إن أعظم ما عليك أنه ما بايعنا، ولا أثق أنتتثاقل المسلمون عنه. فقال: فما تصنع؟فقلت: نظهر أنه بايعك عند قبر محمد.فأتيناه وقد جعل القبر قبلة مسنداً كفهعلى تربته، وحوله سلمان وأبو ذر والمقدادوعمار وحذيفة بن اليمان، فجلسنا بإزائه،وأوعزت إلى أبي بكر أن يضع يده على مثل ماوضع علي يده ويقربها من يده، ففعل ذلك،وأخذت بيد أبي بكر لأمسحها على يده وأقولقد بايع، فقبض علي يده. فقمت أنا وأبو بكرمولياً، وأنا أقول: جزى الله علياً خيراً،فإنه لم يمنعك البيعة لما حضرت قبر رسولالله. فوثب من دون الجماعة أبو ذر جندب بنجنادة الغفاري وهو يصيح ويقول: والله ياعدو الله ما بايع علي عتيقاً. ولم يزل كلمالقينا قوماً وأقبلنا على قوم نخبرهمببيعته، وأبو ذر يكذبنا. والله ما بايعنافي خلافة أبي بكر ولا في خلافتي، ولا يبايعلمن بعدي، ولا بايع من أصحابه اثنا عشررجلاً، لا لأبي بكر ولا لي. فمن فعل يامعاوية فعلي، واستثار أحقاده السالفةغيري؟ أما أنت وأبوك أبو سفيان وأخوكعتبة، فأعرف ما كان منكم في تكذيب محمدوكيده، وإدارة الدوائر بمكة، وطلبته فيجبل حرى لقتله، وتألف الأحزاب وجمعهمعليه، وركوب أبيك الجمل وقد قاد الأحزاب،وقول محمد: (لعن الله الراكب والقائدوالسائق)، وكان أبوك الراكب، وأخوك عتبةالقائد، وأنت السائق. ولم أنس أمك هنداًوقد بذلت لوحشي ما بذلت، حتى تكمن نفسهلحمزة الذي دعوه أسد الرحمن في أرضه،وطعنه بالحربة، ففلق فؤاده، وشق عنه، وأخذكبده فحمله إلى أمك، فزعم محمد بسحره أنهلما أدخلته فاها لتأكله صار جلموداً،فلفظته من فيها، وسماها محمد أو أصحابه:آكلة الأكباد، وقولها في شعرها لاعتداءمحمد ومقاتليه:
ونسوتها في الثياب الصفر المرسبة، مبدياتوجوههن ومعاصمهن ورؤوسهن، يحرضن على قتالمحمد. إنكم لم تسلموا طوعاً، وإنما أسلمتمكرهاً يوم فتح مكة، فجعلكم طلقاء، وجعلأخي زيداً وعقيلاً أخا علي بن أبي طالبوالعباس عمهم مثلهم. وكان من أبيك في نفسه،فقال: والله يا ابن أبي كبشة لأملأنها عليكخيلاً ورجلاً، وأحول بينك وبين هذهالأعداء، فقال محمد ـ ويؤذن للناس أنه علمما في نفسه ـ: أو يكفي الله شرك يا أباسفيان، وهو يري للناس أن لا يعلوها أحدغيري وعلي ومن يليه من أهل بيته.
فبطل سحره، وخاب سعيه، وعلاها أبو بكر،وعلوتها بعده، وأرجو أن تكونوا معاشر بنيأمية عيدان أطنابها، فمن ذلك قد وليتكوقلدتك إباحة ملكها، وعرفتك فيها، وخالفتقوله فيكم، وما أبالي من تأليف شعره ونثرهأنه قال يوحى إلي منزل من ربي في قوله:(والشجرة الملعونة في القرآن)(64) فزعم أنهاأنتم يا بني أمية، فبين عداوته حيث ملك،كما لم يزل هاشم وبنوه أعداء بني عبد شمس.وأنا مع تذكيري إياك يا معاوية، وشرحي لكما قد شرحته ناصح لك ومشفق عليك من ضيقعطنك،(65) وحرج صدرك، وقلة حلمك أن تعجلفيما وصيتك ومكنتك منه من شريعة محمدوأمته أن تبدي لهم مطالبته بطعن، أو شماتةبموت، أو رداً عليه فيما أتى به أواستصغاراً لما أتى به فتكون من الهالكين،فتخفض ما رفعت، وتهدم ما بنيت. واحذر كلالحذر حيث دخلت على محمد مسجده ومنبره،وصدق محمداً في كل ما أتى به وأوردهظاهراً، وأظهر التحرز والواقعة في رعيتك،وأوسعهم حلماً، وأعمهم بروائح العطايا،وعليك بإقامة الحدود فيهم، وتضعيفالجناية منهم لسبا (كذا) محمد من مالكورزقك، ولا ترهم أنك تدع لله حقاً، ولاتنقص فرضاً، ولا تغير لمحمد سنته، فتفسدعلينا الأمة، بل خذهم من مأمنهم، واقتلهمبأيديهم، وأبدهم بسيوفهم وتطاولهم ولاتناجزهم، ولن لهم، ولا تبخس عليهم، وافسحلهم في مجلسك، وشرفهم في مقعدك، وتوصل إلىقتلهم برئيسهم، وأظهر البشر والبشاشة، بلاكظم غيظك، واعف عنهم، يحبوك ويطيعوك.
فما أمن علينا وعليك ثورة علي وشبليهالحسن والحسين، فإن أمكنك في عدة من الأمةفبادر، ولا تقنع بصغار الأمور، واقصدبعظيمها، واحفظ وصيتي إليك وعهدي، وأخفهولا تبده، وامتثل أمري ونهيي، وانهضبطاعتي، وإياك والخلاف علي، واسلك طريقةأسلافك، واطلب بثأرك، واقتص آثارهم، فقدأخرجت إليك بسري وجهري، وشفعت هذا بقولي:
إلى آخر الأبيات.(66) قال: فلما قرأ عبد اللهبن عمر هذا العهد قام إلى يزيد، فقبل رأسهوقال: الحمد لله يا أمير المؤمنين على قتلكالشاري ابن الشاري،(67) والله ما أخرج أبيإلي بما أخرج إلى أبيك، والله لا رآني أحدمن رهط محمد بحيث يحب ويرضى. فأحسن جائزتهوبره، ورده مكرماً. فخرج عبد الله بن عمرمن عنده ضاحكاً، فقال له الناس: ما قال لك؟قال: قولاً صادقاً لوددت أني كنت مشاركهفيه. وسار راجعاً إلى المدينة، وكان جوابهلمن يلقاه هذا الجواب.
