341
ليس منكرا للضرورى ، لعدم كون الامر بين الامرين من ضروريات الدين ، بل ولا من ضروريات المذهب ، وإن كان ثابتا بحسب الاخبار بل البرهان كما حقق في محله .والانصاف ان الامر بين الامرين بالمعنى المستفاد من الاخبار والقائم عليه البرهان الدقيق لا يمكن تحميل الاعتقاد به إلى فضلاء الناس فضلا عن عوامهم وعامتهم ، ولهذا ترى أنه قلما يتقف لاحد تحقيق الحق فيه ، وسلوك مسلك الامر بين الامرين من دون الوقوع في أحد الطرفين أي الجبر والتفويض سيما الثاني .فتحصل مما ذكر عدم كفر الطوائف المتقدمة ، فما عن غير واحد من أن نجاسة الغلاة إجماعية أو لا خلاف ولا كلام فيها ، فالقدر المتيقن منه هو الغلو بالمعنى الاول لا بمعنى التجاوز عن الحد مطلقا ، وما عن الشيخ وغيره من نجاسة المجسمة ، وعن حاشية المقاصد والدلائل " لا كلام في نجاستهم " لعل المراد منهم من توجه والتفت إلى لازمه ، وإلا فلا دليل عليها كما تقدم ، وكذا الكلام في المجبرة والمفوضة .بقي الكلام في المنافقين الذين يظهرون الاسلام ويبطنون الكفر ، فان قلنا بأن الاسلام عبارة عن الاعتقاد بالاصول الثلاثة ، وكلمة الشهادتين طريق إثباته في الظاهر أو أنه عبارة عن الاقرار باللسان والاعتقاد بالجنان فيكون الموضوع الاحكام مركبا من جزئين وجعل أحدهما طريقا للآخر فلا إشكال في كفرهم واقعا وإن رتبت عليهم أحكام الاسلام ظاهرا ما لم يثبت خلافه ، فاذا علمنا بنفاقهم لا يجوز إجراء الاحكام عليهم .فحينئذ يقع الاشكال في المنافقين الذين كانوا في صدر الاسلام ، وكان النبي صلى الله عليه وآله والوصي عليه السلام يعاملان معهم معاملة342
الاسلام ، وطريق دفعه إما بأن يقال :إن مصالح الاسلام اقتضت جعل أحكام ثانوية واقعية نظير باب التقية ، فجريان أحكام الاسلام عليهم واقعا لمصلحة تقوية الاسلام في أوائل حدوثه ، فانه مع عدم إجرائها في حال ضعفه ونفوذ المنافقين وقوتهم كان يلزم منه الفساد والتفرقة ، فأجرى الله تعالى أحكامه عليهم واقعا ، وأما بعد قوة الاسلام وعدم الخوف منهم وعدم لزوم تلك المفسدة فلا تجرى الاحكام عليهم .وإما بأن يقال :إن ترتيب الآثار كان ظاهرا لخوف تفرقة المسلمين ، فهم مع كفرهم وعدم محكوميتهم بأحكامه واقعا كان رسول الله صلى الله عليه وآله ووصيه عليه السلام يعاملان معهم معاملة المسلمين ظاهرا حفظا لشوكة الاسلام ، والالتزام بالثاني في غاية الاشكال ، بل مقطوع الخلاف بالنسبة إلى بعض الاحكام .وإما بأن يقال :إن العلم الغير العادي كالعلم من طريق الوحي لم يكن معتبرا ، لا بمعنى نفي اعتباره حتى يلزم منه الاشكال ، بل بالتزام تقييد في الموضوع ، وهو أيضا بعيد .وإن قلنا بأن الاسلام عبارة عن صرف الاقرار ظاهرا والشهادة باللسان وهو تمام الموضوع لاجراء الاحكام واقعا فلا إشكال في طهارتهم وإجراء الاحكام عليهم ، ولا يرد الاشكال على معاملة النبي صلى الله عليه وآله معهم معاملة الاسلام ، فانهم مسلمون حقيقة ، إلا أن يظهر منهم مخالفة الاسلام ، بأن يقال :إن الاسلام عبارة عن التسليم والانقياد ظاهرا مقابل الجحد والخروج عن السلم ، فمن ترك عبادة الاوثان مثلا ودخل في الاسلام بالاقرار بالشهادتين وانقاد لاحكامه كان مسلما منقادا يجري عليه أحكام واقعا ، إلا أن يظهر منه ما يخالف الاصول .هذا بحسب مقام الثبوت ، وأما بحسب مقام الاثبات والتصديق .343
