مفيدة ، بل الفائدة موجودة فيها قطعاً ، وإنما النظر هنا إلى كونها ينطبق عليها مصطلح البيان، أو لا ينطبق . فمن الأمثلة التي ينطبق عليها ضابط البيان ، تفسير قوله تعالى : {وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا} [النبأ : 14] ، فإن لا يمكن أن تفهم المعنى على تمامه إذا لم تعلم معنى {المعصرات} ومعنى {ثجاجا} ، فإذا علمت أن {المعصرات} هي السحاب ، وأن {ماء ثجاجا} هو الماء المنصب بكثرة وغزارة ، أتضح لك المعنى العام للآية ، وصار بيانها : وأنزلنا من السحاب ماء منصباً بكثرة وغزارة ، وهو المطر . ومن الأمثلة التي لا ينطبق عليها ضابط البيان ، تفسير قوله تعالى : {ولم يكن له كفواً أحد} [الإخلاص : 4] ، قال الطاهر بن عاشور : "وتقديم خبر (كان) على أسمها ؛ للرعاية على الفاصلة ، وللاهتمام بذكر الكفؤ عقب الفعل المنفي ، ليكون أسبق إلى السمع" . ذكر الطاهر بن عاشرو فائدتين من تقديم خبر كان ، وهاتان الفائدتان من علوم التفسير، لا من صلبه ؛ لأنك لو لم تعلمهما ، فإنه لا يخفى عليك المعنى المراد بالآية ، وهو التفسير ، وإن كان في ذكرهما فائدة . وقس على هذا كثيراً من مسائل النحو ، والفقه ، والبلاغة ، وغيرها مما يتفنن بذكره من ألف في التفسير ، فإنه إنما زادت المؤلفات وتنوعت بسبب الاهتمام بعلوم التفسير ، لا بصلبه ، ولو اعتنى المفسرون بصلبه فقط ، لتقاربت مناهجهم ، وإنما تمايزت بسبب إدخالهم هذه العلوم التي قد تبعد طالب التفسير عنه ، بل قد تزهده بصلبه ، وهو لا يدري أنه هو المراد الأول ، والمطلب الأمثل لدارس التفسير ، وأن هذه الفوائد إنما تبنى على صحة التفسير ، فإذا كان الفهم خطأ ، كانت الفوائد المترتبة عليه أخطاء كذلك ، فلا تغفل عن هذا المعنى ، وتأمله ، وقلبه في فكرك لتتبين صحته من خطئه ، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل .
التفسير : إما أن يكون مجمعاً عليه ، وإما أن يكون مختلفاً فيه . وإما أن يكون متعلقاً بتفسير الألفاظ ، وإما أن يكون متعلقاً بالمعاني .
إما أن يرجع إلى معنى ، وإما أن يرجع إلى أكثر من معنى ، وهذا ما سأذكر تفصيله . أولاً : الاختلاف الذي يرجع إلى معنى واحد : يرد في هذا القسم ثلاثة أنواع من الاختلاف ، وهي :
أن يذكر من الأسم العام أمثلة له ، فتكون كلها عائدة إلى معنى واحد ، وهو المعنى العام ، ومن أمثلته : تفسير قوله تعالى : {علمت نفس ما قدمت وأخرت} [الإنفطار : 5] ، وقوله تعالى : {وشاهد ومشهود} [البروج : 3] ، وقوله تعالى : {النجم الثاقب} [الطارق: 3] ، وقوله تعالى : {والذي قدر فهدى} [الأعلى : 3] ، وقوله تعالى : {فإذا فرغت فأنصب} [الشرح : 7] ، وغيرها .
أن يفسر اللفظ بألفاظ متقاربة ، وكلها تعود إلى معنى واحد ، ومن أمثلته: تفسير قوله تعالى : {واليل وما وسق} [الانشقاق : 17] ، وقوله تعالى : {والقمر إذا أنسق} [الانشقاق : 18] ، وغيرها .
أن يحتمل المفسر أكثر من وصف ، فيذكر كل مفسر وصفاً من هذه الأوصاف ، كلها تعود إلى معنى واحد ، مثل تفسير قوله تعالى : {عن النبإ العظيم} [النبأ :2] ، وتفسر قوله تعالى : {وكأساً دهاقا} [النبأ : 34] ، وقوله تعالى : {والتين والزيتون} [التين :1] وغيرها . وهذا الأنواع كلها تدخل في اختلاف التنوع ؛ لأن الآية يمكن أن يتحمل على جميع المعاني الصحيحة الواردة فيها بلا تعارض ولا تناقص وإن قدم أحدها في الترجيح ، فعلى سبيل اختيار القول الأولى ، دون اطراحِ غيرها من الأقوال ، والله أعلم . ثانياً : الاختلاف الذي يرجع إلى أكثر من معنى :
وهذا الاختلاف نوعان ، وذلك بحسب احتمال الآية له .
أن تحتمل الآية الأقوال الواردة فيها ويدخل بذلك في اختلاف التنوع ، ومن أمثلته : تفسير قوله تعالى : {لتركبن طبقاً عن طبق} [الانشقاق : 19] ، وقوله تعالى : {ثم السبيل يسرم} [عبس : 20] ، وغيرها . ويكثر في هذا النوع ما يرد من أوصاف تحتمل أكثر من موصوف ، فيحملها المفسر على أحد هذه الموصوفات ، ويحملها غيره على موصوف آخر ، ومن أمثلته : تفسير قوله تعالى : {يوم يقوم الروح} [النبأ : 38] ، وقوله تعالى : {والنازعات} [النازعات : 1] ، وما بعدها من الأوصاف ، وقوله تعالى : {فلا أقسم بالخنس} [التكوير : 15] ، وغيرها .
أن لا تحتمل الآية الأقوال الواردة فيها ، وذلك بسبب التضاد ، وهو أنك