بیان فی حکم التغنی بالقرآن

بشار عواد معروف

نسخه متنی -صفحه : 10/ 4
نمايش فراداده

والاستحلاء، كما يستلذ أهل الطرب بالغناء، فأطلق عليه تغنيًا من حيث أنه يفع عنده ما يفعل عند الغناء، كما سيأتي مفصلاً وتفسير سفيان بن عيينة ومن تابعه مردود من عدة وجوه نذكر منها ما يتيسر: 1- إنّ مسلم بن الحجاج أخرج في صحيحه هذا الحديث بلفظ آخر صَرّح فيه بحسن الصوت، فقال: حدثني بشر بن الحكم، قال: حدثنا عبدالعزيز بن محمد، قال: حدثنا يزيد وهو ابن العاد، عن محمد بن إبراهيم (التيمي) عن أبي سلمة، عن أبي هريرة أنه سمع رسول /72/ الله * يقول: « ما أذن الله لشيء ما أذِنَ لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به »^(^^). 2- وروى عبدالأعلى، عن معمر، عن الزهري في حديث الباب بلفظ: « ما أذن لنبي في الترنم في القرآن » أخرجه الطبري. وعنده في روياة عبدالرزاق عن معمر، عن الزهري: « ما أذِنَ لنبي حسن الصوت » -أي كما أوردناه من صحيح مسلم. ووقع عند ابن أبي داود والطحاوي من رواية عمرو بن دينار، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة: « حسن الترنم بالقرآن »^(^^). قال الطبري: ومعقول عند ذي الحجا أن الترنم لا يكون إلا بالصوت إذا حَسَّنه المترنُم وطَرَّبَ به^(^^). 3- وأخرجه البخاري^(^^) هذا الحديث في موضع آخر، ومسلم^(^^)، من حديث أبي سلمة، عن أبي هريرة أنه سمع النبي * يقول: « ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت بالقرآن يجهر به ». وأخرج البخاري^(^^) في موضع آخر من صحيحه من طريق الليث، عن عُقيل، عن الزهري، عن أبي سلمة، عبارة « يجهر به » /73/ خارجة عن قول النبي *، فقال إثر روايته الحديث: « وقال صاحب لـه: يُريد يجهر به ». قال الحافظ ابن حجر: فإنها إن كانت مرفوعة قامت الحجة، وإن كانت غير مرفوعة فالراوي أعرف بمعنى الخبر من غيره لاسيما إذا كان فقيهًا. وقد جزم الحليمي أنها من قول أبي هريرة، والعرب تقول: سمعت فلانًا يتغنى بكذا أي يجهر به، ومنه قول ذي الرمة: أحب المكان القفر من أجل أنني به أتغنى باسمها غير معجم أي أجهر ولا أكني^(^^). وقال الطبري: وهذا الحديث من أبين البيان أن ذلك كما قلنا، ولو كان كما قال ابن عيينة -يعني: يستغني به عن غيره- لم يكن لذكر حسن الصوت والجهر به معنى. والمعروف في كلام العرب أن التغني إنما هو الغناء الذي هو حسن الصوت بالترجيع، قال الشاعر^(^^): تَغَنَّ بالشعر إما كُنتَ قائلَهُ إن الغِناء لهذا الشعر مِضْمار^(^^) 4- وسُئِل الشافعي -رحمه الله- عن تأويل ابن عيينة، فقال: نحن أعلم بهذا، لو أراد به الاستغناء، لقال: لم يستغن بالقرآن، ولكن لما قال: يتغنى بالقرآن، علمنا أنه أراد به التغني^(^^). /74/. 5- وقال عمر بن شيبة: ذكر لأبي عاصم النبيل -الضحاك بن مَخْلد- تأويل ابن عُيينة، فقال: لم يصنع ابن عيينة شيئًا^(^^). 6- وممن أنكر تفسير يتغنى بيستغني أيضًا الإسماعيلي، فقال: الاستغناء به لا يحتاج إلا استماع لأن الاستماع أمر خاص زائد على الاكتفاء به. وأيضًا: فالاكتفاء به عن غيره أمر واجب على الجميع، ومن لم يفعل ذلك خرج عن الطاعة. ثم ساق الإسماعيلي من وجه آخر عن ابن عيينة قال: « يقولون إذا رفع صوته فقد تغنى »^(^^). 7- قال الطبري: وأما ادعاء الزاعم أن تغنيت بمعنى استغنيت فاش في كلام العرب فلم نعلم أحدًا قال به من أهل العلم بكلام العرب. وأما احتجاجه لتصحيح قولـه بقول الأعشى: وكنت امرءًا زمنا بالعراق عفيف المناخ طويل التَّغَنْ وزعم أنه أراد بقولـه: طويل التغني: طويل الاستغناء، فإنه غلط منه وإنما عنى الأعشى بالتغني في هذا الموضع: الإقامة، من قول العرب: غني فلان بمكان كذا: إذا أقام به، ومنه قولـه تعالى: * كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا*^ ^(^^)، واستشهاده بقول الآخر: كَلانا غَني عن أخيه حياته ونحن إذا متنا أشد تغانيا فإنه إغفال منه؛ وذلك لأن التغاني تفاعل من تَغنَّى: إذا استغنى /75/ كل واحد منهما عن صاحبه، كما يقال: تضارب الرجلان، إذا ضرب كل واحد منهما صاحبه، وتشاتما، وتقاتلا. ومَن قال: هذا فعل اثنين لم يجز أن يقول مثله في فعل الواحد، فيقول: تغانى زيد، وتضارب عمرو، وذلك غير جائز أن يقول: تغنى زيد بمعنى استغنى، إلا أن يريد به قائله أنه أظهر الاستغناء، وهو غير مستغن، كما يقال: تجلَّد فلان: إذا أظهر جَلَدًا من نفسه وهو غير جليد، وتشجَّعَ، وتَكَرَّم؛ فإن وَجّه موجَّه التغني بالقرآن على هذا المعنى على بُعده من مفهوم كلام العرب، كانت المصيبة في خطئه في ذلك أعظم، لأنه يُوجب على من تأوله أن يكون الله تعالى