فقد عرفت في صدر المبحث أن المرتكز في أذهان المتشرعة أن الاسلام عبارة عن الاعتقاد بالاصول الثلاثة ، فلو علمنا بأن نصرانيا أظهر الاسلام من غير اعتقاد بل يبقى على اعتقاد التنصر لم يكن في ارتكازهم مسلما .لكن يظهر من الكتاب والاخبار خلاف ذلك ، قال تعالى :" قالت الاعراب :آمنا قل :لم تؤمنوا ولكن قولوا :أسلمنا ، ولما يدخل الايمان في قلوبكم " ( 1 ) في المجمع :( 2 ) " هم قوم من بني أسد أتوا النبي صلى الله عليه وآله في سنة جدبة وأظهروا الاسلام ولم يكونوا مؤمنين في السر - ثم قال - :قال الزجاج :الاسلام إظهار الخضوع والقبول لما أتى به الرسول صلى الله عليه وآله ، بذلك يحقن الدم ، فان كان مع ذلك الاظهار اعتقاد وتصديق بالقلب فذلك الايمان - إلى أن قال - :وروى أنس عن النبي صلى الله عليه وآله قال :الاسلام علانية والايمان في القلب أشار إلى صدره " انتهى .وموثقة أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال :" سمعته يقول :قالت الاعراب :آمنا قل :لم تؤمنوا ولكن قولوا :أسلمنا " فمن زعم أنهم آمنوا فقد كذب ، ومن زعم أنهم لم يسلموا فقد كذب " ( 3 ) وفي موثقة جميل بن دراج قال :" سألت أبا عبدالله عليه السلام عن قول الله تعالى :" قالت الاعراب :آمنا قل :لم تؤمنوا ولكن قولوا :أسلمنا ولما يدخل الايمان في قلوبكم " فقال لي :ألا ترى أنهامش: ( 1 ) سورة الحجرات :49 - الآية 14 ، ( 2 ) ج 5 ص 138 ط صيدا .( 3 ) اصول الكافى ج 2 ص 25 الطبعة الحديثة ( باب أن الاسلام يحقن به الدم - الحديث 5 ) . ( * )
344
الايمان غير الاسلام " ( 1 ) .وفي حسنة حمران بن أعين عن أبي جعفر عليه السلام قال :" سمعته يقول :الايمان ما استقر في القلب ، وأفضى به إلى الله ، وصدقه العمل بالطاعة لله ، والتسليم لامر الله ، والاسلام ما ظهر من قول أو فعل ، وهو الذي عليه جماعة الناس من الفرق كلها ، وبه حقنت الدماء وعليه جرت المواريث ، وجاز النكاح - ثم استشهد بالآية المتقدمة - وقال :فقول الله أصدق القول " ( 2 ) .وتدل عليه أيضا جملة من الروايات الاخر ، كموثقة سماعة المتقدمة عن أبي عبدالله عليه السلام وفيها :" فقلت :فصفها لي فقال :الاسلام شهادة أن لا إله إلا الله والتصديق برسول الله صلى الله عليه وآله به حقنت الدماء . وعليه جرت المناكح والمواريث ، وعلى ظاهره جماعة الناس ، والايمان الهدى ، وما يثبت في القلوب من صفة الاسلام ، وما ظهر من العمل به ، والايمان أرفع من الاسلام بدرجة ، إن الايمان يشارك الاسلام في الظاهر والاسلام لا يشارك الايمان في الباطن ، وإن اجتمعا في القول والصفة " ( 3 ) وهي بحسب ذيلها كالصريحة أو الصريحة في المقصود .ويمكن المناقشة في صدرها بأن يقال :إن الشهادة لا تصدق إلا مع الموافقة للقلوب ، ولهذا كذب الله تعالى المنافقين مع شهادتهم برسالةالمجلد:3 من ص 344 سطر: 19 الى ص 352 سطر: 18 النبي صلى الله عليه وآله ، فقال :" والله يشهد أن المنافقين لكاذبون "
هامش: ( 1 ) اصول الكافي ج 2 ص 24 الطبعة الحديثة ( باب أن الاسلام يحقن به الدم - الحديث 3 ) .( 2 ) و ( 3 ) مرتا في ص 321 . ( * )
345
والظاهر أن تكذيبهم لعدم موافقة شهادتهم لقلوبهم .ويمكن دفعها بأن الشهادة صادقة بصرف الشهادة ظاهرا ، ولهذا تجعل مقسما للصادقة والكاذبة بلا تأويل ، ولعل التكذيب في الآية كان لقرينة على دعواهم موافقة القلوب للظاهر ، وكيف كان لا إشكال في دلالتها عليه .وفي صحيحة الفضيل بن يسار قال :" سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول :إن الايمان يشارك الاسلام ولا يشاركه الاسلام ، إن الايمان ما وقر في القلوب ، والاسلام ما عليه المناكح والمواريث وحقن الدماء " ( 1 ) .وفي رواية حفص بن خارجة قال :" سمعت أبا عبدالله عليه السلام - إلى أن قال - :فما أكثر من يشهد له المؤمنون بالايمان ، ويجري عليه أحكام المؤمنين ، وهو عند الله كافر ، وقد أصاب من أجرى عليه أحكام المؤمنين بظاهر قوله وعمله " ( 2 ) إلى غير ذلك ، وحمل تلك الروايات على لزوم جريان الاحكام في الظاهر لو أمكن في بعضها لكن يأبي عنه أكثرها .