ويروى أنه أخرج يزيد ـ لعنه الله ـ إلى عبدالله بن عمر كتاباً فيه عهد عثمان بن عفانفيه أغلظ من هذا وأدهى وأعظم من العهد الذيكتبه عمر لمعاوية، فلما قرأ عبد الله بنعمر العهد الآخر قام فقبل رأس يزيد ـلعنهما الله ـ وقال: الحمد لله على قتلكالشاري ابن الشاري(68).
38ـ قال ابن أبي الحديد ضمن نقل قصة خروجزينب بنت رسول الله صلّى الله عليه وآلهإلى المدينة: قال محمد بن إسحاق: قدم لهاكنانة بن الربيع بعيراً فركبته، وأخذ قوسهوكنانته، وخرج بها نهاراً يقود بعيرها،وهي في هودج لها. وتحدث بذلك الرجال منقريش والنساء، وتلاومت في ذلك، وأشفقت أنتخرج ابنة محمد من بينهم على تلك الحال،فخرجوا في طلبها سراعاً حتى أدركوها بذيطوى، فكان أول من سبق إليها هبار بن الأسودبن عبد المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قصي،ونافع بن عبد القيس الفهري، فروعها هباربالرمح وهي في الهودج، وكانت حاملاً.
فلما رجعت طرحت ما في بطنها، وقد كانت منخوفها رأت دماً وهي في الهودج، فلذلك أباحرسول الله صلّى الله عليه وآله يوم فتح مكةدم هبار بن الأسود.
قلت: وهذا الخبر أيضاً قرأته على النقيبأبي جعفر رحمه الله، فقال: إذا كان رسولالله صلّى الله عليه وآله أباح دم هبار بنالأسود، لأنه روع زينب فألقت ذا بطنها،فظهر الحال أنه لو كان حياً لأباح دم منروع فاطمة حتى ألقت ذا بطنها. فقلت: أرويعنك ما يقوله قوم: إن فاطمة روعت فألقتالمحسن؟ فقال: لا تروه عني ولا ترو عنيبطلانه، فإني متوقف في هذا الموضع لتعارضالأخبار عندي فيه(69).
39ـ فقالت فاطمة عليها السلام لأسماء بنتعميس: كيف أصنع وقد صرت عظماً وقد يبسالجلد على العظم(70).
40ـ وقالت سلام الله عليها: كيف أحمل وقدصرت كالخيال، وجف جلدي على عظمي(71).
41ـ قال الأستاذ أبو علم: في رواية: أنعلياً عليه السلام بنى لها بيتاً فيالبقيع سمي ببيت الأحزان، وهو باق إلى هذاالزمان، وهو الموضع المعروف بمسجد فاطمةفي جهة قبة مشهد الحسن والعباس، وإليهأشار ابن جبير بقوله: ويلي القبة العباسيةبيت فاطمة بنت الرسول صلّى الله عليه وآلهويعرف ببيت الحزن، يقال: إنه هو الذي آوتإليه والتزمت الحزن فيه منذ وفاة أبيهاصلّى الله عليه وآله(72).
42ـ وقال أيضاً: ولقد عاشت السيدة الزهراءبعد الرسول عليه الصلاة والسلام خمسةوسبعين يوماً. وعن الصادق رضي الله عنه:مائة وخمسة وسبعين يوماً، لم تر كاشرة ولاضاحكة، تأتي قبور الشهداء في كل جمعةمرتين: الاثنين والخميس، فتقول: هنا كانرسول الله صلّى الله عليه وآله، وها هناكان المشركون. وفي رواية عن الصادق عليهالسلام: أنها كانت تصلي هناك وتدعو حتىماتت. وروي عن الباقر عليه السلام قال: مارؤيت فاطمة ضاحكة قط منذ قبض رسول اللهصلّى الله عليه وآله حتى قبضت. وفي السيرةالنبوية: عاشت فاطمة بعد أبيها ستة أشهر،فما ضحكت تلك المدة(73).
43ـ وقال أيضاً:...وحزنت حزناً شديداً أثرعلى صحتها، والمرة الوحيدة التي ابتسمتفيها بعد وفاة أبيها صلّى الله عليه وآلهعندما نظرت إلى أسماء بنت عميس وهي علىفراش الموت وبعد أن لبست ملابس الموت،فابتسمت ونظرت إلى نعشها الذي عمل قبلوفاتها وقالت: سترتموني ستركم الله. فكانتهذه هي اللحظة الوحيدة التي رؤيت فيهامبتسمة بعد وفاة الرسول صلّى الله عليهوآله(74).
44 ـ عن أبي الجارود عن أبي جعفر عليهالسلام: قال: سألته متى يقوم قائمكم؟ قال:يا أبا الجارود، لا تدركون. فقلت: أهلزمانه؟ فقال: ولن تدرك أهل زمانه، يقومقائمنا بالحق بعد إياس من الشيعة يدعوالناس ثلاثاً فلا يجيبه أحد، فإذا كان يومالرابع تعلق بأستار الكعبة فقال: يا ربانصرني، ودعوته لا تسقط، فيقول تباركوتعالى للملائكة الذين نصروا رسول اللهصلّى الله عليه وآله وسلّم يوم بدر ولميحطوا سروجهم ولم يضعوا أسلحتهم،فيبايعونه ثم يبايعه من الناس ثلائمائةوثلاثة عشر رجلاً، ثم يسير إلى المدينة...ثم يخرج الأزرق وزريق (لعنهما الله) غضينطريين يكلمهما فيجيبانه، فيرتاب عند ذلكالمبطلون... ثم يحرقهما... دلائل الإمامة،ص242.
