براءة آدم حقیقیة قرآنیة

السید جعفر مرتضی العاملی

نسخه متنی -صفحه : 115/ 74
نمايش فراداده

وكما يشير إليه تنوين التنكير الذي جيء به ـ في ما يظهر ـ لإفادة التعظيم.

بالإضافة إلى كونها آتية إليه من جانب العزة الإلهية، والفيض الربوبي، الذي ينتظره، وهو في أمس الحاجة إليه، بعد أن حدث له ما حدث..

3 ـ عظمة الكلمات التي تلقاها آدم عليه السلام:

ثم جاءت التوبة عليه بعد تلقيه تلك الكلمات مباشرة، كما ألمح إليه التعبير بالفاء في قوله: {فَتَابَ عَلَيْهِ}، مما يعني أن هذا التلقي الكريم لتلك الكلمات، ووضعها في موقعها اللائق بها، وإدراك النبي آدم لمعانيها قد نتج عنه أن أصبح النبي آدم مؤهلاً للتوبة عليه، ولتلقي الرحمات الإلهية..

ولعل هذا التلقي للكلمات هو الذي نتج عنه الإجتباء، أو هو نفسه الإجتباء، أو ملازم له.. فإن الآية قد جعلت توبة الله على النبي آدم نتيجة للإجتباء تارة، ولتلقي الكلمات أخرى.. مما يعني أنهما أمران متلازمان على أقل تقدير، فإن الإجتباء مستلزم لرفع مستوى النبي آدم، وتقريبه إليه سبحانه، وجمعه شتاته، واصطفائه، وهذا ملازم لمزيد من الرقي في الوعي والرسوخ في الإيمان، وغير ذلك له عليه السلام..

ووعي تلك الكلمات هو الذي يجسد ذلك الرقي الذي ينتج عنه عودة الله سبحانه على آدم عليه السلام بلطفه وعونه ورعايته، ولهذا فإن الله لم يقل: دعا آدم ربه، فتاب عليه، بل قال: إن نفس تلقي النبي آدم للكلمات استتبع عود الله عليه..

الكلمات ليست مجرد قراءة دعاء:

وإن عظمة هذه الكلمات، ثم تفريع التوبة على تلقيها يشير إلى أن دورها في حياة آدم عليه السلام، من حيث كونها "كلمات"، تدخل في دائرة التلفظ المستتبع للتوبة.

وذلك يشير إلى أنها كانت مادة أساسية ومحورية في دعائه عليه السلام.. فهي إذن ليست مجرد قراءة دعاء، حتى لو كان هذا الدعاء هو:

«لا إله إلا أنت سبحانك اللهم وبحمدك، عملت سوءاً، وظلمت نفسي، فاغفر لي، وأنت خير الغافرين.

لا إله إلا أنت سبحانك اللهم وبحمدك، عملت سوءاً، وظلمت نفسي، فارحمني، وأنت خير الراحمين.

لا إله إلا أنت سبحانك اللهم وبحمدك، عملت سوءاً، وظلمت نفسي، فاغفر لي، وتب علي، إنك أنت التواب الرحيم»[55].

لا، ليس المقصود بها خصوص هذا الدعاء، بل هي كلمات أخرى تحتاج إلى تعليم..

وهي كلمات لها شرف ومقام كريم عند الله، تحتاج إلى استعداد وتهيؤ لاستقبالها ولتلقيها.