کتاب الطهارة

سید روح الله الخمینی

جلد 3 -صفحه : 76/ 20
نمايش فراداده

وكيف كان دعوى ظهور الرجس في النجس المعهود ولو بواسطة القرائن الداخلية والخارجية غير مجازفة ، كما لا يبعد عود الضمير إلى جميع المذكورات بواسطة القرينة ، بأن يقال إن الظاهر من الآية أن الظاهر تعليل حرمة الاكل بما ذكر ، وهو لا يناسب قصره على الاخير .

ودعوى عدم احتياج الاولين إلى التعليل لاستقذار الناس منهما دون الاخير كما ترى ، ضرورة أن النهي عن أكلهما لردع الناس عنه ، ومع استقذارهم لا يحتاج اليه ، سيما إذا كان المراد بالميتة غير المذكى لا ما مات حتف أنفه ، فانه بمستقذر عندهم رأسا ، وفي المجمع إرجاع الضمير إلى جميع المذكورات بلا احتمال خلاف .

لكن مع ذلك استفادة الاطلاق من الآية مشكلة بعد كونها بصدد بيان حرمة أكل المذكورات ، وذلك لان الدم مطلقا وبجميع أنواعه ليس مأكولا أو متعارف الاكل ، فالمستفاد منها بعد تسليم ما تقدم هو نجاسة الدم المطعوم لا مطلقه ،


هامش: ( 1 ) الوسائل - الباب - 12 - من ابواب النجاسات - الحديث 2 .

( 2 ) الوسائل - الباب - 38 - من أبواب النجاسات - الحديث 5 . ( * )

146

بل لو أغمض عن ذلك يمكن منع الاطلاق في المستثنى ، بدعوى عدم كونها في مقام بيان حكمه ، بل الظاهر كونها بصدد بيان العقد السلبي وأنه لم يوجد غير المذكورات محرم ، لا بصدد بيان حرمة المذكورات حتى يؤخذ باطلاقها في المشتبهات ، إلا أن يقال :

إن تقييد الدم بالمسفوح وتعليل المذكورات بقوله ( ع ) :

" فانه رجس " دليل على كونها بصدد بيان المستثنى وعنايتها بحكمه أيضا ، فيؤخذ باطلاقها ، وفيه تأمل . لان القيد على فرض قيديته لعله لاجل تعارف أكل المسفوح ، ويحتمل أن يكون التعليل لبيان أن حرمتها ليست إلا لنجاستها لا لعناوينها ، تأمل .

وأما الروايات فعلى كثرتها لم أجد فيها ما يمكن الاتكال على اطلاقها إلا النبوى " يغسل الثوب من المني والدم والبول " ( 1 ) ورواية دعائم


هامش: ( 1 ) قال الشهيد في الذكرى :

" الثالث والرابع المني والدم من كل ذي نفس سائلة وان كان مائيا كالتمساح ، لقول النبي صلى الله عليه وآله :

انما يغسل الثوب من المني والدم والبول " وقال المحقق في المعتبر حول نجاسة الدم ( ص 116 ) ما هذا لفظه :

" الدم كله نجس عدا دم مالا نفس له سائلة - إلى أن قال - :

لنا قوله صلى الله عليه وآله :

انما يغسل الثوب من البول والغائط والمني والدم ، وانما للحصر ، ولم يرد حصر الجواز ولا الاستحباب ، فتعين حصر الوجوب ، وكأنه قال :

لا يجب غسل الثوب إلا من هذه " وقال في موضع آخر منه ( ص 119 ) في بيان عدم العفو عما بلغ الدرهم :

" فلان مقتضى الدليل وجوب إزالة قليل النجاسة وكثيرها لقوله صلى الله عليه وآله :

انما يغسل الثوب من البول والغائط والمني والدم ، وهذا اللفظ باطلاقه يقتضي وجوب إزالة الدم كيف كان ، فيترك منه ما وقع الاتفاق على العفو ( * )

147

الاسلام عن الباقر والصادق عليهما السلام " أنهما قالا في الدم يصيب الثوب :

يغسل كما تغسل النجاسات " ( 1 ) وهما ضعيفان سندا ، إذا لم يحرز اتكال القوم عليهما ، بل الظاهر عدم استنادهم اليهما ، وربما يحتمل في الثانية كونها بصدد بيان كيفية غسل الدم لا أصله ، وهو كما ترى سيما مع اختلاف النجاسات في كيفية التطهير .