45 ـ قال البلاذري على ما في إثبات الهداة:أنه حصر فاطمة في الباب حتى أسقطت محسناً.إحقاق الحق، ج2، ص373.
46 ـ وحكي عن العلامة السيد باقر بن آيةالله الحجة السيد محمد الهندي المتوفى سنة1329 أنه رأى في المنام صاحب الأمر ـ عجلالله فرجه ـ ليلة الغدير حزيناً كئيباًفقال له: يا سيدي ما لي أراك في هذا اليومحزيناً والناس في فرح وسرور بعيد الغدير؟فقال عليه السلام: ذكرت أمي الزهراءوحزنها، ثم قال:
ولما انتبه السيد قدس سره نظم قصيدة فيأحوال الغدير وما جرى على الزهراء عليهاالسلام بعد أبيها وضمنها هذا البيت.والقصيدة محفوظة مشهورة مطلعها:
وفاة الزهراء للمقرم ص97.
47 ـ إن أبا بكر بعد أخذ البيعة لنفسه منالناس بالإرهاب والسيف والقوة أرسل عمروقنفذاً وجماعة إلى دار علي وفاطمة عليهماالسلام، وجمع عمر الحطب على دار فاطمةوأحرق الدار، ولما جاءت فاطمة خلف البابلترد عمر وأصحابه عصر عمر فاطمة خلف البابحتى أسقطت جنينها ونبت مسمار الباب فيصدرها، وسقطت مريضة حتى ماتت عليهاالسلام. الخلافة والإمامة لمقاتل بن عطية،ص505، ط بيروت بمقدمة الدكتور حامد حفنىداود
48 ـ عن الصادق عليه السلام عن رسول اللهصلّى الله عليه وآله وسلّم: ملعون ملعون منيظلم بعدي فاطمة ابنتي ويغصبها حقهاويقتلها. كنز الفوائد ج1، ص150.
49 ـ في كلام طويل: فرفع عمر السيف وهو فيغمده فوجأ به جنبها فصرخت يا أبتاه، فرفعالسوط فضرب به ذراعها... قال (سليم): قلتلسلمان: أدخلوا على فاطمة عليها السلامبغير إذن؟ قال: أي والله وما عليها من خمار.كتاب سليم بن قيس، ط بيروت، ص84 و85.
50 ـ عن الإمام المجتبى عليه السلام فيكلام طويل: وأما أنت يا مغيرة بن شعبة فإنكلله عدو... وأنت ضربت فاطمة بنت رسول اللهحتى أدميتها وألقت ما في بطنها، استذلالاًمنك لرسول الله، ومخالفة منك لأمره،وانتهاكاً لحرمته... بحار الأنوار، ج44، ص83.
51 ـ عن زكريا بن آدم قال: إني لعند الرضاعليه السلام إذ جيء بأبي جعفر له وسنه أقلمن أربع، فضرب بيده إلى الأرض ورفع رأسهإلى السماء وهو يفكر، فقال له الرضا عليهالسلام: بنفسي أنت لما طال فكرك؟ فقال:فيما صنع بأمي فاطمة. أم والله لأخرجنهماثم لأحرقنهما ثم لأذرينهما ثم لأنسفنهمافي اليم نسفاً. فاستدناه وقبل ما بين عينيهثم قال: أنت لها ـ يعني الإمامة ـ دلائلالإمامة للطبري، ط نجف، ص212.
52 ـ عن أبي عبد الله عليه السلام: إذا قدمالقائم (المدينة)... ثم يخرجهما غضين رطبينفيلعنهما ويتبرأ منهما ويصلبهما ثمينزلهما ويحرقهما ثم يذريهما في الريح.بحار الأنوار، ج52، ص384
53 ـ قال الصدوق رحمه الله: قوله صلّى اللهعليه وآله وسلّم (يا علي، إن لك كنزاً فيالجنة وأنت ذو قرنيها) وقد سمعت بعضالمشايخ يذكر أن هذا الكنز هو ولده المحسنعليه السلام وهو السقط الذي ألقته فاطمةعليها السلام لما ضغطت بين البابين. واحتجفي ذلك بما روى في السقط من أنه يكونمحبنطئاً(75) على باب الجنة فيقال له: ادخلالجنة، فيقول: لا، حتى يدخل أبواي قبلي...وأما قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم:(وأنت ذو قرنيها) فإن قرني الجنة الحسنوالحسين لما روى أن رسول الله صلّى اللهعليه وآله وسلّم قال: إن الله عز وجل يزينبهما جنته كما تزين المرأة بقرطيها. وفيخبر آخر: يزين الله بهما عرشه. معانيالأخبار، ص206، ط مكتبة الصدوق.
54 ـ عن أبي جعفر عليه السلام: أما لو قامقائمنا لقد ردت إليه الحميراء حتى يجلدهاالحد وحتى ينتقم لابنة محمد فاطمة عليهاالسلام منها. قلت: جعلت فداك، ولم يجلدهاالحد؟ قال: لفريتها على أم إبراهيم... بحارالأنوار، ج52، ص314.
55 ـ من حديث المعراج: أول من يحكم فيهممحسن بن علي عليه السلام وفي قاتله ثم فيقنفذ، فيؤتيان هو وصاحبه فيضربان بسياط مننار، لو وقع سوط منها على البحار لغلت منمشرقها إلى مغربها، ولو وضعت على جبالالدنيا لذابت حتى تصير رماداً، فيضربانبها... كامل الزيارة، باب 108، ص334.
56 ـ قال المفضل (لبي عبد الله عليه السلام):يا مولاي، ما تقول في قوله تعالى: (وإذاالموؤدة سئلت بأي ذنب قتلت)؟ (التكوير 8و9)قال: يا مفضل والموؤدة والله محسن، لأنهمنا لا غير، فمن قال غير هذا فكذبوه. بحارالأنوار، ج53، ص23.
57 ـ عن جعفر بن محمد عليهما السلام فيقوله: (إذا الموؤدة سئلت بأي ذنب قتلت) قال:هم قرابة رسول الله صلّى الله عليه وآلهوسلّم(76). تفسير الفرات، ص204.
