الروم والترك في أشدّ المصائب والهموم،وكان يبكي ويقول:
كان زين العابدين (عليه السلام) أعبد أهلزمانه وأزهدهم زهداً; نهاره صائم، وليلهقائم، ولقد سئلت عنه مولاة له، فقالت: أطنبأو أختصر؟ فقيل: اختصري. قالت: ما فرشت لهليلا، ولا أتيت له بطعام نهاراً قط، وكانيصلّي في الليل ألف ركعة عند كلّ نخلة لهركعتان، وكانت الريح تميله مثل السّنبلة،وقيامه في صلاته قيام العبد الذليل بينيدي الملك الجليل; ترتعد أعضاؤه من خشيةالله، وكان يصلّي صلاة مودع، يرى نفسهأنّه لا يصلّي بعدها أبداً، وإذا توضّألصلاته يصفرّ لونه وترتعد فرائصه، فقيل لهفي ذلك، فقال: أتدرون من أتأهّب للقيام بينيديه؟
قال الباقر (عليه السلام): لقد بلغ أبي زينالعابدين (عليه السلام) في العبادة ما لميبلغه أحد، دخلت عليه يوماً فرأيته قداصفرّ لونه من السهر، ورمضت عيناه أياحترقت عيناه من البكاء، ودبرت جبهته منالسّجود، وتورّمت قدماه من القيام فيالصلاة، فلم أملك نفسي حين رأيته بتلكالحالة، فبكيت له رحمة له، وإذا هويتفكّر، فالتفت إلى بعد هنيئة فقال: يابنيّ! أعطني بعض تلك الصحف التي فيها عبادةعليّ، فأعطيته، فقرأها يسيراً، ثمّ تركهامن يديه متضجّراً وقال: من يقدر على عبادةعليّ بن أبي طالب.