التصرفات ، و هي مورد الحاجة و محل الابتلاء .
ثم أشكل عليه : بأن الحلية متعلقة بالبيع لانه فعل من أفعال المكلف ، و هذه الحلية التكليفية تدل على حلية التصرفات بالملازمة ، فلا وجه للقول بتوجه الحلية إلى التصرفات أولا و بالذات .
أقول : انما يتوجه ما ذكراه قدس سرهما فيما إذا كانت عبارة الشيخ " قده " ظاهرة في شيء من ذلك ، و قد تقدم أنها تحتمل الاحتمالات الثلاثة المذكورة كلها .
ثم انه قد يقال : ان المراد من " أحل " هو الحكم الوضعي و هو " النفوذ " ، أي ان الله أنفذ البيع و أقره و أمضاه .
و ان جعلناه بمعنى الحكم التكليفي كان المعنى : ان هذا السبب لمبادلة المال بمال أي التبديل حلال ، فهو اذن صحيح .
و كذا ان أريد المسبب ، أي ان الله جوز مبادلة المال بالمال ، فسواء كان بمعنى الحكم الوضعي أو التكليفي سببا أو مسببا دل على الصحة .
انما الكلام في أنه ان كان بمعنى السبب كان معناه : كل ما جعلتموه سببا للمبادلة و كان بيعا عندكم فهو حلال ، و حينئذ يتمسك بعمومه و تصح المعاطاة .
و ان كان بمعنى المسبب كان المعنى : أحل الله انتقال : المال و مبادلته بالمال ، فلا عموم له ليشمل المعاطاة .
أقول : لكن مبادلة المال بالمال عند العرف لها أسباب عديدة ، و الله تعالى أمضي و أنفذ المبادلة المسببة بها عدا المبادلة الحاصلة بالبيع الربوي مثلا .
و حينئذ يتمسك بالعموم لاجل المعاطاة التي لا جهة
ربوية فيها فالعموم يتمسك به في المقام سواء كان المراد إمضاء السبب أو إمضاء المسبب .
هذا ، و لا يقدح بعموم " أحل الله البيع " كونه في قبال " حرم الربا " كما لا يخفى .
لان العرف يفهم من ذلك تخصيص البيع الربوي دون التخصص .
( الثالث : آية التجارة ) قال الله تعالى " لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل الا أن تكون تجارة عن تراض " اذ لا ريب في أن المعاطاة تجارة عن تراض و انها تفيد الملك .
نعم لا تدل الاية على إفادتها اللزوم .
( الرابع : دليل السلطنة ) و هو قوله صلى الله عليه و آله : " الناس مسلطون على أموالهم " . فقد استدل به بأن المراد من التسلط هو التسلط الوضعي و التكليفي معا ، أي انها سلطنة مجعولة من الله تعالى للناس على أموالهم و التصرف فيها مطلقا ، و من التصرفات : المعاملات التي يتحقق بها النقل و الانتقال عند العرف و التي أمضاها الشارع و رتب عليها الاثر ، و من ذلك " المعاطاة " فانها بيع عرفا يفيد الملك كالبيع بالصيغة .
قال الشيخ " قده " : لا دلالة له على المدعى ، لان عمومه باعتبار أنواع السلطنة ، فهو انما يجدي فيما إذا شك في أن هذا النوع من السلطنة ثابتة للمالك و ماضية في حقه شرعا أم لا ، و أما إذا قطعنا بأن سلطنة خاصة كالتمليك نافذة لكن شك في أن هذا التمليك الخاص
يحصل بمجرد التعاطي مع القصد أم لابد من القول الدال عليه فلا يجوز الاستدلال به .
و قال جماعة منهم المحقق الخراساني " قده " ان هذا الحديث لا يدل حتى على النوع المشكوك فيه ، فلو شك في إمضاء الشارع لنوع من أنواع السلطنة لم يجز التمسك به ، و كذا إذا شك في صنف من نوع .
و بالجملة ، انه يدل على سلطنة المالك على ملكه و نفوذ معاملاته المعلوم صحتها و الماضية شرعا في حقه .