58 ـ عن أبي عبد الله عليه السلام: قال لماأسري بالنبي صلّى الله عليه وآله وسلّمإلى السماء قيل له: إن الله تبارك وتعالىيختبرك في الثلاث...، وأما ابنتك فتظلموتحرم ويؤخذ حقها غصباً الذي تجعله لها،وتضرب وهي حامل، ويدخل عليها وعلى حريمهاومنزلها بغير إذن، ثم يمسها هوان وذل، ثملا تجد مانعاً وتطرح ما في بطنها من الضربوتموت من ذلك الضرب. قلت: إنا لله وإنا إليهراجعون، قبلت يا رب وسلمت، ومنك التوفيقوالصبر... كامل الزيارة، باب 108، ص332.
59 ـ عن عبد الله بن بكر الأرجاني قال: صحبتأبا عبد الله عليه السلام في طريق مكة منالمدينة فنزلنا منزلاً يقال له عسفان، ثممررنا بجبل أسود عن يسار الطريق وحش، فقلتله: يا ابن رسول الله، ما أوحش هذا الجبل!ما رأيت في الطريق مثل هذا! فقال لي: يا ابنبكر، أتدري أي جبل هذا؟ قلت: لا، قال: هذاجبل يقال له الكمد، وهو على واد من أوديةجهنم، وفيه قتلة أبي الحسين، استودعهم فيهتجري من تحتهم مياه جهنم من الغسلينوالصديد والحميم... وما مررت بهذا الجبل فيسفري فوقفت به إلا رأيتهما يستغيثان إلي،وإني لأنظر إلى قتلة أبي فأقول لهما: هؤلاءإنما فعلوا ما أسستما، لم ترحمونا إذوليتم، وقتلتمونا وحرمتمونا، وثبتم علىحقنا واستبددتم بالأمر دوننا، فلا رحمالله من يرحمكما، ذوقا وبال ما قدمتما،وما الله بظلام للعبيد. وأشدهما تضرعاًواستكانة الثاني، فربما وقفت عليهماليتسلى عني بعض ما في قلبي... قال: قلت له:جعلت فداك ومن معهم؟ قال... وقاتل أميرالمؤمنين وقاتل فاطمة ومحسن والحسنوالحسين عليهم السلام... بحار الأنوار، ج25،ص372.
60 ـ قال رسول الله صلّى الله عليه وآلهوسلّم في حديث طويل: وإني لما رأيتها ذكرتما يصنع بها بعدي، كأني بها وقد دخل الذلبيتها، وانتهكت حرمتها، وغصبت حقها،ومنعت إرثها، وكسر جنبها، وأسقطت جنينها،وهي تنادي يا محمداه، فلا تجاب، وتستغيثفلا تغاث، فلا تزال بعدي محزونة مكروبةباكية تتذكر انقطاع الوحي عن بيتها مرةوتتذكر فراقي أخرى، وتستوحش إذا جنهاالليل لفقد صوتي الذي كانت تستمع إليه إذاتهجدت بالقرآن، ثم ترى نفسها ذليلة بعد أنكانت في أيام أبيها عزيزة، فعند ذلكيؤنسها الله تعالى ذكره بالملائكةفنادتها بما نادت به مريم بنت عمران فتقول:يا فاطمة إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاكعلى نساء العالمين، يا فاطمة اقنتي لربكواسجدي واركعي مع الراكعين(77). ثم يبتدئبها الوجع فتمرض فيبعث الله عز وجل إليهامريم بنت عمران تمرضها وتؤنسها في علتها،فتقول عند ذلك: يا رب، إني قد سئمت الحياةوتبرمت بأهل الدنيا، فألحقني بأبي،فيلحقها الله عز وجل بي، فتكون أول منيلحقني من أهل بيتي، فتقدم علي محزونةمكروبة مغمومة مغصوبة (مقتولة)، فأقول عندذلك: اللهم العن من ظلمها، وعاقب من غضبها،وذلل من أذلها، وخلد في نارك من ضرب جنبهاحتى ألقت ولدها، فتقول الملائكة عند ذلك:آمين. أمالي الصدوق، مجلس 24.
61 ـ عن علي عليه السلام قال: بينا أناوفاطمة والحسن والحسين عند رسول الله إذاالتفت إلينا فبكى، فقلت: ما يبكيك يا رسولالله؟ فقال: أبكي مما يصنع بكم بعدي. فقلت:فما ذلك يا رسول الله؟ قال: أبكي من ضربتكعلى القرن، ولطم فاطمة خدها، وطعنة الحسنعلى الفخذ، والسم الذي يسقى، وقتل الحسين.قال: فبكى أهل البيت جميعاً. بحار الأنوار،ج28، ص51.
62 ـ عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال:دخلت فاطمة عليها السلام على رسول اللهصلّى الله عليه وآله وسلّم وهو في سكراتالموت فانكبت عليه تبكي، ففتح عينيه وأفاقثم قال: يا بنية، أنت المظلومة بعدي، وأنتالمستضعفة بعدي، فمن آذاك فقد آذاني، ومنغاظك فقد غاظني، ومن سرك فقد سرني، ومن بركفقد برني، ومن جفاك فقد جفاني، ومن وصلكفقد وصلني، ومن قطعك فقد قطعني، ومن أنصفكفقد أنصفني، ومن ظلمك فقد ظلمني، لأنك منيوأنا منك... البحار، ج28، ص74.
63 ـ... ثم إنه (علي عليه السلام) بنى لهابيتاً في البقيع نازحاً عن المدينة يسمىبيت الأحزان، وكانت إذا أصبحت قدمت الحسنوالحسين عليهما السلام أمامها وخرجت إلىالبقيع باكية، فلا تزال بين القبور باكية،فإذا جاء الليل أقبل أمير المؤمنين عليهالسلام إليها وساقها بين يديه إلى منزلها.بحار الأنوار، ج43، ص177.
64 ـ قال العلامة السمهودي: والمشهور ببيتالحزن إنما هو الموضع المعروف بمسجد فاطمةفي قبلته مشهد الحسن والعباس. وفاء الوفاءبأخبار المصطفى، (ج2، ص918).
