الحمد لله الرحمن ، علم بالقلم ، علم البيان ، علم الإنسان ما لم يعلم ، أنزل خير كتبه عربياً ، على النبي الأمي العربي خير أنبيائه ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين . أما بعد ، فإن علم التفسير من أشرف العلوم ؛ لأنه يتعلق ببيان كلام رب السموات والأرض ، الذي هو أشرف كلام ، وأعلاه وأجله ، وقد أردت أن أنخرط في سلك من ألف في هذا العلم ، وأحوز شرف بيان كلام الرب ، وأسأل الله سبحانه أن يكون هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم ، وأن يكون من الخير المقدم بين يدي يوم ألقاه ، وأن يكون شافعاً لي يوم العرض الأكبر . وسيكون مجال هذا التأليف في الجزء الأخير من أجزاء القرآن ؛ لكثرة تزداده بين المسلمين في الصلوات وغيرها . ولم أدخل فيه العلوم التي يتطرق إليها المفسرون ، ويتوسعون بذكرها ، كعلم النحو ، وعلم البلاغة ، وعلم الفقه ، وغيرها . كما لم أدخل فيه الفوائد والاستنباطات التي هي خارجة عن حد التفسير ، وبها تتمايز كتب التفسير في المنهج ، وتطول أو تقصر بسببها . وسلكتُ في بيان هذا الجزء وتفسيره طريق المتن والحاشية . أما المتن ، فجعلته في صلب التفسير ، وجعلته - قدر المستطاع - واضح المعنى ، سهل العبارة ، مع الحرص على بيان مفردات القرآن اللغوية في ثناياه . وأما الحاشية ، فجعلتها للاختلاف الوارد في التفسير عن السلف ، ولتوجيه أقوالهم ، وبيان سبب الاختلاف ، وذكر الراجح من الأقوال ، كل ذلك قدر الإمكان ، والله المستعان. ولا تخلو الحاشية من بعض الفوائد الأخرى ، لكنها لما لم تكن هي المقصد في هذا التأليف، فإنها جاءت قليلة ، وليس لها نظام ، وإنما هي مما يطرأ خلال البحث ، أو يجر إليه . وقد اعتمدت في الوارد عن السلف في التفسير ، على تفسير الإمام ابن جرير الطبري (ت : 310) ، وإن نقلت عن غيره أفصحت عن ذلك ، وإن كان موطن التفسير في الآية من السورة المفسرة ، لم أذكر الجزء ولا الصفحة ؛ لسهولة الرجوع إليها ، وإن كان في غير موطن الآية ذكرتهما . كما حرصت على نقل ترجيحاته وتعليقاته على أقوال المفسرين ، لما فيها من الفوائد في قواعد الترجيح وضوابطها ، وبيان المفردات اللغوية وشواهدها ، وغير ذلك مما لا يخفى على من قرأ ترجيحاته وتعليقاته التفسيرية . ورجعت إلى بعض التفاسير ، ولم أكثر ، لعدم حاجة المنهج الذي سلكته في هذا التفسير، فرجعت إلى دقائق التفسير الجامع لتفسير الإمام ابن تيمية (ت : 728) ، وتفسير ابن القيم (ت:751) في كتابه التباين في أقسام القرآن ، وغيرها من كتبه ، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (ت:774) ، والتحرير والتنوير للطاهر بن عاشور (ت:1393) . وقبل أن أشرع في التفسير ، سأذكر بعض ما يسمر في هذا البحث من المسائل المتعلقة بالتفسير وأصوله ، والله المستعان .
المسألة الأولى : مفهوم التفسير
التفسير في اللغة :
الإيضاح والكشف والبيان ، ومنه : فسر عن ذراعه : إذا كشفها. أما في الاصطلاح ، فله عدة تعاريف عند العلماء ، وكثير منها يدخل فيه بعض علوم القرآن على سبيل الوصف لهذا العلم ، لا بيان الحد المطابق الذي قد يتعذر في تعريف بعض العلوم ، فيكون التعريف بالوصف أوضح لها . وبعيداً عن هذه التعاريف والنظر في اختلافها ، أذهب بك إلى محاولة لوضع ضابط لما يخص هذا العلم من المعلومات التي تجدها في كتب التفسير ، ويكون ما وراء هذا الضابط من متممات التفسير وعلومه ، لا من صلبه وأصله . إذا انطلقت من التعريف اللغوي الذي هو البيان ، وعرف التفسير بأنه : بيان القرآن الكريم وإيضاح معانيه ، فإن الضابط فيما يدخل في صلب التفسير هو البيان ؛ أي : ما كان فيه بيان عن المعنى المراد بالآية ، فهو من صلب التفسير ، وما كان خارجاً عن حد البيان ، بحيث يفهم المعنى من دونه ، فهو من متممات التفسير وعلومه ، لا من صلبه واصله ، إذ المقصود من التفسير فهم معاني القرآن ، فإذا حصل هذا الفهم وصح ، صحت الفوائد المستنبطة عليه غالباً ، وإذا كان الفهم غير صحيح ، كانت الفوائد المستنبطة والمترتبة عليه غير صحيحة . وهذه العلوم التي ترد في كتب التفسير ، وهي خارجه عن حد البيان ، لا يعني أنها غير