وأما سائر الروايات فلا إطلاق فيها ، لكونها بصدد بيان أحكام أخر كموثقة عمار بن موسى عن أبى عبدالله عليه السلام ، وفيها :

" فقال :

كل شئ من الطير يتوضأ مما يشرب منه إلا أن ترى في منقاره دما ،


هامش: عنه وهو ما دون الدرهم " وعن العلامة في المنتهى في مسائل نجاسة المني والدم :

" وما رواه الجمهور عن عمار بن ياسر ان النبي صلى الله عليه وآله قال له حين رآه يغسل ثوبه من النجاسة :

ما نخامتك ودموع عينك والماء الذي في ركوتك إلا سواء ، انما يغسل الثوب من خمس :

البول والغائط والدم والقئ والمني ، وروى ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وآله قال :

سبعة يغسل الثوب منها :

البول والمني . . " وقريب منهما ما أورده الشيخ في الخلاف ( ص 69 ) ونقله في مستدرك الوسائل الباب 12 - من ابواب النجاسات - الحديث 2 ، ولكنه ما ذكر لفظ " القئ والدم " وأورده في جمع الجوامع للسيوطي - ج 5 ص 83 - الحديث 1757 مع أدنى تغيير في العبارة ، وكذلك في كتاب بدايع الصنايع ( ؟ للكساني ؟ ج 1 ص 60 - وبما نقلناه يظهر وجه ما قاله صاحب الجواهر من أن الحديث مروي في كتب الفروع لاصحابنا وان لم اجده من طرقنا ، وظني أنه عامي ، بل ظاهر المنتهى او صريحه ذلك .

( 1 ) المستدرك - الباب - 15 - من ابواب النجاسات - الحديث 2 . ( * )

148

فان رأيت في منقاره دما فلا تتوضأ منه ولا تشرب " ( 1 ) فانها بصدد بيان سؤر الطيور لا نجاسة الدم ، فكأنه قال :

سؤر الطير لا بأس به إلا أن يتنجس بالدم .

ونظيرها رواية زرارة قال :

" قلت لابي عبدالله عليه السلام :

بئر قطرت فيه قطرة دم أو خمر ؟ قال :

الدم والخمر والميت ولحم الخنزير في ذلك كله واحد ، ينزح منه عشرون دلوا ، فان غلب الريح نزحت حتى تطيب " ( 2 ) فانها في مقام بيان حكم البئر لا الدم ، إلى غير ذلك من الاخبار الكثيرة الواردة في بيان أحكام الصلاة والماء والمكاسب المحرمة وآنية أهل الكتاب وغيرها مما لا مجال لتوهم الاطلاق فيها .

وأما رواية السكوني عن أبي عبدالله عليه السلام قال :

" إن عليا عليه السلام لا يرى بأسا بدم ما لم يكون في الثوب فيصلي فيه الرجل :

يعني دم السمك " ( 3 ) فلا إطلاق فيها بالنسبة إلى ما يذكى لانه بصدد بيان نفي البأس عما لم يذك ، لا إثبات البأس فيما يذكى .

ثم إن قلنا بعدم الاطلاق في الروايات فكما لا يمكن التمسك بها لاثبات نجاسة مطلق الدم لا يمكن التمسك بها لاثبات نجاسة دم ماله نفس سائلة ، فلو شك في نجاسته ما دام كونه في الباطن ، أو في نجاسة العلقة إن قلنا بأنها لذي النفس ، أو في بعض أقسام الدم المتخلف ، كالمتخلف في القلب والكبد ، أو في العضو المحرم ، أو المتخلف في الحيوان الغير المأكول لا تصلح تلك الروايات لرفع الشك فيها .

ودعوى أن الناظر في تلك الروايات الكثيرة في الابواب المختلفة


هامش: ( 1 ) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الاسئار - الحديث 2 .

( 2 ) الوسائل - الباب - 15 - من ابواب الماء المطلق - الحديث 3 .

( 3 ) الوسائل - الباب - 23 - من ابواب النجاسات - الحديث 2 . ( * )

149

لا يشك في أن نجاسة الدم مطلقا كانت معهودة مفروضة التحقق لدى السائل والمسؤول عنه ، كما تشهد به صحيحة أبي بصير قال :

" دخلت على أبي جعفر عليه السلام وهو يصلي فقال لي قائدي :

إن في ثوبه دما فلما انصرف قلت له :

إن قائدي أخبرني أن بثوبك دما ، فقال :

إن بي دماميل ولست أغسل ثوبي حتى تبرء " ( 1 ) في غير محلها لان المسلم من معهوديتها انما هو بنحو الاجمال لا الاطلاق ، كما هو واضح . وأما الرواية فلا تدل على معهوديتها مطلقا ، فان الدم في ثوبه لم يكن إلا من دمه الشريف عادة أو نظيره ، ولم يحتمل الناظر غير ذلك ، كدم العلقة أو المخلوق آية .