65 ـ قال المحقق رفعت باشا: وهناك (البقيع)قبة تسمى قبة الحزن، يقال: هي البيت الذيآوت إليه بنت النبي والتزمت الحزن فيهابعد وفاة أبيها. مرآة الحرمين، ج1، ص436.
66ـ قال ابن أبي الحديد: قد روى كثير منالناس ندبة فاطمة عليها السلام أباها يومموته وبعد ذلك اليوم، وهي ألفاظ معدودةمشهورة، منها: يا أبتاه جنة الخلود مثواه،يا أبتاه عند ذي العرش مأواه، يا أبتاه كانجبرائيل يغشاه، يا أبتاه لست بعد اليومأراه. ومن الناس من يذكر أنها كانت تشوبهذه الندبة بنوع من التظلم والتألم لأمريغلها، والله أعلم بصحة ذلك. والشيعة ترويأن قوماً من الصحابة أنكروا بكاءها الطويلونهوها عنه وأمروها بالتنحي عن مجاورةالمسجد إلى طرف من أطراف المدينة... شرح نهجالبلاغة، ج13، ص43.
67 ـ (... قل يا رسول الله عن صفيتك صبري، ورقعنها تجلدي). نهج البلاغة ج 195 قال ابن أبيالحديد في شرح النهج (ج10، 266) قوله: (عنصفيتك) أجله صلّى الله عليه وآله وسلّم عنأن يقول (عن ابنتك) فقال: (صفيتك) وهذا منلطيف عبارته ومحاسن كنايته. وقال أيضاً(ص269): أنه عليه السلام ما سهر منذ ماتتفاطمة، ودام سهره إلى أن قتل عليه السلام...فأما الحزن فإنه لم يزل حزيناً إذا ذكرتفاطمة عليها السلام. نهج البلاغة، ج195.
68 ـ... علي عليه السلام إذا نظر إلى وجههاتنكشف عنه همومه، وتجلى عنه غمومه، ولكننظر يوماً إلى وجهها تراكمت الهموموالغموم على قلبه وذلك حين نظر ورأى حمرةفي عينها قد ظهرت من تلك اللطمة. الكوكبالدري، ص132.
69 ـ لما ضرب أبو اللؤلؤ ابن الخطاب قال: ياأمير المؤمنين، ضربت الرجل وشققت بطنه،فإذا سمع علي ذلك بكى بكاء شديداً وتمنى أنفاطمة عليها السلام كانت حية وتسمع ذلك،ثم أخرج أمير المؤمنين من جيبه كتاباًوقال: خذ هذا واخرج خارج المدينة واقرأفاتحة الكتاب سبع مرات، اذهب أي مكان تريد.ملتقى البحرين، ص224.
70 ـ قالت فاطمة الزهراء عليها السلاملعمر: بقر الله بطنك كما بقرت صحيفتي. شرحالنهج لابن أبي الحديد، ج14، ص334 نقلاً عنالإمامية.
71 ـ ماتت فاطمة عليها السلام فجاء نساءرسول الله كلهن إلى بني هاشم في العزاء إلاعائشة فإنها لم تأت وأظهرت مرضاً، ونقلإلى علي عليه السلام عنها كلام يدل علىالسرور. شرح النهج، ج9، ص198.
قدمنا في المتن (ص585) بعض الأقوال في موضعقبرها عليها السلام، والمسألة خلافية فيأخبارنا وبين أصحابنا رضي الله عنه، فمنالأخبار ما ينص على أنها دفنت في بيتها وهوروايتان عن البزنطي عن الرضا عليه السلامكما تقدم، واستصوبه الصدوق رحمه الله فيمعاني الأخبار وقال: (الصحيح عندي في موضعقبر فاطمة عليها السلام ما رواه البزنطي)،ورضيه الشيخ الحر العاملي رحمه الله وحملالأخبار التي تدل على أنها في الروضة أو فيالبقيع على التقية لموافقتها لأقوالالعامة (راجع الوسائل، ج1، ص289)، وأيضاًاستظهره العلامة المجلسي رحمه الله فيالبحار (ج100، ص193) وقال: الأظهر أنها عليهاالسلام مدفونة في بيتها وقد قدمنا الأخبارفي ذلك، ولعل خبر ابن أبي عمير (الدال علىكونها في الروضة) محمول على توسعة الروضةبحيث تشمل بيتها عليها السلام... وقالأيضاً (ج43، ص188): إن الأصح أنها مدفونة فيبيتها. وقال المحشى على البحار (ج81، ص252):وإذا كانت السيدة المظلومة والمضطهدةغسلت في بيتها ليلاً اختفاء من الناسوأمرائهم وقد كانت بيتها بيت علي عليهالسلام متصلاً بمسجد رسول الله صلّى اللهعليه وآله وسلّم ليس لهم باب يمرون منه منداخل المسجد ثم دفنت هناك لئلا يتمكنالأمراء من الصلاة على قبرها فلم تكن حاجةإلى النعش ولا السرير تحمل عليها ولا أنتشيع جنازتها بنار ومشعل أو مجمرة وغيرذلك.
