و حيث أن مثل هذا الكلي كان في ذمة المشتري فلذا يقع التهاتر قهرا .
لا يقال : إذا جاز هذا بالنسبة إلى ما في الذمة فليجز بالنسبة إلى الملكين الخارجيين .
لانه يقال : ان المشخصات الموجودة في الخارجيين يمنع من التهاتر بينهما ، بخلاف ما في الذمة .
و الانصاف : ان القول بالتهاتر لا يرفع الاشكال ، لانهم يصرحون ببيع نفس الدين ممن هو في ذمته ، لابيع كلي آخر مثله حتى يقع التهاتر .
فلنرجع إلى ما ذكره الشيخ في الجواب ، فانه قال : " لا مانع من كونه تمليكا فيسقط " يعني : ان المشتري يصير مالكا آناما و أثره سقوط ما كان عليه ، بخلاف جعل الحق عوضا فانه لا يمكن تحقق الملك فيه حتى آناما .
ثم قال : " و الحاصل انه يعقل أن يكون مالكا لما في ذمته فيؤثر تمليكه السقوط ، و لا يعقل أن يتسلط على نفسه " ثم أضاف قوله " و السر ان الحق سلطنة فعلية لا يعقل قيام طرفيها بشخص واحد ، بخلاف الملك فانها نسبة بين المالك و المملوك و لا يحتاج إلى من يملك عليه حتى يستحيل اتحاد المالك و المملوك عليه " . أقول : أي فرق بين مالكية الانسان لما في ذمته و نقل الحق اليه ، و ذلك : ان الملكية اضافة بين المالك و المملوك و نتيجتها سلطنتة عليه ، فالإِضافة هنا بين المالك و ماله لا بين المالك و من عليه ، بخلاف الحق فان حق القصاص مثلا حق للمولى على من عليه الحق و هو القاتل ، فيمكن
في الملك الاضافة بين زيد المديون بمقدار معين من الحنطة و بين هذا المقدار ، فيكون زيد مالكا له ، و لا يمكن أن يكون له حق على نفسه .
و بالجملة فحيث أن الاضافة في باب الحق تكون بين الشخصين أحدهما المتسلط و الاخر المتسلط عليه فلذا لا يمكن الاتحاد فيه ، بخلاف الملك فان الاضافة فيه بين المالك و المملوك بلالحاظ و اعتبار الشخص ، فلذا يمكن تحققها بين الشخص و ما في ذمته .
و لكن هذا المحذور و هو اتحاد من له الحق و من عليه انما يلزم فيما اذا بيع الحق من خصوص من عليه الحق ، و أما لو نقله صاحب الحق إلى ثالث و باعه منه فلا اشكال فيه ، كما ترى أن حق التحجير ينتقل إلى الاخر بلالزوم مثل هذا الاشكال ، لانه اضافة بين الشخص و الارض الكذائية المعينة بأن يحييها و يتملكها .
فهنا يكون الحق قابلا لان يجعل عوضا في البيع و لا يلزم المحذور المذكور .
و أورد المحقق الاصفهاني " قده " بما حاصله : ان معنى السلطنة على الغير كونه تحت يده و متحركا بإرادته ، و هذا المعنى جار في سلطنة الانسان على نفسه ، لانه أولى بنفسه من كل أحد ، نظير أن الانسان عالم بنفسه فهو عالم و معلوم ، و الحق أيضا كذلك ، فيمكن أن يكون الانسان مسلطا و مسلطا عليه بلا محذور .
أقول : فيه أنه قياس مع الفارق ، فان السلطنة اضافة لو حظ فيها العلو و الاستعلاء ، و لازم ذلك وجود شيء آخر يكون مستعلى عليه نظير الفوقية و التحتية ، فلا يعقل أن يكون شيء فوق نفسه أو تحت
نفسه فمن له السلطنة له التفوق على من عليه السلطنة اما من جميع الجهات أؤمن بعضها ، و أما المسلط عليه فهو في مرتبة دانية بالنسبة اليه ، و كون الانسان مسلطا على فعله معناه أن أمر فعله بيده ، فهو بنفسه مسلط و فعله الذي هو شيء آخر مسلط عليه ، و أين هذا من كونه بنفسه مسلطا و مسلطا عليه ؟ فمن كان له التسلط على شحص لافعل لا يمكن اتحاده مطلقا ، فلا يمكن تحقق الاضافة المعتبرة للمسلط للمسلط عليه في آن واحد .
