" إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا " قال :
إما آخذ فهو شاكر ، وإما تارك فهو كافر " ( 2 ) ورواية عبيدة بن زرارة قال :
" سألت أبا عبدالله عليه السلام عن قول الله عزوجل :
" ومن يكفر بالايمان فقد حبط عمله " فقال :
ترك العمل الذي اقر به منه الذي يدع الصلاة متعمدا لا من سكر ولا من علة " ( 3 ) .
ورواية أبي عمرو الزبيري عن أبي عبدالله عليه السلام قال :
" الكفر في كتاب الله خمسة أوجه - إلى أن قال - :
والوجه الرابع من الكفر ترك ما أمر الله عزوجل به ، وهو قول الله عزوجل :
" أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض ؟ " فكفرهم ترك ما أمر الله عزوجل به " ( 4 ) وفي كثير من الروايات ورد كفر تارك الصلاة ، ومانع الزكاة ، وتارك الحج ، إلى غير ذلك .
وثانيتهما - ما دلت على أن تركها مع الجحود أو الاستكبار أو نفس الجحد موجب له ، وهي كثيرة أيضا ، كصحيحة محمد بن مسلم قال :
" سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول :
كل شئ يجره الاقرار
" قلت لابي عبدالله عليه السلام :
سنن رسول الله صلى الله عليه وآله - إلى أن قال - :
فمن ترك فريضة من الموجبات فلم يعمل بها وجحدها كان كافرا " ( 2 ) .
ورواية عبدالرحيم القصير عن أبي عبدالله عليه السلام وفيها :
" ولم يخرجه إلى الكفر إلا الجحود الاستحلال ، فاذا قال للحلال :
هذا حرام وللحرام هذا حلال ودان بذلك فعندها يكون خارجا من الايمان والاسلام إلى الكفر " ( 3 ) .
ورواية زرارة عن أبي عبدالله عليه السلام قال :
" لو أن العباد إذا جهلوا وقفوا ولم يجحدوا لم يكفروا " ( 4 ) .
ورواية عبدالله بن سنان قال :
" سألت أبا عبدالله عليه السلام - إلى أن قال - :
فقال :
من ارتكب كبيرة من الكبائر فزعم أنها حلال أخرجه ذلك من الاسلام ، وعذب أشد العذاب ، وإن كان معترفا أنه ذنب ومات عليها أخرجه من الايمان ولم يخرجه من الاسلام وكان عذابه أهون من عذاب الاول " ( 5 ) .
ورواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال في حديث :
" الكفر أقدم من الشرك - ثم ذكر كفر إبليس ثم قال - :
فمن اجترى على الله فأبى الطاعة وقام على الكبائر فهو كافر ، يعني مستخف كافر " ( 6 ) إلى غير ذلك .
ويمكن الجمع بينها إما بحمل الجميع على مراتب الكفر والشرك والايمان والاسلام ، فأول مراتب الاسلام هو ما يحقن به الدماء ويترتب
" لانسبن الاسلام " الخ ( 1 ) .
ولعله المراد بقوله تعالى :
" يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة " ( 2 ) فهذه المرتبة من الاسلام أعلى من كثير من مراتب الايمان ، وبين المرتبتين مراتب إلى ما شاء الله ، وبازاء كل مرتبة مرتبة من الكفر أو الشرك ، وكذا للايمان درجات ومراتب كثيرة يشهد بها الوجدان والروايات ، وبذلك يجمع بين جميع الروايات الكثيرة الواردة في الابواب المتفرقة ، وله شواهد كثيرة في نفس الروايات ، فخرجت الروايات المستشهد بها لكفر منكر الضروري عن صلاحية الاسشتهاد بها ، وعن صلاحية تقييد مثل موثقة سماعة المتقدمة وغيرها .