أقول: هذا الاستحسان لا يساعده بعضالأخبار مثل ما رواه في البحار (ج81، ص390) عنجعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنه سئل:(كم كبر أمير المؤمنين عليه السلام علىفاطمة عليها السلام؟ فقال: كان يكبر أميرالمؤمنين عليه السلام تكبيرة فيكبرجبرائيل تكبيرة والملائكة المقربون إلىأن كبر أمير المؤمنين عليه السلام خمساً.فقيل له: وأين كان يصلي عليها؟ قال: فيدارها، ثم أخرجها). هذا، ثم من الأخبار مايدل على أنها عليها السلام دفنت في الروضةالمباركة النبوية صلّى الله عليه وآلهوسلّم، وحد الروضة على ما في المناقب لابنشهر آشوب (ج3، ص365) ما بين القبر إلى المنبرإلى الأساطين التي تلي صحن المسجد. وقدتقدم بعض الأخبار في ذلك عن المناقب، وفيمجمع البحرين (مادة ترع) مثلها. ومنها مانقله العلامة المجلسي رحمه الله في البحار(ج44، ص142) عن محمد بن مسلم قال: سمعت أباجعفر عليه السلام يقول: لما احتضر الحسن بنعلي ـ صلوات الله عليهما ـ قال للحسين عليهالسلام: يا أخي إني أوصيك بوصية فاحفظها،فإذا أنا مت فهيئني ثم وجهني إلى رسول اللهصلّى الله عليه وآله وسلّم لأحدث بهعهداً، ثم اصرفني إلى أمي فاطمة عليهاالسلام، ثم ردني فادفني بالبقيع. وقالالشيخ الطوسي رحمه الله في المصباح (ص653):ثم زر فاطمة عليها السلام من عند الروضة.واختلف في موضع قبرها، فقال قوم: هي مدفونةفي الروضة، وقال آخرون: في بيتها، وقال (ال)فرقة الثالثة: هي مدفونة بالبقيع. والذيعليه أكثر أصحابنا أن زيارتها من عندالروضة. ومن زارها في هذه الثلاث المواضعكان أفضل. وقال العلامة المرندي النجفي فيملتقى البحرين (ص151): في خبر صحيح أنها دفنتفي الروضة في قبر النبي صلّى الله عليهوآله وسلّم ولعل يؤيد هذا القول ما جاء فيمناقب ابن شهر آشوب (ج3، ص345): روى أنه لماصار بها إلى القبر المبارك خرجت يدفتناولها. وأيضاً في مرآة العقول (ج5 ص324):فقال (علي عليه السلام): (السلام عليك يارسول الله عني، والسلام عليك عن ابنتكوزائرتك والبائتة في الثرى ببقعتك). ظاهرهالدفن قريب من قبره. وفي نهج البلاغة: (عنابنتك النازلة في جوارك)... ومن الأخبار مايدل على أنها دفنت بالبقيع، فمنها ما ذكرهالعلامة المجلسي رحمه الله في البحار (ج44،ص141) من وصية الإمام المجتبى لأخيه الحسينعليهما السلام قال: يا أخي إذا أنا متفغسلني وحنطني وكفني واحملني إلى جدي صلّىالله عليه وآله وسلّم حتى تلحدني إلىجانبه، فإن منعت من ذلك فبحق جدك رسول اللهصلّى الله عليه وآله وسلّم وأبيك أميرالمؤمنين وأمك فاطمة الزهراء عليهاالسلام أن لا تخاصم أحداً، واردد جنازتيمن فورك إلى البقيع حتى تدفني مع أمي عليهاالسلام... فقال الحسين عليه السلام: اللهالله، لا تضيعوا وصية أخي، واعدلوا به إلىالبقيع، فإنه أقسم علي إن أنا منعت من دفنهمع جده صلّى الله عليه وآله وسلّم أن لاأخاصم فيه أحداً وأن أدفنه بالبقيع مع أمهعليها السلام. فعدلوا به ودفنوه بالبقيعمعها عليها السلام. وأيضاً في كلام عائشةللحسين عليه السلام: نحوا ابنكم واذهبوابه، فإنكم قوم خصمون. فمضى الحسين عليهالسلام إلى قبر أمه ثم أخرجه فدفنهبالبقيع. ونقل العلامة المجلسي رحمه اللهعن عيون المعجزات: روى أنه عليه السلام دفنمع أمه عليها السلام سيدة نساء العالمينفي قبر واحد (ص142). فإن قلت: يحتمل أن يراد منالأم في هذه الأخبار جدته فاطمة بنت أسدعليها السلام كما يشهد بذلك ما في البحار(ج44، ص157): ومضوا بالحسن عليه السلام فدفنوهبالبقيع عند جدته فاطمة بنت أسد بن هاشم بنعبد مناف رضي الله عنه. وأيضاً (ص154): ثمردني إلى قبر جدتي فاطمة بنت أسد، فادفني.أقول: هذا احتمال قوي ويؤيده الخبر الماضيمن قوله: (فمضى الحسين عليه السلام إلى قبرأمه ثم أخرجه فدفنه بالبقيع) ولكن يردهتعبير (أمه سيدة نساء العالمين) فإنه لاينطبق على فاطمة بنت أسد عليها السلام،إلا أن يقال: إن هذا التعبير استحسان منصاحب عيون المعجزات وليس بمتن الخبر.ويؤيد كونها عليها السلام بالبقيع ما جاءفي مروج الذهب (ج3، ص297): وعلى قبورهم في هذاالموضع من البقيع رخامة عليها مكتوب:
(بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله مبيدالأمم، ومحيي الرمم، هذا قبر فاطمة بنترسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم سيدةنساء العالمين، وقبر الحسن بن علي بن أبيطالب، وعلي بن الحسين بن علي بن أبي طالب،ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد رضي الله عنه.وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج (ج16، ص50):قال أبو الفرج: دفن الحسن عليه السلام فيقبر فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليهوآله وسلّم في البقيع. وقال عليه السلام:ادفنوني إلى جنب أمي، فدفن إلى جنب فاطمةعليها السلام. وفي سير الأئمة لهاشم معروفالحسني (ج1، ص628): ولما اشتد الأمر بينالفريقين عدل به الإمام أبو عبد اللهالحسين عليه السلام إلى البقيع ودفنه إلىجانب أمه فاطمة الزهراء عليها السلام.أقول: بعد اللتيا والتي فليعلم أنه لا يعلمبموضع قبرها إلا الله والراسخون في العلم،لأنها سر الله الأكبر وعصمته الكبرى وإنهاليلة القدر المجهول قدرها والمخفي قبرها ـولم يزل كذلك إلى أن قام القائم من ولدهاعليه السلام ـ تظلماً لما وقع عليها منالظلم، وإزراء للأمة السوء التي تركتنصرتها.
(1). الإمامة والسياسة: ج1، ص19 ـ20.
(2). هو أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهريصاحب كتاب (فدك) و(السقيفة).
(3). شرح النهج: ج6، ص50.
