ومنذ ذلك اليوم.. صار اسمها رشا ذات العيون السود.
كان سعد حين يذهب إلى سريره لينام.. يأخذ رشا معه إلى السرير.. رغم معارضتنا.. كان يقول إنها تنام عند قدميه.. وكانت فعلاً تنام عند قدميه بعد أن تداعبه وكأنها تستعيض به عن أمها التي فقدتها.. كان يضعها في حجره فتتشمم يده.. ترفع رأسه وتشم وجهه.
تهز رأسها وتدفع به إلى صدره.. تريد اختراقه لتستقر في قلبه كطفل مدلل.. في الأيام الأولى من مجيئها، كان سعد يرضعها من زجاجة للحليب.. وإذا ما جاعت، ولم يكن سعد موجوداً.. ترفض تناول الحليب من يد هناء.. وتظل نائمة في السلة... وما إن تسمع صوت سعد بعد أن يعود من المدرسة.. حتى تهب.
ترفع رأسها متطلعة ثم تقفز من سلتها لتندفع نحوه.. تتشمم ساقه.. ملابسه.. ترفع رأسها إليه وكأنها تقول له: ((لقد افتقدتك.
ألا ترفعني..)).. ويرفعها سعد.. يحتضنها ويقبلها.. ثم يضعها في سلتها ليأتي بزجاجة الحليب.. تتلقفها بفمها وتبدأ بامتصاص الحليب.. كما يفعل الأطفال من بني البشر..
ما في حدا.. لا تندهي ما في حدا.
... ... ... صاروا صدى..
بصوت هامس لا يكاد يسمعه أحد غيرها.. كانت سميرة تردد هذا المقطع من أغنية فيروز وهي منهمكة بإعداد طبق من الحلوى كان سعد مغرماً به.. فجأة.. توقفت.. كما لو أنها تذكرت أمراً ما كان عليها أن تنساه.. ونادت:
ـ هناء.. هل انتهيت من كَيْ قميص سعد؟
وعادت إلى طبق حلواها.. وصاروا صدى.. غير معنيةٍ بجواب على سؤالها.