هذا كله في الحقوق القابلة للانتقال . هل تقع الحقوق القابلة للانتقال عوضا ؟ قال الشيخ " قده " : و أما الحقوق للانتقال كحق التحجير و نحوه ، فهي و ان قبلت النقل و قوبلت بالمال في الصلح الا أن في جواز وقوعها عوضا في البيع اشكالا . أقول : حاصل اشكاله : ان الظاهر من الفقهاء كون المالية شرطا في ثمن المبيع ، و كذا في أجرة الاجير في باب الاجارة ، و لذا يقولون " البيع مبادلة مال بمال " ، و حيث أن الحق المذكور لا يعلم كونه ما لا فلا يمكن الجزم بصحة البيع لو وقع عوضا .
و لكن يمكن الجواب عنه بأن المال هو ما يبذل بإزائه المال و هذا الحق كذلك فهو مال ، الا ان يريد " قده " عدم المالية عند أهل العرف ، اذ ليس كل ما يبذل بإزائه المال ما لا عندهم ، ألا ترى المناصب كالحكومات
و كذا الوجاهة أن بين الناس مثلا يبذل للوصول إليها المال و ليست ما لا . و بالجملة فلا بعد في عدم كون الحق ما لا عرفا مع كون المنفعة ما لا عندهم .
و الحاصل : ان الحق ان كان شيئا في مقابل المال و كان اضافة من آثارها السلطنة لم يصح جعله عوضا في البيع ، لان البيع مبادلة مال بمال ، و ان كان ما لا باعتبار أنه يبذل بإزائه المال صح جعله كذلك و نفذ البيع .
و التحقيق : الاشكال في صحة هذا البيع للفرق بين الحق و الملك ، و ذلك أن ما يقع عليه البيع في " الملك " هو نفس المملوك الخارجي ، أعني الدار و العقار و نحو ذلك ، لا ملكية الدار مثلا و هذا بخلاف " الحق " الذي صار أحد طرفي البيع ، فانه بنفسه يكون متعلق البيع ، و هو الملاحظ في مقام البيع ، مع أن الحق سلطنة خاصة ، و قد دكرنا ان العقلاء لا يعتبرون بيع السلطنة أصلا .
نعم يجوز أخذ شيء و إسقاط الحق فيما إذا كان قابلا له كحق القصاص ، و أما بيعه من القاتل فهو معقول .
و وجهه يظهر بالتأمل .
لا حقيقة شرعية للفظ البيع قال الشيخ " قده " : ثم الظاهر أن لفظ " البيع " ليس له حقيقة شرعية و لا متشرعية . أقول : أي ان المستعمل فيه هذا اللفظ في الكتاب و السنة و كلمات الاصحاب هو المفهوم الذي يريده العرف منه .
لكن قال السيد " قده " : يمكن دعوى ان الفقهاء اصطلحوا فيه معنى آخر ، و هو العقد المركب من الايجاب و القبول ، و ان مرادهم من قولهم " كتاب البيع " هو كتاب عقد البيع ، و من قولهم " شرائط البيع " هو شرائط عقد البيع .
و هكذا .
قلت : هذه الدعوي و كذا دعوى صاحب الجواهر " قده " بالنسبة إلى لفظ النكاح ممنوعة ، فان إرادة " العقد " من " البيع " و " النكاح " في بعض الاحيان لا يدل على النقل و الاصطلاح ، بل ظاهر بعض عباراتهم عدم إرادة المعنى العرفي ، و القول بمخالفتهم للاصطلاح فيها كما ترى .