وإما بحمل الطائفة الاولى المتقدمة على الثانية ، وحمل الطائفة الثانية على ما إذا جحد حكما علم أنه من الدين ، لكن لا لكونه موجبا للكفر بنفسه ، بل لكونه مستلزما لانكار الالوهية أو النبوة وتكذيب النبي صلى الله عليه وآله بدعوى عدم ملائمة تصديق النبوة مع إنكار ما أعلم أنه جاء به منتسبا إلى الله ، من غير فرق بين الضروري منها وغيره ، وهذا أقرب إلى حفظ ظواهرها من حملها على إنكار الضروري بل حملها عليه خال عن الشاهد ، بل مخالف لكثير منها ، سيما إذا قيل بالتسوية بين الجحد عن علم وغير علم ، وإن لم نقل بأن الجحد هو
( 2 ) سورة البقرة :
2 - الآية 208 . ( * )
وهنا احتمال ثالث بعد حمل المطلقات على المقيدات ، وهو حملها على الحكم الظاهري ، وأن الجاحد لما علم أنه من الدين محكوم بالكفر لكنه لا يلائم جميع الروايات وإن يلائم بعضها ، كما أن الجمع الثاني كذلك وإن كان أقرب من الثالث ، وأقرب منهما الجمع الاول .
وكيف كان لا دلالة لها على كفر منكر الضروري من حيث هو ، والظاهر أن غالب كلمات الاصحاب في الابواب المختلفة سيما أبواب الحدود ناظر إلى الحكم الظاهري ، وبعضها محتمل للوجه الثاني أو محمول عليه ، فلا يمكن تحصيل الشهرة أو الاجماع على المدعى .
ففي كتاب المرتد من الخلاف :
" من ترك الصلاة معتقدا أنها غير واجبة كان كافرا يجب قتله بلا خلاف " وفي النهاية :
" من استحل الميتة والدم ولحم الخنزير ممن هو مولود على فطرة الاسلام فقد ارتد بذلك عن دين الاسلام ووجب عليه القتل بالاجماع " .
وفي حدود الشرايع :
" من شرب الخمر مستحلا استتيب ، فان تاب أقيم عليه الحد ، وإن امتنع قتل ، وقيل يكون حكمه حكم المرتد وهو قوي ، وأما سائر المسكرات فلا يقتل مستحلها ، لتحقق الخلاف بين المسلمين - وقال - :
من استحل شيئا من المحرمات المجمع عليها كالميتة والدم ولحم الخنزير ممن ولد على الفطرة يقتل " .
ويحتمل في هذه العبارات أحد الوجهين ، ولهذا قال المحقق في حدود الشرايع :
" كلمة الاسلام أن يقول :
أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله " نعم صريح بعض وظاهر جمع حصول الارتداد بانكار الضروري أو ما يعلم إنه من الدين مطلقا وانه سبب مستقل ، كما أن صريح بعض وظاهر جمع أنه ليس سببا مستقلا ، بل هو لاجل
نعم قد يقال بأن تسالمهم على نجاسة الخوارج والنصاب مع استدلالهم لها بأنهم منكروا الضروري من الدين دليل على تسالمهم بأن إنكاره مطلقا موجب للكفر ، ضرورة أن كثيرا منهم بل غالبهم كانوا يتقربون إلى الله تعالى بالنصب لهم والحرب معهم ، لجهلهم عما ورد في حقهم من الكتاب والسنة .
وفيه أن التمسك لنجاستهم بانكارهم الضروري انما وقع من بعضهم ، ولم يظهر تسالمهم عليه ، بل الظاهر أن نجاسة الطائفتين مسلمة عندهم بعنوان النصب والحرب ، ولهذا لم ينقل الخلاف في نجاستهما ، مع وقوع الخلاف في منكر الضروري ، فالاقوى عدم نجاسة منكر الضروري إلا أن يرجع إلى إنكار الاصلين ولو قلنا بأن الانكار مطلقا موجب للكفر ، لعدم الدليل على نجاسة الكفار بحيث يشمل المرتد بهذا المعنى ، أما الآية فواضح ، وأما الروايات فقد مر الكلام فيها . وأما الاجماع فلم يقم عليها .
بل لا يبعد أن يكون دعوى الشيخ الاجماع على كفر مستحل الميتة والدم ولحم الخنزير وارتداده تارة ودعوى عدم الخلاف في كفر من ترك الصلاة معتقدا أنها غير واجبة أخرى ، مضافا إلى ما تقدم هي ارتداده بحسب بعض الآثار كالقتل وغيره دون النجاسة ، تأمل . وكيف كان لا يمكن إثبات نجاسته بالاجماع أو الشهرة .
