المسألة الثالثة : طبقات السف في التفسير
فسر السلف القرآن باجتهادهم ، وكان ممن خاض فيه : الصحابة والتابعون وأتباع التابعين . وهؤلاء هم الذين نقلت أقوالهم الكتب التي تحرص على التفسير المأثور عنهم . وقل أن تجد بعد هذه الطبقات من اشتهر برأيه في التفسير ، بل صار الحال على نقل أقوالهم ، ولا يعرف من كان له اجتهاد بارز فيمن تأخر عنهم كاجتهاد ابن جرير الطبري (ت:310) ، فقد كان يتخير من أقوالهم ، وينقد بعضها بأسلوب علمي متين ، ويسير في ذلك على قواعد واضحة ، حتى برزت فيه شخصية المفسر المرجح ، أو المفسد الناقد ؟ وقد برز في جيل الصحابة حبر الأمة وترجمان القرآن : عبد الله بن العباس بن عبد المطلب (ت :65) ، وكان بحق رائد التفسير ، وأستاذه الذي لا يجاريه فيه أحد . وبرز بعده تلاميذه ؛ كسعيد بن جُبير (ت : 94) ومجاهد بن جبر (ت:104) ، وعكرمة (ت : 105) ، وعطاء بن أبي رباح (ت : 114) ، وغيرهم . وبرز فيه من أهل البصرة : أبو العالية رفيع بن مهران الرياحي (ت : 93) الذي أخذ عن أهل المدينة وعن ابن عباس، فكانت مشاربه العلمية مختلفة ، والحسن البصري (ت : 110)، وتلميذه قتادة بن دعامة السدوسي (ت : 117) . وبرز في المدينة : محمد بن كعب القرظي ( ت : 118) ، وزيد بن أسلم (ت : 136) . وبرز في الكوفة : أبو صال باذام ، مولى أم هائ ، وإبراهيم النخعي (ت : 96) ، وعامر الشعبي (ت : 103) ، وأبي مالك غزوان الغفاري . وبرز في الكوفة : أبو صالح باذام ، مولى أم هانئ ، وإبراهيم النخعي (ت: 96) ، وعامر الشعبي (ت : 103) ، وأبي مالك غزوان الغفاري . وفي جيل أتباع التابعين ، برز في مكة : عبد الملك بن جريج (ت : 150) ، وسفيان الثوري (ت : 161) الذي كان منشأ حياته في الكوفة ، ثم سكن مكة والمدينة ، وسفيان بن عيينة (ت : 195) الكوفي الذي استوطن مكة . وبرز في المدينة عبد الرحمن بن زيد بن اسلم (ت : 182) . وبز في الكوفة : إسماعيل بن عبد الرحمن السدي (ت : 128) ، ومحمد بن السائب الكلبي (ت : 146) . وبرز في بغداد : مقاتل بن سليمان البلخي (ت : 150) . وبرز في خراسان : الربيع بن أنس البكري ، البصري ثم الخراساني (ت : 139) ، والضحاك بن مزاحم البلخي (ت : 105) ، ومقاتل بن حيان البلخي (ت:150) . وفي الشام : عطاء بن أبي مسلم ميسرة الخرساني (ت : 135) . والموضوع في المفسرين وتراجمهم يطول ، وهذه الإشارة لا تغن ، وإنما ذكرتهم لتعرف طبقاتهم ووفاتهم إذا مر بك تفسير من تفاسيرهم ، وليس هؤلاء كل المفسرين في هذه الطبقات ، وإنما هم أمثلة تيسرت لي أثناء هذه الكتابة ، فقيدتهم ؟ وأسأل الله تعالى أن يوفقني للكتابة في هذا الموضع ، إنه مجيب الدعاء ؟
المسألة الرابعة : تفسير السلف للمفردات
طبقات السلف في التفسير ثلاثة ، وهي : طبقة الصحابة ، طبقة التابعين ، وطبقة أتباع التابعين ؟ وهذه الطبقات هي التي نقل عنها التفسير ، وغالب من كتب بعدهم ينقل أقوالهم ، حتى جاء ابن جرير فظهر في منهجه التفسيري المفسر الناقد ، أو المرجح ، فأخذ هذه الأقوال ووازن بينها ، وبين الراجح منها على غيره بقواعد كان ينتهجها ويسير عليها . والمقصود أن السلف في طبقاتهم الثلاث تكلموا في التفسير أو نقله ممن تقدمهم ، ويرد عنهم - كثيراً - تفسيرات لألفاظ القرآن ، فما الموقف منها من حيث اللغة ؟ . أما الصحابة فلا خلاف في حجيتهم في اللغة ، وأن الوارد عنهم كالوارد من غيرهم من شعراء الجاهلية وغيرهم من العرب ، ويلحق بهم التابعون الذين عاصروا زمن الاحتجاج ، ولا يخرج أحدهم من الاحتجاج بقوله إلا بعلة ظاهرة . أما أتباع التابعين ، فقد كان في أول عصر تدوين اللغة ، ولذا ، فإن لم تحتج بما ورد عنهم من تفسيرات لغوية في ثبوت معاني الألفاظ في اللغة ، فالأقرب أن يكونوا من نقلة اللغة . وإذا نظرت في تدوين معاني مفردات اللغة وجدت أنه بدأ في النصف الثاني من القرن الثاني على يد جمع من علماء اللغة ، وكانت كتاباتهم أشبه بالرسائل الصغيرة تكون في الموضوع والموضوعين ، أو في أشياء شتى ؟ في كتابه العين ، ثم تبعه غيره من علماء اللغة ؛ كالتلميذة النضر بن شميل (ت : 204) الذي ألف كتاب الجيم ، وأبي عمرو شمر بن حمدويه (ت : 255) الذي ألف كتاب الجيم ، وأبي طالب المفضل بن سلمة (ت : 321) الذي ألف كتابه الجمهرة في اللغة، وغيرهم . وهذه المؤلفات اللغوية وغيرها مما ألفه علماء اللغة فيها ، صارت المرجع لأي دارس يبحث عن معاني مفردات كلام العرب ، فهل يعني أن هذه المؤلفات اللغوية شملت كل معاني مفردات ألفاظ العرب ؟