واجبة عقلا. ولا مانع من ان يكون شئ واحد واجبا عقلا وشرعا كالظلم وهو قبيح عقلا ومحرم شرعا، وكما في رد الامانة إلى اهلها فهو واجب عقلا لان تركه ظلم وواجب شرعا وهكذا. ثم انه لا فرق فيما ذكرناه بين التوبة عن المعصية الكبيرة والتوبة عن الصغيرة لان المدار في وجوبها على المخالفة والخروج عن ذي العبودية ووظيفته وهو متحقق في كليهما. نعم لا بد من الالتزام بعدم كون ترك التوبة في الصغائر معصية [ 10 ] كبيرة وذلك لبعد ان تكون المعصية صغيرة ويكون ترك التوبة عنها كبيرة. قبول التوبة تفضل: ثم إن هناك بحثا آخر: وهو أن التوبة - كانت واجبة عقلا وشرعا أو عقلا فقط - هل يجب على الله قبولها بحيث تمحى بها المعصية المتحققة ويزول بها استحقاقه العقاب على نحو لو عاقبه الله تعالى بمعصيته بعد التوبة كان ظلما قبيحا أو لا يجب قبولها عليه؟ وقد تعرضنا لهذا البحث في التكلم عن مقدمة الواجب وقلنا ان استحقاقه العقاب الثابت بالمعصية المتقدمة لا يرتفع بالتوبة المتأخرة لان الشئ لا ينقلب عما وقع عليه فلو عاقبه الله سبحانه بعد ذلك كان عقابا واقعا عن استحقاق وفي محله ولم يكن ظلما لا عن استحقاق. إلا ان هذا البحث مجرد بحث علمي لا يترتب عليه أثر عملي كما ذكرناه في بحث مقدمة الواجب لانه ثبت بالكتاب والسنة أن الله يقبل التوبة عن عباده وانه رؤوف بهم وانه لا كبيرة مع الاستغفار (1) المراد به التوبة، فالتوبة وان لم يكن معها عقاب على المعصية إلا انه من باب التفضل من الله سبحانه عملا بوعده لا أنه من باب الوجوب وقد وافقنا على ذلك الاشاعرة خلافا للمعتزلة حيث ذهبوا إلى وجوب قبول التوبة على الله، وهذا من جملة الموارد التي لابد فيها من الموافقة (1) الوسائل: ج 11 باب 47 و 48 من أبواب جهاد النفس ح 11 و 3. [ 11 ] [ وحقيقتها الندم (1) وهو من الامور القلبية ] مع الاشاعرة دون المعتزلة. حقيقة التوبة: (1) الظاهر انه لم تثبت للتوبة حقيقة شرعية ولا متشرعية، وانما هي بمعناها اللغوي أي الرجوع وهو المأمور به شرعا وعقلا، فكما أن العبد الآبق الفار والخارج عن زي عبوديته يجب أن يرجع عن خروجه هذا فكذلك العبد لابد من أن يرجع إلى مولاه الحقيقي عن طغيانه وتمرده وتعديه. فلا يعتبر في حقيقة التوبة سوى الرجوع وله لا زمان: أحدهما: الندم على عصيانه إذ لو لم يندم على ما فعله لم يكن رجوعه رجوعا حقيقيا عن التمرد والخروج. وثانيهما: العزم على عدم العود لوضوح انه لولاه لم يكن بانيا على الدخول في طاعة الله سبحانه بل هو متردد في الدخول والخروج وهذا بنفسه مرتبة من مراتب التعدي والطغيان فان العبد لابد أن يكون بانيا على الانقياد في جميع الازمان. إذ لو لم يعزم على الطاعة وعدم الطغيان كان مترددا في الطاعة والعصيان كما عرفت وهو قبيح حتى فيما إذا لم يسبقه المعصية أصلا - كما إذا كان في أول بلوغه - فانه لابد من أن يعزم على عدم الاقتحام في العصيان، وهذان الامران من لوازم الرجوع لا أنهما حقيقة التوبة. [ 12 ] [ ولا يكفي مجرد قوله: (أستعفر الله) بل لا حاجة إليه مع الندم القلبي وان كان احوط، ويعتبر فيها العزم على ترك العود إليها، والمرتبة الكاملة منها ما ذكره أمير المؤمنين عليه السلام. ] واما الاستغفار اللفظي وقول: اللهم اغفر لي أو استغفر الله ونحوهما فهو غير معتبر في حقيقة التوبة ولا أنه من لوازم الرجوع لان الاستغفار بمعنى طلب الغفران والتوبة بمعنى الرجوع فهما متغايران مفهوما ومصداقا. ويدل على عدم اعتباره في التوبة ومغايرتهما - مضافا إلى وضوحه في نفسه - قوله تعالى (واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه) (1) فان العطف ب (ثم) يدل على ما ذكرناه، فقد دلت الآية المباركة على أن العبد الآبق يطلب المغفرة من ذنوبه أولا وان لم يرجع ولم يتب لانه سبحانه غافر الذنوب، وبعده يرجع إلى الله بالاضافة إلى ما يأتي. نعم: الاحسن أن يكون رجوع الآبق بقلبه ولسانه وأن تكون توبته واقعية وظاهرية بقول: (اللهم اغفر لي) ونحوه. واكمل مراتب التوبة ما ذكره أمير المؤمنين - ع - في نهج البلاغة من أن للتوبة مراتب ستة. (منها) وهو خامسها: أن تعمد إلى اللحم الذي نبت على السحت (1) وقعت هذه الجملة المباركة في سورة هود في ثلاثة مواضع آية 3 و 52 و 90 باختلاف يسير في اولها. [ 13 ] [ (مسألة 1): يجب عند ظهور امارات الموت أداء حقوق الناس الواجبة ورد الودائع والامانات التي عنده مع الامكان (1) ] فتذيبه بالاحزان والطاعة (1). إلا أنه غير واجب ولا يعتبر في التوبة بوجه، إذ قد يتوب العبد ويرجع