وأما الطائفتان فالظاهر نجاستهما ، كما نقل الاجماع وعدم الخلاف وعدم الكلام فيها من جملة من الاعاظم ، وإرسالهم إياها إرسال المسلمات ويمكن الاستدلال عليها بموثقة ابن أبي يعفور هن أبي عبدالله عليه السلام
" وإياك أن تغتسل من غسالة الحمام ، ففيها يجمع غسالة اليهودي والنصراني والمجوسي والناصب لنا أهل البيت وهو شرهم فان الله تبارك وتعالى لم يخلق خلقا أنجس من الكلب ، وإن الناصب لنا أهل البيت لانجس منه " ( 1 ) فانه بعد ثبوت نجاسة الطوائف الثلاث بما مر مستقصى جعل هذه الطائفة الخبيثة قرينة لهم يشعر أو يدل على كونهم نجسة ، هذا مع التصريح بأنهم أنجس من الكلب الظاهر بمناسبة الحكم والموضوع في النجاسة الظاهرية ، ومجرد جعلهم أنجس من الكلب لا يوجب رفع اليد عن الظاهر الحجة . ولا ينافى ذلك ما مر منا من الخدشة في الاستدلال عليها النجاسة الطوائف الثلاث ، لان الاستدلال هناك كان لمقارنتهم مع النصاب ، وقلنا إن صرف ذلك لا يدل على المطلوب ، وهاهنا بعد ثبوت النجاسة للطوائف يستدل من المقارنة على أن المراد بتلك النجاسة هي النجاسة الظاهرة التي للطوائف والكلب بالدليل الخارجي ، تأمل .
وأما الاستدلال لها برجوع إنكارهم فضائل أهل البيت الواردة من النبي الاكرم صلى الله عليه وآله إلى تخطئته واعتقاد الغفلة والجهل بعواقب أمورهم في حقه صلى الله عليه وآله وهو كفر فغير تام صغرى وكبرى ، لمنع عموم المدعى في جميع طبقاتهم ، ومنع صيرورته موجبا للكفر والنجاسة سيما مع ذهاب بعض أصحابنا كابن الوليد إلى أن نفى السهو عن النبي صلى الله عليه وآله أول مراتب الغلو ، وظهور بعض الآيات والروايات
في سهوه . وكيف كان لا ينبغي الاشكال في كفر الطائفتين ونجاستهما ثم أن المتيقن من الاجماع هو كفر النواصب والخوارج أي الطائفتين المعروفتين ، وهم الذين نصبوا للائمة عليهم السلام ، أو بعنوان
وأما سائر الطوائف من النصاب بل الخوارج فلا دليل على نجاستهم وإن كانوا أشد عذابا من الكفار ، فلو خرج سلطان على أمير المؤمنين عليه السلام لا بعنوان التدين بل للمعارضة في الملك أو غرض آخر كعائشة وزبير وطلحة ومعاوية وأشباههم أو نصب أحد عداوة له أو لاحد من الائمة عليهم السلام لا بعنوان التدين بل لعدواة قريش أو بني هاشم أو العرب أو لاجل كونه قاتل ولده أو أبيه أو غير ذلك لا يوجب ظاهرا شئ منها نجاسة ظاهرية . وإن كانوا أخبث من الكلاب والخنازير لعدم دليل من إجماع أو أخبار عليه .
بل الدليل على خلافه ، فان الظاهر أن كثيرا من المسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وآله كأصحاب الجمل والصفين وأهل الشام وكثير من أهالي الحرمين الشريفين كانوا مبغضين لامير المؤمنين وأهل بيته الطاهرين صلوات الله عليهم وتجاهروا فيه ولم ينقل مجانبة أمير المؤمنين وأولاده المعصومين عليهم السلام وشيعته المنتجبين عن مساورتهم ومؤاكلتهم وسائر أنواع العشرة ، والقول بأن الحكم لم يكن معلوما في ذلك الزمان وانما صار معلوما في عصر الصادقين عليهما السلام كما ترى ، مع عدم
بل المنقول عن بعض خلفاء بني العباس أنه كان شيعيا ، ونقل عن المأمون أنه قال :
" إني أخذت التشيع من أبي " ومع ذلك كان هو وأبوه على أشد عداوة لابي الحسن موسى بن جعفر وابنه الرضا عليهما السلام لما رأيا توجه النفوس اليهما ، فخافا على ملكهما من وجودهما .
وبالجملة لا دليل على نجاسة النصاب والخوارج إلا الاجماع وبعض الاخبار ، وشي منهما لا يصلح لاثبات نجاسة مطلق الناصب والخارج ، وإن قلنا بكفرهم مطلقا ، بل وجوب قتلهم في بعض الاحيان .