و بعبارة أخرى : انه يدل على عدم حجر الشارع للناس ، فلهم التصرف في أموالهم .
و قال آخرون منهم السيد و المحقق الاصفهاني " قدس سرهما " بأن الحديث يدل على التصرفات النوعية و الصنفية معا ، قال السيد : ليس مراد الشيخ " قده " من النوع هنا النوع المنطقي بل الاعم منه و من الصنف ، فإذا كان الشارع قد أمضي التصرف بالنوع فانه قد أمضاه بالنسبة إلى الصنف كذلك .
و قال المحقق الاصفهانى : التسليط عبارة عن إعطاء القدرة على التصرف ، و هذا يعني إمضاء الشارع لجميع التصرفات المتعارفة بين الناس و ترتيبه الاثار التي يرتبونها ، فالمراد من " التسليط " هو " الامضاء " و الممضى هو التصرفات الوضعية و التكليفية بجميع أنواعها و أقسامها و أصنافها المتداولة بين الناس .
أقول : و بما ذكره يندفع ما ذكره المحقق الخراساني " قده " .
نعم هنا احتمال آخر ، و هو أن يكون هذا الحديث بمعنى الحديث الاخر " لا يجوز لاحد أن يتصرف في مال غيره الا باذنه " أي الناس مسلطون على أموالهم فحسب دون أموال غيرهم ، فلا يجوز لاحد أن يتصرف في مال غيره الا باذنه .
و على هذا ينتفى " الامضاء " و دلالة الحديث في المقام ، لانه على هذا لا إطلاق له بل أنه حكم حيثي و ليس في مقام بيان أقسام التسلط و أنواعه .
( الخامس : الاجماع المركب ) قال الشيخ " قده " : هذا مع إمكان إثبات صحة المعاطاة في الهبة و الاجارة ببعض اطلاقاتهما و تتميمه في البيع بالاجماع المركب .
و أورد عليه السيد " قده " : بأن الاطلاق الموجود هناك موجود مثله في باب البيع ، فلا حاجة إلى الاجماع المركب .
أقول : لعل نظر الشيخ " قده " إلى وجود احتمالات أخر إلى جنب احتمال الامضاء و الصحة الوضعية ، و أما في الاجارة و الهبة فليس الاطلاق ظاهرا الا في النفوذ و الصحة .
كلام كاشف الغطاء " قده " حول المعاطاة قال الشيخ " قده " : هذا مع أن القول بإباحة جميع التصرفات مع التزام حدوث الملك عند التصرف المتوقف عليه لا يليق بالمتفقه فضلا عن الفقية ، و لذا ذكر بعض الاساطين في شرحه على القواعد في مقام الاستبعاد ان القول بالاباحة المجردة مع قصد المتعاطيين التمليك
و البيع مستلزم لتأسيس قواعد جديدة : منها : ان العقود و ما قام مقامها لا تتبع القصود .
و منها : أن تكون إرادة التصرف من المملكات .
قال : و أما " أعتق عبدي عنك ، أو عبدك عني " فمعناه أنت وكيلي في تمليك العبد إياي و قبول التمليك ثم عتقه عني .
و كذا الاخر ، و هذا من باب أن الاذن في الشيء اذن في مقدمته أو شرطه .
و منها : تعلق الخمس بما أخذ معاطاة ، و كذا الزكاة ، و هذا معناه بناءا على هذا القول وجوب أداء الزكاة و الخمس على صاحب المال ، و كذا الامر في الاستطاعة و الديون و النفقات ، و كذا في حق الشفعة و المقاسمة ، و الحال أنه بناءا على ما ذكر ليس ملكا لمن اشترى بالمعاطاة .
و كذا توريث ما أخذ بالمعاطاة ، فانه يعني كون موت أحد المتعاطيين مملكا فينتقل الشيء إلى وارثه .
و كذا الامر في الربا ، و مسألة الفقر و الغني فتترتب عليها الاثار .
