الباحث المتخصص ، تعلن بصراحة عن تزيف وتحريف تناول ـ بجرأة عجيبة ـ الكثير من أحاديث الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وأقوال الصحابة الناصحين، فأخذ يعمل فيها هدماً وتشويهاً.
ولعل حادثة الغديرـ بما لها من قدسية عظيمة ـ كانت مرتعاً خصباً لذوي النفوس العقيمة، خضعت ـ وهذا لا يخفى ـ لأكبر عملية تزوير ـ قديماً وحديثاً ـ أرادت وبأي شكل كان أن تفرغ هذا الامر السماوي من مصداقيته ومن محتواه الحقيقي، وتحمله ـ مداً وجزراً ـ بين التكذيب الفاضح، والتأويل المستهجن، فكانت تلك السنوات العجاف بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ وإلى يومنا هذا ـ حافلة بهذه التناقضات، ومليئة بتلك المفارقات.
ولعل أم المصائب أن يأتي بعد أولئك القدماء جيل من الكتاب المعاصرين يأخذ ما وجده ـ رغم تناقضاته ومخالفته للعقل والمنطق ـ ويرسله إرسال المسلمات دون تمعن وبحث ، وكأن هذا الامر ما كان أمراً سماوياً وحتماً إلهياً ، بل حالهم كأنه حال من حكى الله تعالى عنهم في كتابه العزيز حيث قال : ( قالوا إنّا وَجَدنا آباءَنا على اُمّةٍ وإنّا على آثارهم مُهتدونَ)(1).
فالجناية الكبرى التي كانت تستهدف الامام علي عليه السلام ما كانت وليدة اليوم ولا الأمس القريب ، بقدر ما كان لها من الامتداد العميق الضارب في جذور التأريخ، والذي كان متزامناً مع انبثاق نور الرسالة السماوية، حيث توافقت ضمائر المفسدين ـ وإن اختلفت مرتكزاتها ـ لجر الديانة الاسلامية السمحاء إلى حيث ما آلت إليه الاديان السماوية السابقة من انحراف خطير وتشويه رهيب .
لأن من السذاجة بمكان أن تؤخذ كل جناية من هذه الجنايات على حدة، وتناقش بمعزل عن غيرها، وعن الصراع الدائم بين الخير والشر، وبين النور والظلام، وإلا فكيف يمكن للمرء أن يتصور أن الحبل يلقى على غاربه للمصلحين والمخلصين
(1) الزخرف 43: 22.