ثم أن المشهور على ما حكاه جماعة طهارة ولد الزنا وإسلامه ، بل عن الخلاف الاجماع على طهارته ، ولعله مبني على أن فتوى السيد بكفره لا يلازم فتواه بنجاسته ، كما أن فتوى الصدوق بعد جواز الوضوء بسؤره لا يستلزم القول بها ، ولم يحضرني كلام السيد ولا الحلي ، واختلف النقل عنهما ، ففي الجواهر :" في السرائر أن ولد الزنا قد ثبت كفرههامش: ( 1 ) أصول الكافي - ج 2 ص 26 الطبعة الحديثة ( 2 ) اصول الكافي ج 2 ص 40 الطعبة الحديثة ( باب أن الايمان مثبوت لجوارح البدن كلها - الحديث 8 ) . ( * )
346
بالادلة بلا خلاف بيننا ، بل يظهر منه أنه من المسلمات ، كما عن المرتضى الحكم بكفره أيضا " انتهى .ويظهر ذلك أيضا من الشيخ سليمان البحراني ، كما في الحدائق ، وهو لا يدل على حكمهما بنجاسته ، لعدم الملازمة بينهما بعد قصور الادلة عن إثبات نجاسة مطلق الكافر ، إلا أن يقال :إن السيد قائل بنجاسة كل كافر ، كما يظهر من انتصاره وناصرياته .وكيف كان تدل على إسلامه الاخبار الشارحة للاسلام الذي عليه المناكح والمواريث ، وإطلاقها شامل له بلا شبهة ، ودعوى عدم الاطلاق في غاية الضعف ، وهي حاكمة على جميع ما ورد في حق ولد الزنا ، فان غاية ما في الباب تصريح الاخبار بكفره ، فتكون حالها حال الاخبار التي وردت في كفر كثير من الطوائف وشركهم مما مر الكلام فيها ، مع عدم دليل عليه أيضا كما سنشير إليه .ثم أن القائل بكفره إن أراد أنه لا يمكن منه الاسلام عقلا أو لا يقع منه خارجا فلابد من طرح إظهاره للشهادتين ، للعلم بتخلفه عن الواقع ، ففيه - مضافا إلى عدم الدليل على ذلك لو لم نقل :إن الدليل على خلافه - أنه لو سلم لا يوجب كفره ، لما مر من أن الاسلام الذي يجري عليه الاحكام ظاهرا ليس إلا التسليم الظاهري والانقياد باظهار الشهادتين ، فما لم يظهر منه شئ مخالف لذلك يكون محكوما بالاسلام ولو علم عدم اعتقاده كما قلنا في المنافقين .وإن أراد منه أنه محكوم بأحكام الكفر من عدم جواز التزويج وغيره فهو ممكن ، لكن يحتاج إلى قيام دليل عليه ، وهو مفقود ، لان الاخبار الواردة فيهم الدالة على عدم دخولهم في الجنة فانها للمطهرين لا تدل على كفرهم ، بل فيها ما تدل على صحة إيمانهم ، مثل ما دل347
على بناء بيت في النار لولد الزنا العارف ، وكان منعما فيها ومحفوظا عن لهيبها ، وهذا دليل على صحة إيمانه .ولا يجب على الله تعالى أن يدخله الجنة ، فان ما يحكم به العقل امتناع تعذيب الله تعالى أحدا من غير كفر أو عصيان ، وأما لزوم إدخاله في الجنة بل لزوم جزائه واستحقاقه على الله تعالى شيئا فلا دليل عليه ، بل العقل حاكم على خلافه ، نعم لا يمكن تخلف وعده ، لكن لو دل دليل على اختصاص وعده بطائفة خاصة لا ينافي حكم العقل .وكيف كان هذه الطائفة من الاخبار أجنبية عن الاحكام الظاهرية ، كأجنبية سائر ما تشبث به في الحدائق ، كما وردت في مساواة ديتهم لدية أهل الكتاب مع عدم عمل الطائفة بهذه الاخبار على ما حكي .وما وردت من أن حب علي عليه السلام علامة طيب الولادة ، وبغضه علامة خبثها ( 1 ) وما وردت من أن لبن أهل الكتاب أحب إلي من لبن ولد الزنا ( 2 ) وما وردت أن نوحا عليه السلام لم يحمل في السفينة ولد الزنا مع حمله الكلب والخنزير ( 3 ) وما وردت من عدم قبول شهادته وعدم جواز توليته القضاء والامامة ( 4 ) إلى غير ذلك مما لا دخل لها بكفره ونجاسته ، كما لا يخفى .نعم ربما يتمسك لنجاسة بأخبار غسالة الحمام ، وبكفره بدعوى ملازمتها مع كفره ، في المتقدمتين إشكال ومنع ، أما الثانية فلعدم الدليلهامش: ( 1 ) كتاب الغدير - ج 4 ص 322 و 323 .( 2 ) الوسائل - الباب - 75 - من أبواب أحكام الاولاد - الحديث 2 من كتاب النكاح .( 3 ) البحار - ج 5 ص 287 الطبع الحديث .