كدعوى إلغاء الخصوصية عرفا من الروايات الواردة في دم الرعاف وحكة الجلد وغيرهما ، فان إلغاء الخصوصية انما هو فيما لا تحتمل خصوصية عرفا ، وأما مع احتمال أن للدم الظاهر أو في الاجزاء الاصلية خصوصية فلا مجال لالغائها ، مع امكان أن يقال :

إن إلغاء الخصوصية انما هو فيما إذا كانت الروايات بصدد بيان نجاسة الدم ، وأما بعد مفروضية نجاسته والسؤال عن حال الابتلاء به فلا مجال لالغائها .

فتحصل مما ذكرناه أن الاصل في الدم الطهارة إلا أن يدل دليل على نجاسته .

والظاهر أن دم ماله نفس سائلة مع خروجه إلى الظاهر مما لا كلام ولا إشكال في نجاسته ، وقد ادعي الاجماع في الدم من ذي النفس السائلة في محكي المختلف والذكرى وكشف الالتباس وشرح الفاضل ، وعن الغنية والتذكرة لا خلاف فيه ، وعن المنتهى ونهاية الاحكام والمعتبر


هامش: ( 1 ) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب النجاسات - الحديث 1 ( * ) .

150

والمدارك والدلائل هو مذهب أصحابنا مع استثناء ابن الجنيد في الثلاثة الاخيرة ، ونقل عنه :

الدماء كلها تنجس الثوب بحلولها فيه ، وأغلظها نجاسة دم الحيض .

لكن يظهر من جماعة التقييد بالمسفوح ، فعن الحلي الاستدلال على طهارة دم السمك ونحوه بأنه ليس بمسفوح ، وعنه أيضا :

الدم الطاهر هو دم السمك والبراغيث وما ليس بمسفوح وقد نسب العلامة في المنتهى التقييد به إلى علمائنا قال :

" قال علماؤنا الدم المسفوح من كل حيوان ذي نفس سائلة - أي يكون خارجا بدفع من عرق - نجس ، وهو مذهب علماء الاسلام ، لقوله تعالى :

" قل لا أجد " الخ - وقال - :

دم السمك طاهر وهو مذهب علمائنا - إلى أن قال - :

وقوله تعالى :

" دما مسفوحا " ودم السمك ليس بمسفوح " والظاهر أن كل من قيد الدم به انما هو بتبع الآية الكريمة ، كما ترى تمسك العلامة بها ، فالاولى عطف الكلام إلى مفادها .

فنقول :

إن في بادئ النظر وان احتمل أن يكون التوصيف بالمسفوح للاحتراز عما لا يخرج من العرق صبا واهراقا بدفع في مقابل الرشح كدم السمك وغيره مما لا نفس سائلة له ، أو للاحتراز عن الدم المتخلف في الذبيحة ، أو للاحتراز عن الدم في الباطن مقابل الظاهر ، أو للاحتراز عن جميع المذكورات ، لكن الاقرب عدم قيدية الوصف ، لان ما هو المتعارف أكله هو الدم المسفوح أي الدم المأخوذ من الذبائح دون سائر الدماء ، ومعه لا يصلح القيد للاحتراز ، مضافا إلى أن الاستثناء لما كان من حرمة الاكل لا يراد بالقيد الاحتراز عن المذكورات واثبات الحلية لسائر أقسام الدم المقابل للمسفوح ، ولا أظن من أحد احتمال حلية دم خرج من عرق حيوان بلا صب ودفع تمسكا بالآية الكريمة .

151

نعم لو قيل بأن المراد بغير المسفوح هو ما اختلط باللحم مما لا يتعارف الاحتراز عنه أو لا يمكن لكان له وجه ، لكنه خلاف ظاهر القيد ، فان الظاهر منه كما مر في كلام العلامة هو ما خرج بدفع من العرق .

والانصاف أن فهم القيدية واحترازية الوصف مشكل ، ومعه لا يجوز التمسك لطهارة ما في الباطن أو المتخلف في الذبيحة ، وإن لا تدل على نجاستهما أيضا ، لان عدم احترازية القيد لا يلازم الاطلاق وبعبارة أخرى ان المدعى أن الآية حرمت ما يتعارف بينهم أكله ، أي الدم المسفوح ، والتقييد للمتعارف للاحتراز ، فتكون ساكته عن حكم غيره اثباتا ونفيا .

هذا كله مع عدم المفهوم للوصف ، فلا تدل على حلية غير محل الوصف فضلا عن طهارته ، فالاستدلال لطهارة دم السمك أو المتخلف بالآية في غير محله ، سيما مع القول بحرمة دمهما إذا لم يكن تبعا لللحم ، وبهذا كله ظهر عدم صلاحية القيد في الآية لتقييد قوله تعالى :

" حرمت عليكم الميتة والدم " ( 1 ) وللمسألة محل آخر .

