قضایا النقدیة فی النثر الصوفی

وضحی یونس

نسخه متنی -صفحه : 112/ 11
نمايش فراداده

ثنائية الموت والحياة

الموت الصوفي ليس موت الجسد، بل هو التخلص من أسر المادة، والانطلاق في عالم الروح بغية تحصيل المعرفة، فللحياة والموت عند الصوفيين فلسفة خاصة، يعبّرون عنها بأشكال مختلفة، مضمونها واحد، فليس ثمة موت عند الصوفيين، وليس ثمة قيمة للجسد الفاني، بل القيمة للروح الباقية المتمثلة بأعمال حسنة وذكر طيب، وخير للناس، يقول أبو بكر الطمستاني الفارسي: (ما الحياة إلا في الموت، ما حياة القلب إلاّ في إماتة النفس) ويقول أيضاً: (ما الحقيقة إلا في موت النفس. كل من فرَّ من إماتة النفس، فقد رجع إلى تأويل العالم) ، والصوفي يعرف أنَّ الموت يسكن الحياة يقول حاتم الأصم: (ما من صباح إلا والشيطان يقول لي: ماذا تأكل وماذا تلبس وأين تسكن؟ فأقول لـه: آكل الموت، وألبس الكفن، وأسكن القبر) ، وحقيقة الإنسان هي طائر روحه المسجون في قفص الجسد، فرغبة الموت رغبة مكبوتة في داخل كل صوفي، ولكنه ليس الموت العبثي، إنه موت يهدف إلى خلق معنى جديد للحياة فأبو حمزة الخراساني يقول. (من استشعر ذكر الموت حبَّب الله إليه كلَّ بَاقٍ، وبغَّض إليه كُلَّ فانٍ) ، ويتداخل مفهوماً الموت المادي والموت المعنوي، فلدى الصوفية موت سوى الموت، وأشد مرارة منه وهو الفوت؛ أي انقطاع الصلة بين الإنسان وربه يقول: يحيى بن معاذ الرازي: (الفوت أشدُ من الموت، لأنّ الفوت انقطاع عن الحق، والموت انقطاع عن الخلق) ، والموت الصوفي موتٌ إرادي قبل الموت يحدث بالخروج من الحياة الفانية، لأنّ الحياة الباقية، والأبدية هي حياةٌ روحية معنوية، يقول بابا طاهر: (مَنْ أماتته الغفلة لا يحيا أبداً، ومَنْ أماته الذكر لا يموت أبداً. ومَنْ لم يذق مرارة الموت بعد الحياة، لم يشمّ روح الحياة، ومن أحياه الموت دامت حياته، وهو ميت، ومَنْ أماتته الحياة دام موته وهو حي) .

وقد عبّر الصوفيون عن ثنائية الموت والحياة تعبيراً آخر، هو الفناء والبقاء، فالفناء هو فناء الجسد الظاهر، والبقاء بقاء الروح الباطنة، والفناء الصوفي يحدث نتيجة اتحاد الإنسان بالله، فيفنى الذي يعيش بذاته، ويبقى الذي يعيش في ذات الله، والفناء أعلى درجة في الحياة الباطنية الصوفية، وآخر درجة يصل إليها السالك بعد فقدان الشعور بالعالم الخارجي، ففي الظاهر فناء الجسد الإنساني، وفي الباطن بقاء الروح الإلهي ففناء الذات الصوفية يعني بقاءها في الله يقول أبو يزيد البسطامي: (أعرفه بي حتى فنيت. ثم عرفته به فحييت) ويقول أيضاً: (جَننّي بي فمتُ ثم جننّي به فعشتُ) ويقابل الفناء الصوفي الإلهام الفني فكلاهما حالة وجدانية، لا إرادية، تهيم بالجمال، وتتعبده، وتتخذه طريقاً للمعرفة.