فألحق ما ذكره الشيخ " قده " . الكلام حول تعريف البيع نعم نراهم في مقام تعريف " البيع " يعرفونه بتعاريف مختلفة : ففي القواعد " البيع عبارة عن انتقال عين من شخص إلى غيره بعوض مقدر على وجه التراضي " و تبعه عليه جماعة ، مع ان " البيع " فعل و " الانتقال " هو الاثر الحاصل منه ، و لا يكاد يتبادر إلى الذهن من " باع زيد متاعه " مفهوم الانتقال . و من هنا عدل جماعة إلى تعريفه بانه " الايجاب و القبول الدالان على الانتقال " . و قد أورد عليه الشيخ " قده " بأن هذا من مقولة اللفظ و " البيع "
من مقولة المعنى ، فهو فعل مسبب عن الايجاب و القبول .
و اختار آخرون كجامع المقاصد القول بأنه " نقل العين ." ، فان أراد من " النقل " المعنى المصدري وافق " البيع " فانه فعل ، ثم قالوا " بالصيغة المخصوصة . " . لكن أشكل الشيخ " قده " بأن " النقل " لا يرادف " البيع " بل مرادف " البيع " هو " التمليك " و لازمه " النقل " . قال : و لذا صرح في التذكرة بأن إيجاب البيع لا يقع بلفظ " نقلت " و جعله من الكنايات .
أي : و يشترط كون الايجاب باللفظ الصريح الدال على المقصود بذاته .
و أيضا : " النقل " أعم من " البيع " فيشمل الصلح و غيره .
على أن قوله " بالصيغة المخصوصة " يخرج المعاطاة مع أنها بيع عنده كما سيأتي .
كما ان في التعريف مسامحة من جهة جعله " الصيغة المخصوصة " جزءا للمنشأ ، قال الشيخ " قده " : و لا يندفع بأن المرد ان البيع نفس النقل الذي هو مدلول الصيغة ، فجعله مدلول الصيغة اشارة إلى تعيين ذلك الفرد من النقل لا أنه مأخوذ في مفهومه حتى يكون مدلول " بعت " نقلت بالصيغة .
لانه ان أريد بالصيغة خصوص " بعت " لزم الدور ، لان المقصود معرفة مادة " بعت " ، و ان أريد بها ما يشمل " ملكت " وجب الاقتصار على مجرد التمليك و النقل .
قلت : كأنه " قده " يريد من قوله " لا يندفع " أصل الاشكال ، لكن الظاهر اندفاعه أنه يلزم اشكال الدور .
تعريف الشيخ للبيع ثم ان الشيخ " قده " عرف البيع بأنه " انشاء تمليك عين بمال " و قال : " و لا يلزم عليه شيء مما تقدم " . أقول : ان ما أورده " قده " على تعريف جامع المقاصد من أنه إذا كان النقل بالصيغة جزءا من المنشا فان النقل بالصيغة لا يقبل الانشاء ( و ان أجيب : بأن المنشا هو النقل لا النقل بالصيغة ) هو نفسه وارد على هذا التعريف ، و لا يجاب عنه بما أجيب عن ذلك ، لان كلمة " الانشاء " لا يمكن الغض عنها هنا كما أمكن غض النظر عن كلمة " بالصيغة " هناك .
و أيضا : ان هذا التعريف يفيد " البيع " الذي هو في قبال " الشراء " لا الذي يقابل " الاجارة " و غيرها ، لانه يصدق على فعل البائع ، و أما المشتري فهو ينشئ " التملك " أو قبول " التمليك " . و قال السيد " قده " ما ملخصه : ان الشيخ " قده " يريد أن البيع تمليك إنشائي من الموجب ( و ان لم يحصل به الملكية عند العرف كبيع ما لا مالية له ، و كذا عند الشارع كبيع الخمر ) اذ مفهوم البيع متحقق بمجرد انشاء الموجب في اعتباره . فهو انما قال " انشاء " لبيان دخول هذا في التعريف و انه لا يشترط في مفهوم البيع إمضاء