ثم أن المتفاهم أو المتيقن من معاقد الاجماعات نجاسة الدم الخارج عن حيوان له نفس سائلة ، والتقييد بالمسفوح في كلام الحلي والعلامة وغيرهما ليس لاخراج مثل دم الرعاف والدماميل بالضرورة ، بل لاخراج المتخلف وما لا نفس له ، ضرورة نجاسة المذكورات نصا وفتوى ، فمثل الدم المخلوق آية أو الصناعي فرضا ليس مشمولا لها ، كما لا تشمل الدم الذي يوجد في البيضة ، فانه ليس دم الحيوان ، والاصل فيه الطهارة .


هامش: ( 1 ) سورة المائدة :

5 - الآية :

3 . ( * )

152

ودعوى غلبة الظن بمعهودية نجاسة مطلق الدم في الشريعة عهدتها على مدعيها ، مع أن الظن لا يدفع الاصل إلا أن يكون حجة شرعية ، كدعوى مغروسية نجاسة مثله في أذهان المتشرعة بحيث أمكن دعوى تلقيه من الشارع الاقدس ، فانها بلا بينة .

وكذا العلقة غير معلومة الشمول للاجماع لان الظاهر من دم الحيوان غيرها فانها نطفة تبدلت بالعلقة فلا تكون دم الام عرفا ، ولادم الحيوان الذي تنقلب اليه بعد حين ، لكن الشيخ ادعى في الخلاف إجماع الفرقة على نجاستها ، واستدل لها أيضا باطلاق الادلة ، ويظهر من المحقق والعلامة ومحكي غيرهما التمسك لها بأنها دم أو دم ذي نفس ومن ذلك ربما توهن دعوى إجماع الخلاف ، ولعل مراد القاضي في محكي المهذب من أنه الذي يقتضيه المذهب ظاهر الادلة ، لكن مع ذلك الاحوط نجاستها بل لا تخلو من ترجيح .

وأما العلقة في البيضة فغير معلومة الشمول لاجماع الخلاف ، بل الظاهر عدم إطلاق العلقة عليها حقيقة ، ولا أقل من انصرافها عنها ، فالاقوى طهارتها .

كما أن الحكم بطهارة الدم المتخلف لا يحتاج إلى إقامة برهان بعد قصور الادلة اللفظية عن إثبات نجاسة مطلق دم ذى النفس ، وعدم دليل آخر على نجاسته ، وإن قام الدليل على طهارته ، كما عن المختلف


المجلد:3 من ص 152 سطر: 19 الى ص 160 سطر: 18

وكنز العرفان والحدائق وآيات الجواد دعوى الاجماع عليها وإن كان في معقد بعضها قيد ، وعن المجلسي وصاحب كشف اللثام والذخيرة والكفاية عدم الخلاف فيها ، بل هو الظاهر من الجواهر أيضا ، وعن أطعمة المسالك أن ظاهرهم الاتفاق عليه .

نعم استثنى بعضهم ما في الجزء المحرم كالطحال ، بزعم أن حرمة

153

أكله ملازمة لنجاسته وهو كما ترى ، أو بزعم إطلاق أدلة نجاسته الدم وقصور دليل الاخراج ، وقد مر ما فيه .

هذا مع استقرار السيرة على عدم الاجتناب عنه وعن اللحم الملاقي له ، من غير فرق بين دم القلب والكبد والطحال وغيرها ، وبين الدم الظاهر الخارج منها والمخلوط بها ، فما عن بعضهم من احتمال الفرق أو اختياره في غير محله ، ولو نوقش في شمول معقد الاجماع لبعض المذكورات أو ثبوت السيرة في بعض فلا مجال للمناقشة في الاصل بعد ما تقدم من فقد الاطلاق ، مع أن المناقشة في السيرة لعلها في غير محلها كما أن مقتضى الاصل طهارة المتخلف في الحيوان المحرم .

لكن عن البحار والذخيرة والكفاية وشرح الاستاذ أن ظاهر الاصحاب الحكم بنجاسته في غير المأكول ، وثبوت الحكم بمثله مشكل ، لكن الاحتياط لا ينبغي تركه .

كما أن طهارة دم ما لا نفس سائلة له لا تحتاج إلى تجشم استدلال بعد ما عرفت ، وان تكرر نقل الاجماع عليها من السيد والشيخ وابن زهرة والحلي والمحقق والعلامة والشهيدين وغيرهم .