(4). صحيح البخاري: ج4، ص96.
(5). المصدر، ج5، ص177.
(6). لسان الميزان: ج1، ص268. والرفس: الصدمةبالرجل في الصدر.
(7). الملل والنحل: ج1، ص57.
(8). أنساب الأشراف: ج1، ص586.
(9). العقد الفريد: ج5، ص13.
(10). الوافي بالوفيات: ج5، ص347.
(11). الكنى والألقاب: ج3، ص219.
(12). تاريخ أبو الفداء: ج1، ص164.
(13). تاريخ الطبري: ج3، ص202.
(14). أعلام النساء: ج4، ص114.
(15). دلائل الصدق: ج3، ص92، والشاعر هو حافظإبراهيم في ديوانه ج1، ص82، ط دار الكتبالمصرية.
(16). بائية ابن أبي الحديد من قصائده السبعالعلويات.
(17). نهج الحق وكشف الصدق: ص271، ط بيروت.وراجع أيضاً (تاريخ اليعقوبي) ج2، ص105،و(تاريخ ابن شحنة) بهامش (الكامل) ج7، ص164.
(18). إثبات الوصية: ص123.
(19). قرة العين: ط بيشاور، ص78.
(20). شرح النهج: ج16، ص274.
(21). السيرة الحلبية: ج3، ص362.
(22). وفاة الصديقة الزهراء: ص78.
(23). لسان الميزان: ج4، ص189.
(24). تلخيص الشافي: ج3، ص76، و(البحار) ج28،ص390.
(25). البحار: ج53، ص18 ـ19.
(26). مرآة العقول: ج5، ص320.
(27). البحار: ج8، ص240 ـ241، ط الكمباني.
(28). الصوارم الحاسمة في تاريخ أحوالاتالزهراء فاطمة: للعلامة محمد الرضا بن أبيالقاسم بن فتح الله بن نجم الدين الحسينيالكمالي الاستر آبادي، مخطوط، على ما في(نوائب الدهور) ج3، ص157، للعالم الجليلالمير جهاني، ط مكتبة الصدر بطهران.
(29). نوائب الدهور: للعلامة السيد الميرجهاني، ص194 و192.
(30). نوائب الدهور: للعلامة السيد الميرجهاني، ص194 و192.
(31). أي لابسين رداء الفخر.
(32). البحار: ج43، ص174 ـ180.
(33). الغدير: ج3، ص103 ـ104.
(34). الجذل، بالكسر والفتح: أصل الشجرة،والعود الذي ينصب للإبل الجربى لتحتك بهفتستشفى به، فالقول مثل يضرب لمن يستشفىبرأيه ويعتمد عليه، والتصغير للتعظيم.وكذلك عذيقها المرجب. والعذق: النخلةبحملها، والترجيب أن تدعم الشجرة إذا كثرحملها لئلا تنكسر أغصانها.
(35). الغدير: ج7، ص75 ـ78.
(36). الشورى، 23.
(37). هذه الأبيات أنشدها أمير المؤمنينعليه السلام بعد دفن فاطمة عليها السلامكما في بعض الروايات. والشاهد أن رسول اللهصلّى الله عليه وآله أخبر ابنته بسرعةاللحاق به ـ كما في الروايات ـ فلم يصحعنها قولها: (أبكي مخافة أن تطول حياتي).
(38). علم اليقين في أصول الدين، تأليفالمولى محسن الكاشاني (ره) ص686 ـ688، الفصل 20.
(39). كتاب سليم بن قيس الكوفي: ص134.
(40). يعني ابن معاذ وهو غير سعد، لأنه توفىفي حياة النبي صلّى الله عليه وآله.
(41). في بعض النسخ (لأنازعنك الفصيح حتىأرد) وهكذا في البحار، وقال العلامةالمجلسي رحمه الله، أي لأنازعنك بما يفصحعن المراد، أي بكلمة من رأسي، فإن محلالكلام في الرأس، أو المراد بالفصيحاللسان؟
(42). نقفت: على بناء المجهول أي كسر من لطمعمر.
(43). نقله المجلسي في المجلد الثامن منالبحار، ص103 من (الاختصاص).
(44). أجاف الباب: رده.
(45). لبب فلاناً: أخذه بتلبيبنه وجره.
(46). الأرملة: المرأة التي ليس لها زوج.ورملت المرأة من زوجها: صارت أرملة، ولميذكر في اللغة أرمل ورمل متعدياً، وفي بعضالنسخ: (تريدان أن تزيلاني من زوجي).
(47). أي أخرج سيفه.
(48). الاختصاص: للشيخ المفيد (ره)، ص184 ـ187، طمكتبة الصدوق.
(49). عوالم المعارف: ج11، ص284.
(50). المصدر، 289.
(51). أي في الدنيا، فإنها دار فراق، وأما فيالآخرة فأتباعه والشيعة مجتمعون حوله فيالجنة فضلاً عن أهله وذراريه.
(52). كذا، والصواب: العشية.
(53). قال ابن أبي الحديد: الوديعة والرهينةعبارة عن فاطمة... كأنها عليها السلام كانتعنده عوضاً من رؤية رسول الله صلّى اللهعليه وآله كما تكون الرهينة عوضاً عنالأمر الذي أخذت رهينة عليه. (شرح النهج،ج10، ص269).
(54). قال الشارح العلامة الخوئي (ره): إنالتظافر بمادته التي هي الظفر وهو الفوزعلى المطلوب يدل على أن هضمها كان مطلوباًلهم، لكنهم لم يكونوا متمكنين من الفوز بهمادام كونه صلّى الله عليه وآله حياً بينأظهرهم، فلما وجدوا العرصة خالية من وجودهالشريف فازوا به.وإن كان مأخوذاً من أظفرالصقر الطائر من باب افتعل (كذا)، وتظافرأي أعلق عليه ظفره وأخذه برأسه، فيدل علىأنهم علقوا أظفارهم على هضمها قاصدين بذلكقتلها وإهلاكها. (ج13، ص14).
(55). (المجالس السنية في مناقب ومصائبالعترة النبوية) تأليف السيد محسن الأمين،المجلد الثاني، ص123 ـ126.