ثم أن المتحصل من جميع ما تقدم أن المحكوم بالنجاسة هو الكافر المنكر للالوهية أو التوحيد أو النبوة وخصوص النواصب والخوارج بالمعنى المذكور ، وسائر الطوائف من المنتحلين إلى الاسلام أو التشيع كالزيدية والواقفة والغلاة والمجسمة والمجبرة والمفوضة وغيرهم إن اندرجوا في منكري الاصول أو في إحدى الطائفتين فلا إشكال في نجاستهم كما يقال :
إن الواقفة من النصاب لسائر الائمة من بعد الصادق عليه السلام .
وأما مع عدم الاندراج فلا دليل على نجاستهم ، فان بعض الاخبار الواردة في كفر بعضهم كقوله عليه السلام :
" من شبه الله بخلقه فهو
" من قال بالتشبيه والجبر فهو كافر مشرك " ( 2 ) وقوله عليه السلام :
" والقائل بالجبر كافر ، والقائل بالتفويض مشرك " ( 3 ) وغير ذلك فسبيله سبيل الاخبار الكثيرة المتقدمة وغيرها مما لا يحصى مما أطلق فيها الكافر والمشرك على كثير ممن يعلم عدم كفرهم وشركهم في ظاهر الاسلام وقد حملناها على مراتب الشرك والكفر ، كما قامت الشواهد في نفس الروايات عليه .
والانصاف أن كثرة استعمال اللفظين في غير الكفر والشرك الظاهريين صارت بحيث لم يبق لهما ظهور يمكن الاتكال عليه لاثبات الكفر والشرك الموجبين للنجاسة فيمن أطلقا عليه ، ولا لاثبات التنزيل في جميع الآثار ، وهو واضح جدا لمن تتبع الروايات ، ولا دليل آخر من إجماع أو غيره على نجاستهم .
وأما الغلاة فان قالوا بالهيه أحد الائمة عليهم السلام مع نفي إله آخر أو إثباته أو قالوا بنبوته فلا إشكال في كفرهم ، وأما مع الاعتقاد بألوهيته تعالى ووحدانيته ونبوة النبي صلى الله عليه وآله فلا يوجب شئ من عقائدهم الفاسدة كفرهم ونجاستهم حتى القول بالاتحاد أو الحلول إن لم يرجع إلى كون الله تعالى هو هذا الموجود المحسوس - والعياذ بالله - فانه يرجع إلى إنكار الله تعالى .
بل يراد بهما ما عند بعض الصوفية من فناء العبد في الله واتحاده معه نحو فناء الظل في ذيه ، فان تلك الدعاوى لا توجب الكفر وإن كانت فاسدة ، وكالاعتقاد بأن الله تعالى فوض أمر الخلق مطلقا إلى
ودعوى أن اثبات ما هو مختص بالله تعالى لغير إنكار للضروري ، ممنوعة إن أريد به ضروري الاسلام ، فان تلك الامور من ضروري العقول لا الاسلام ، مع أن منكر الضروري ليس بكافر كما مر .
وأما المجسمة فان التزموا بأنه تعالى جسم حادث كسائر الحوادث فلا إشكال في كفرهم لانكار ألوهيته تعالى ، ولا أظن التزامهم به ، ومع عدمه بأن اعتقد بجسميته تعالى بمعنى أن يعتقد أن الاله القديم الذي يعتقده كافة الموحدين جسم لنقص معرفته وعقله فلا يوجب ذلك كفرا ونجاسة .
وهذا إن ذهب إلى أنه جسم حقيقة ، فضلا عما إذا قال بأنه جسم لا كالاجسام ، كما نسب إلى هشام بن الحكم الثقة الجليل المتكلم ، ولقد ذب أصحابنا عنه ، وقالوا :
انما قال ذلك معارضة لطائفة لا اعتقادا وبعض الاخبار وإن ينافي ذلك لكن ساحة مثل هشام مبرأ عن مثل هذا الاعتقاد السخيف ، مع أن مراده غير معلوم على فرض ثبوت اعتقاده به .
وأما القول بالجبر أو التفويض فلا إشكال في عدم استلزامه الكفر بمعنى نفي الاصول إلا على وجه دقيق بغفل عنه الاعلام فضلا عن عامة الناس ، ومع عدم الالتفات إلى اللازم لا يوجب الكفر جزما .