ومنها - ما وردت فيما يعملون من الثياب أو يستعيرونها ( 2 ) فانها وإن اشتملت على نفي البأس غالبا ، لكن يظهر منها معهودية نجاستهم وفيه أنها أعم من الذاتية ، كما تشعر أو تدل على العرضية نفس الروايات ، مع أنها لا تقاوم الادلة الصريحة أو كالصريحة بطهارتهم كما مرت .
فتحصل من جميع ذلك أن لا دليل على نجاسة أهل الكتاب ولا الملحدين ما عدا المشركين ، بل مقتضى الاصل طهارتهم ، بل قامت الادلة على طهارة الطائفة الاولى ، بل هي متقضى الاخبار الكثيرة الدالة على جواز تزويج الكتابية واتخاذها ظئرا ، وتغسيل الكتابي للميت المسلم بعض الاحيان ، إلى غير ذلك . ويؤيدها مخالطة الائمة عليهم السلام .
( 2 ) راجع الوسائل - الباب - 73 و 74 - من ابواب النجاسات . ( * )
فالمسألة مع هذه الحال التي تراها لاينبغى وقوع خطأ عمن له قدم في الصناعة فيها ، فضلا عن أكابر أصحاب الفن ومهرة الصناعة ، فكيف بجميع طبقاتهم ، ومن ذلك يعلم أن المسألة معروفة بينهم من الاول ، وأخذ كل طائفة من سابقتها ، وهكذا إلى عصر الائمة عليهم السلام والتمسك بالادلة أحيانا ليس لابتناء الفتوى عليها .
ولقد أجاد العلم المحقق صاحب الجواهر قدس الله نفسه حيث قال :
" فتطويل البحث في المقام تضييع للايام في غير ما أعد له الملك العلام " وتعريض بعض الاجلة عليه وقع في غير محله ، وخروج عن الحد في حق من عجز البيان عن وصفه ، وعقم الدهر عن الاتيان بمثله في التحقيق والتدقيق والكر والفر والرتق والفتق وجودة الذهن وثقابة الفكر والاحاطة بأطراف المسائل والآثار والدلائل شكر الله سعيه ، ونضر الله وجهه ، وجزاه الله عنا وعن الاسلام أفضل الجزاء .
ثم أنه لا فرق في نجاسة الكفار بين ما تحله الحياة وما لا تحله لا للآية الكريمة المتقدمة الظاهرة في نجاسة المشرك الذي هو الموجود الخارجي بجميع أجزائه كالكلب الذى هو اسم للموجود كذلك وتتميمه بعدم القول بالفصل ، ولا لما دل على نجاسة الناصب بعنوانه الشامل لما ذكر وتتميمه بما ذكر ، وإن كان لهما وجه .
بل لاطلاق معاقد الاجماعات وإطلاق فتاوى الاصحاب ، لعدم تعقل طهارة ما لا تحله الحياة من الكفار ، وعدم استثناء الفقهاء مع شمول اللفظ للموجود بجميع أجزائه ، وهل هذا إلا الفتوى بغير ما أنزل الله تعالى ؟ وهل ترى أن استثناء ما لا تحل في الميتة وقع من باب الاتفاق كعدم الاستثناء ها هنا ؟
ويلحق بالكافر ما تولد من الكافرين ، كما عن المبسوط والتذكرة والايضاح وكشف الالتباس ، وعن الاستاذ أن الصبي الذي يبلغ مجنونا نجس عند الاصحاب ، وهو مؤذن بالاجماع ، وعن الكفاية أنه مشهور ، وقربه العلامة ، قيل :
وهو مؤذن بالخلاف ، وهو غير معلوم ، وفي جهاد الجواهر دعوى الاجماع بقسميه على تبعية الولد لوالديه في النجاسة والطهارة ، وعن جملة من الكتب دعوى الاجماع صريحا على تبعية الولد .
المسبي مع أبويه لهما في النجاسة .
والدليل عليها - مضافا إلى ذلك وإلى احتمال صدق اليهودي و النصراني والمجوسي على أولادهم ، كما جزم به النراقي حتى في الناصب وإن لا يخلو من نظر بل منع ، سيما في الاخير ، وإلى صدق العناوين على أطفالهم المميزين المظهرين لدين آبائهم ، سيما مع قربهم بأوان التكليف ، مع عدم القول بالفصل جزما - السيرة القطعية على معاملة الطائفة الحقة معهم معاملة آبائهم في الاحتراز عنهم ، وإلحاقهم بآبائهم ، وعدم الافتراق بينهم .
وأما سائر الاستدلالات فغير تام ، كالاستصحاب وتنقيح المناط عند أهل الشرع ، حيث أنهم يتعدون من نجاسة الابوين ذاتا إلى أولادهما وهو شئ مركوز في أذهانهم إن لم يرجع إلى ما تقدم من السيرة القطعية .
" ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا " ( 1 ) وقوله صلى الله عليه وآله :
" أبوانه يهودانه " بدعوى أن المراد منه يجعلانه تبعا لهما في التهود ، وصحيحة عبدالله بن سنان ( 2 ) وغيرها مما وردت في أولاد الكفار ، ورواية حفص بن غياث :
" سألت أبا عبدالله عليه السلام عن الرجل من أهل الحرب إذا أسلم في دار الحرب فظهر عليهم المسلمون بعد ذلك ، فقال :
إسلامه إسلام لنفسه ولولده الصغار ، وهم أحرار وولده ومتاعه ورقيقه له ، وأما الولد الكبار فهم فئ للمسلمين إلا أن يكونوا أسلموا قبل ذلك " الخ ( 3 ) لما مر في نظائره من أن الطفل في بطن أمه ليس من أجزائها ، واستصحاب الكلي الجامع بين الذاتية والعرضية قد عرفت ما فيه ، وتنقيح المناط إن لم يرجع إلى السيرة المتقدمة ممنوع بعد عدم كفر الصغار وعدم نصبهم .
ولا يراد من عدم توليدهم إلا فاجرا كفارا هو كونهم كذلك لدى
71 - الآية 27 .
( 2 ) قال :
" سألت أبا عبدالله عليه السلام عن أولاد المشركين يموتون قبل أن يبلغوا الحنث ، قال :
كفار ، والله أعلم بما كانوا عاملين يدخلون مداخل آبائهم " وقال عليه السلام :
" يؤجج لهم نار فيقال لهم :
أدخلوها ، فان دخلوها كانت عليهم بردا وسلاما ، وإن أبوا قال لهم الله عزوجل :
هو ذا أنا قد أمرتكم فعصيتموني ، فيأمر الله عزوجل بهم إلى النار " ولا يخفى أنه بصدد بيان حالهم فيما بعد الموت لا حال حياتهم - راجع من لا يحضره الفقيه - ج 3 ص 317 ط نجف - باب حال من يموت من أطفال المشركين والكفار ( 151 ) الحديث 2 ، وبحار الانوار ج 5 ص 295 من الطبعة الحديثة .
( 3 ) الوسائل - الباب - 43 - من أبواب جهاد العدو - الحديث 1 . ( * )
ورواية حفص - مع الغض عن سندها - لا تدل على المقصود ، لان قوله عليه السلام :
" إسلامه إسلام " الخ ليس على وجه الحقيقة بل على نحو التنزيل ، ولم يتضح التنزيل من جميع الجهات وإن لا يبعد ثم لو سلم ذلك لا تدل على عمومه للكفر أيضا ، كما لا يخفى .
وأما الاستدلال على طهارتهم بالاصل وقوله تعالى :
" فطرة الله التي فطر الناس عليها " ( 1 ) المفسر بفطرة التوحيد والمعرفة والاسلام ( 2 ) وقوله صلى الله عليه وآله :
" كل مولود يولد على فطرة الاسلام ثم أبواه يهودانه " الخ ( 3 ) ففيه ما لا يخفى ، لانقطاع الاصل بما تقدم ، وعدم كون المراد من فطرة التوحيد أو الاسلام هو كونهم موحدين مسلمين ، بل المراد ظاهرا أنهم مولودون على وجه لولا إضلال الابوين وتلقيناتهما لاهتدوا بنور فطرتهم إلى تصديق الحق ورفض الباطل عند التنبه على آثار التوحيد وأدلة المذهب الحق ، وهو المراد من النبوي المعروف .
ولو أسلم أحد الابوين ألحق به ولده ، لا لقوله صلى الله عليه وآله :
30 - الآية 30 .
( 2 ) راجع أصول الكافى ج 2 ص 12 من الطبعة الحديثة ( باب فطرة الخلق على التوحيد ) .
( 3 ) راجع المصدر المذكور آنفا - الحديث 3 . ( * )
" ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا " ( 2 ) ولا لقوله تعالى :
" والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بايمان ألحقنا بهم ذريتهم " الخ ( 3 ) لكونه أجنبيا عما نحن بصدده ، ولا للنبوي :
" كل مولود " الخ ، لما تقدم ، ولا لكون عمدة دليل الحكم بالتبعية الاجماع والسيرة فليقصر على القدر المتيقن منهما ، وهو ثبوت الحكم مع تبعيته لهما ، ومقتضى الاصل الطهارة لما يأتي من جريان استصحاب النجاسة فيه وفى المسبي .
بل لعدم نقل الخلاف في المسألة ، ودعوى الشيخ الاجماع عليها في لقطة الخلاف ، قال :
" إذا أسلمت الام وهي حبلى من مشرك أو كان منه ولد غير بالغ فانه يحكم للولد والحمل بالاسلام ويتبعانها - ثم قال - :
دليلنا إجماع الفرقة " وفى نسخة " وأخبارهم " وفى جهاد الجواهر نفي وجدان الخلاف عنها ، كما اعترف به بعضهم ، واستدل برواية حفص بن غياث المتقدمة ، ولا يبعد دعوى عموم التنزيل فيها متمسكا باطلاقه .