(56). وغر صدره على فلان: توقد عليه من الغيظ.والواجفة: المضطربة.
(57). من الشوك، أي كانت البصائر والنياتغير خالصة مما يختلج بالبال من الشكوكوالشبهات. (منه ره).
(58). لا غرابة في صدور هذه التعبيرات عنه،لأنه قد أثر من الرجل ما هو أشد وأغلظ منذلك في حياة النبي صلّى الله عليه وآله،ولنذكر ما استطرفناه من كتاب الوصية منكتاب (تذكرة الفقهاء) ج2، ص469 ـ470 في ذلك. قالالعلامة الحلي (ره): مسألة: (لو أوصى لأعقلالناس في البلد... ولو قال لأجهل الناس، قالبعض الشافعية يصرف إلى من يسب الصحابة...)ثم قال بعد تفنيد قولهم: (وكان عمر بنالخطاب عندهم ثاني الخلفاء... قد سب رسولالله صلّى الله عليه وآله في مرضه الذيتوفي فيه، حيث قال رسول الله صلّى اللهعليه وآله: ايتوني بدواة وكتف لأكتب فيهكتاباً لن تضلوا بعده أبداً. فقال عمر: إنالرجل ليهجر، حسبنا كتاب الله. فأعرضالنبي صلّى الله عليه وآله مغضباً... وقاليوماً: إن رسول الله شجرة نبتت في كبا ـ أيفي مزبلةـ، وعنى بذلك رذالة أهله، فسمعهرسول الله صلّى الله عليه وآله ذلك، فاشتدغيظه، ثم نادى: الصلاة جامعة فحضرالمسلمون بأسرهم، فصعد رسول الله صلّىالله عليه وآله المنبر، ثم حمد الله وأثنىعليه وقال: يا أيها الناس ليقم كل منكمينتسب إلى أبيه حتى أعرف نسبه. فقام إليهشخص من الجماعة وقال: يا رسول الله أنافلان بن فلان بن فلان... فقال صدقت، ثم قامآخر فقال: يا رسول الله أنا فلان بن فلان،فقال: لست لفلان وإنما أنت لفلان وانتحلكفلان بن فلان، فقعد خجلاً، ثم لم يقم أحد،فأمرهم بالقيام والانتساب مرة واثنتينفلم يقم أحد، فقال: أين الساب لأهل بيتي؟ليقم إلي وينتسب إلى أبيه. فقام عمر وقال:يا رسول الله اعف عنا عفا الله عنك، اغفرلنا غفر الله لك، احلم عنا حلم الله عنك...أقول: خبر الدواة مشهور مستفيض منالطريقين، أورد مصادره هنا لزيادةالبصيرة فراجع: صحيح البخاري، ط محمد عليصبيح وأولاده، ج1، ص39، باب كتابة العلم،وج4 ص85، باب هل يستشفع إلى أهل الذمة، وص121،باب إخراج اليهود من جزيرة العرب، وج6، ص11،باب كتاب النبي صلّى الله عليه وآله إلىكسرى وقيصر، وج7، ص156، باب قول المريض:قوموا عني، وج9، ص137، باب كراهية الخلاف.وصحيح مسلم، ج5، ص75، ط دار الفكر بيروت،باب ترك الوصية لمن ليس له شيء. ومسندأحمد، ج3، ص346، ط دار إرصاد بيروت، وقد جاءتالرواية بعبارات شتى: (فقالوا: هجر رسولالله...) (وماله أهجر...) (وما شأنه أهجر...)فيعلم من ذلك كله أن نسبة الهجر إلى النبيصلّى الله عليه وآله ثابتة إلا أنهمبدلوا، أو أضافوا كلمة (الوجع) تهذيباًللعبارة ووقاية لشأن الخليفة، ولكن هيهات!وما يصلح العطار ما أفسد الدهر.
(59). الطمطماني، بالضم: في لسانه عجمة. (منهره).
(60). سورة آل عمران: الآية 96.
(61). البقرة: الآية 144.
(62). حديث غصب الخلافة والاستبداد بها دونأهلها مما لا يشك فيه اللبيب، وقد روىالبلاذري قال: لما قتل الحسين، كتب عبدالله بن عمر إلى يزيد بن معاوية: أما بعدفقد عظمت الرزية وجلت المصيبة وحدث فيالإسلام حدث عظيم، ولا يوم كيوم قتلالحسين. فكتب إليه يزيد: أما بعد، يا أحمقفإنا جئنا إلى بيوت مجددة وفرش ممهدةووسائد منضدة، فقاتلنا عنها، فإن يكن الحقلنا، فعن حقنا قاتلنا، وإن كان الحقلغيرنا فأبوك أول من سن هذا، واستأثربالحق على أهله. (نهج الحق وكشف الصدقللعلامة (ره) ص356، ط بيروت).
(63). قال العلامة الأميني (ره) عند نقل خبرضرب عمر النساء عند بكائهن على الميت من آلرسول الله صلّى الله عليه وآله:... غير أنيلا أعلم أن الصديقة الفاطمة التي كانت منالباكيات في ذلك اليوم هل كانت بين تلكمالنسوة المضروبات أم لا؟ وعلى أي فقد جلستإلى أبيها وهي باكية. (الغدير، ج6، ص160).
(64). سورة الإسراء: الآية 6.
(65). قال الجوهري: فلان واسع العطن والبلد،إذا كان رحب الذراع. (منه ره).
(66). والأبيات ذكره في المصدر، فراجع.
(67). يعني الخارجي.
(68). البحار: ج8، ص229 ـ233، ط الكمباني.
(69). شرح النهج: ج14، ص193.
(70). مستدرك الوسائل: ج1، ص13.
(71). مستدرك الوسائل: ج1، ص13.
(72). أهل البيت: توفيق أبو علم، ص167.
(73). المصدر، ص165 و163.
(74). المصدر، ص165 و163.
(75). أي الممتلئ غيظاً.
(76). هذا على قراءة (وإذا المودة سئلت).
(77). إشارة إلى الآيتين 42 و43 من سورة آلعمران.