و ترتيب هذه الاحكام و غيرها مع القول بالاباحة يستلزم تأسيس قواعد جديدة .
و منها : جعل التلف السماوي من جانب مملكا للجانب الاخر ، و التلف من الجانبين معينا للمسمى من الطرفين ، و لا رجوع إلى قيمة المثل حتى يكون له الرجوع بالتفاوت مع حصوله في يد الغاصب أو تلفه فيها .
فالقول بأنه المطالب لانه يملك بالغصب أو التلف في يد الغاصب غريب ، و القول بعدم الملك بعيد جدا ، مع أن في التلف
القهري ان ملك التالف قبل التلف فعجيب و معه بعيد لعدم قابليته حينئذ و بعده ملك معدوم ، و مع عدم الدخول في الملك يكون ملك الاخر بغير عوض ، و نفي الملك مخالف للسيرة و بناء المتعاطيين .
و منها : ان التصرف ان جعلناه من النواقل القهرية فلا يتوقف على النية فهو بعيد ، و ان أوقفناه عليها كان الواطي للجارية من دونها واطئا بالشبهة ، و الجاني عليه و المتلف جانيا على مال الغير و متلفا له .
و منها : مسألة النماء الحادث قبل التصرف .
و منها : قصر التمليك على التصرف مع الاستناد فيه إلى ان اذن المالك فيه اذن في التمليك ، فيرجع إلى كون المتصرف في تمليك نفسه موجبا قابلا ، و ذلك جار في القبض ، بل هو أولى منه لا قتر انه بقصد التمليك دونه .
التحقيق فيما ذكره كاشف الغطاء هذه خلاصة ما ذكره كاشف الغطاء " قده " ، قال الشيخ " قده " : هذه كلها استبعادات ، لا أن الوجوه المذكورة تنهض في مقابل الاصول و العمومات ، اذ ليس فيها تأسيس قواعد جديدة .
ثم أجاب عن الوجه الاول : أولا : بأن المعاطاة ليست من العقود و ما يقوم مقامها عند القائل بالاباحة .
و ثانيا : بأن تخلف العقد عن مقصود المتبايعين كثير .
أقول : ان أراد الشيخ " قده " ان العقد في هذه الموارد اما باطل فلم يترتب عليه شيء ، و اما صحيح فالشارع رتب عليه الاباحة و التصرفات المترتبة على الملك بالاجماع و ان لم يكن ملكا له فالجواب تام .
و ان أراد ترتب خلاف المقصود على هذا العقد مع فرض صحته فهذا لا يكون جوابا . و أما الحكم بالضمان في المأخوذ بالعقد الفاسد فاما من جهة " قاعدة اليد " و اما من جهة " قاعدة الاقدام " ، لا أنه أثر للعقد نفسه مع قولهم بفساده .
و كذا الامر في مسالة الشرط الفاسد ، فالعقد صحيح أن الشرط فاسد لا أثر له بناءا على انه لا يفسد العقد لانه التزام في ضمن التزام ، فإذا لم يمض الشرع أحدهما بقي الاخر على نفوذه و ترتب عليه الاثر ، فليس هناك تختلف عن القاعدة المذكورة ، و قد ذكرنا أن العقود الصحيحة التي أمضاها الشارع انما يترتب عليها الاثر المقصود ، و هذا معنى القاعدة المذكورة .
و كذا الامر في بيع ما يملك مع ما لا يملك ، كبيع الشاة مع الخنزير ، فان الشارع يمضي بيع الشاة دون الخنزير .
و لا تخلف عن تلك القاعدة ، لان قوله " بعتك هذين " ينحل إلى : بعتك هذا و هذا ، و الشارع أمضي أحدهما مطابقا للقصد دون الاخر ، لا أن هنا بيعا واحدا أمضي نصف المقصود به و أبطل النصف الاخر ليلزم التخلف .
و مثله الامر في بيع الفضولي لنفسه ، فان انشاءه المبادلة بين الثمن و المثمن يتوقف على اجازة المالك ، فان أجاز ترتب الاثر عليه