وأما المسبي فان انفرد عن أبويه ففي إلحاقه بالسابي المسلم في مطلق الاحكام أو في الطهارة فقط أو عدم الالحاق مطلقا وجوه :
أوجهها الاخير ، لاستصحاب نجاسته المتيقنة قبل السبي ، وكذا غيرها من الاحكام .
( 2 ) سورة النساء :
4 - الآية 141 .
( 3 ) سورة الطور :
52 - الآية 21 . ( * )
وإليه يرجع ما في كلام بعض أهل التحقيق في الاشكال على استصحاب نجاسة من أسلم أحد أبويه بتبدل الموضوع وعدم بقائه عرفا ، لان وصف التبعية من مقومات الموضوع عرفا في مثل هذه الاحكام الثابتة له بالتبع ، وأضاف إليه أن الاستصحاب فيه من قبيل الشك في المقتضي والجواب عنه ما مر مرارا من أن المعتبر في جريان الاستصحاب وحدة القضية المتيقنة والمشكوك فيها من غير مدخلية لبقاء موضوع الدليل الاجتهادي وعدمه ، بل ومع القطع بعدم بقاء ما أخذ في موضوعه ، فلو علمنا بأن المأخوذ في الدليل الاجتهادي هو الطفل المصاحب لابويه لكن كان الدليل قاصر عن نفي الحكم عما بعد المصاحبة وشككنا في بقاء الحكم لاحتمال أن يكون وصف المصاحبة واسطة في الاثبات ودخيلا في ثبوت الحكم لا في بقاء فلا إشكال في جريانه ، لانا على يقين من أن الطفل الموجود في الخارج كان نجسا ببركة الكبرى الكلية المنضمة إلى الصغرى الوجدانية ، فيشار إلى الطفل الموجود ، ويقال :
هذا كان مصاحبا لابويه الكافرين ، وكل طفل كان كذلك كان نجسا ولو لاجل
مصاحبته ، فهذا كان نجسا ، وهو القضية المتيقنة المتحدة مع القضية المشكوك فيها .
ولو قيل :
إن القضية المتيقنة ببركة الدليل الاجتهادي لابد وأن تكون على طبقه ، وهو لم يثبت الحكم على نفس الذات بل على الذات الموصوفة ، وهي غير باقية ، يقال له :
إن الذات الموصوفة متحدة الوجود
فالقضية المتيقنة موضوعها الطفل المسمى بكذا ، وهو باق بعينه عقلا وعرفا ، مع أن ما ذكر مستلزم للبناء على طهارة ما انقطعت عنه هذه المصاحبة ولو بغير السبي ، كما لو فر الطفل من حجر أبويه أو مات الابوان أو أخذه الوالى وسلمه إلى دار الرضاعة من غير البناء على عودة اليهما ، إلى غير ذلك مما لا يمكن الالتزام به .
ودعوى دخالة السبي في الحكم بالطهارة مع خلوها عن الدليل خروج عن محط البحث وفرار عن المبنى ، والاستدلال للتبعية ببعض ما تقدم من النبوي وغيره كما ترى ، فالاقوى عدم تبعيته مطلقا إذا سبي منفردا فضلا عمن سبي مع أبويه أو أحدهما .
وأما اللقيط فمقتضى الاصل طهارته ، وعدم جريان الاحكام المخالفة للقواعد عليه ، نعم لا يبعد جريان حكم المسلم عليه اذا غلب على البلد المسلمون بحيث يكون غيرهم نادرا ، وحكم الكافر إذا غلبت الكفار كذلك ، لعدم اعتناء العقلاء في أمثال ذلك على الاحتمال ، كما في الشبهة الغير المحصورة ونحوها ، إلا أن يقال :
مجرد الغلبة لا يكون حجة ما لم يحصل العلم العادي والاطمينان إلا إذا كان بناء العقلاء على العمل وأحرزنا إمضاء الشارع ، وهو مشكل .
في تحصيل مفهوم الكفر ، والظاهر مقابلته مع الاسلام تقابل العدم والملكة ، والكافر وغير المسلم مساوقان ، فمن لم يعتقد بالالوهية ولو لم يعتقد بخلافها ولم ينقدح في ذهنه شئ من المعارف ومقابلاتها يكون كافرا ، وما ذكرناه هو المرتكز عند المتشرعة ، والمستفاد من الادلة .
فما في بعض الروايات مما يوهم خلاف ذلك لابد من توجيهه .
كقوله ( ع ) في رواية عبدالرحيم القصير :
" ولا يخرجه إلى الكفر إلا الجحود والاستحلال " ( 1 ) وفي صحيحة زرارة عن أبي عبدالله عليه السلام قال :
" لو أن العباد إذا جهلوا وقفوا ولم يجحدوا لم يكفروا " ( 2 ) ورواية محمد بن مسلم قال :
" كنت عند أبي عبدالله عليه السلام جالسا عن يساره وزرارة عن يمينه إذ دخل أبوبصير ، فقال :
يا أبا عبدالله ما تقول فيمن شك في الله تعالى ؟ قال :
كافر يا أبا محمد ، قال :
فشك في رسول الله ؟ فقال :
كافر ، ثم التفت إلى زرارة فقال :