إذا العمومات على فرض وجودها قابلة للتخصيص ، مع أن الظاهر عدم عموم لفظي يدل على طهارة الجلال أو سؤره ، بل لو كان شئ يكون إطلاقا ، مع أنه أيضا محل تأمل ومناقشة ، وعلى فرضه قابل للتقييد وقضية ملازمة طهارة سؤره لطهارة عرقه على فرضها إنما هي متجهة لورود دليل في خصوص سؤر الجلال ، وهو مفقود ، والعمومات والاطلاقات لا تقتضي ما ذكر ، مع أنها مخصصة أو مقيدة .
والاستبعاد المذكور غير معتمد في الاحكام التعبدية ، مع عدم بعد في بعض ، وعدم إطلاق فيما دل على حل الاكل بعد الاستبراء ، لكونها في مقام بيان حكم آخر ، ومنه يظهر حال الفحوى المدعى إلى غير ذلك من مؤيداته .
وأماما أفاده من أن صحيحة هشام ومرسل الفقيه لا اختصاص فيهما بالابل ، لا قائل غير النزهة بالاعم ، والتخصيص إلى واحد غير جائز ، والحمل على العهد تكلف ، فلابد من الحمل على غير الوجوب ، والا لكان الخبر من الشواذ ، ومجاز الندب أولى من عموم المجاز ، لشيوعه حتى قيل :
إنه مساو للحقيقة ، فيكون قرينة على ارادة الندب أيضا بالنسبة إلى الابل في حسنة حفص .
ففيه بعد تسليم جميع المقدمات أنه لا يوجب رفع اليد عن الحسنة ، ودعوى قرينية ما ذكر لارادة الندب فيها ممنوعة ، بل هي مخصصة أو مقيدة للصحيح والمرسل ، مع أن ما ذكر من المقدمات غير سليمة عن المناقشة بل المنع .
فحينئذ نقول :
إن الترخيص إلى واحد لا يوجب الاستهجان مع بقاء أصل البعث بالنسبة إلى سائر الافراد ، فان الترخيص ليس مخصصا للدليل ، بل يكون كاشفا عن عدم الارادة الالزامية بالنسبة إلى مورد الترخيص مع بقاء البعث بحاله من غير ارتكاب خلاف ظاهر ، نعم لو دل دليل على عدم استحباب غسل عرق سائر الجلالات لا يبعد القول بالاستهجان .
هذا لو لم نقل بأن كثرة ابتلاء أهالي محيط ورود الروايات بالابل دون سائر الجلالات ، فانها بالنسبة إلى الابل كانت قليلة بحيث توجب الانصراف أو عدم استهجان التخصيص وإلا فالامر أوضح .
والانصاف عدم قيام الحجة بما ذكره لرفع اليد عن الحجة القائمة على النجاسة ، فالاقوى نجاسته ، كما أن الاقوى طهارة عرق سائر الجلالات ، الاحوط التجنب منه أيضا .
وقد وقع من الشيخ الاعظم هنا أمر ناش عن الاستناد إلى حافظته الشريفة والتعجيل في التصنيف ، وهو انه نقل حسنة ابن البختري مع إسقاط لفظة " الابل " ، فقال :
إن ظاهر الصحيحة الاولى كالحسنة عدم اختصاص الحكم بالابل ، مع ان جميع النسخ الموجودة عندي وكذا
ثم إنه قد تقدم الكلام في المسوخ فلا نطيل بالاعادة ، وهنا بعض أمور أخر قد ذهب بعض إلى نجاسته ، ودل بعض الاخبار عليها كلبن الجارية والحديد وأبوال البغال والحمير وغيرها مما هي ضعيفة المستند بعد كون طهارتها كأمر ضروري ، فلا نطيل إلى ذكرها .
والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا وقد وقع الفراغ من مبيضة هذه الوريقات في صبيحة العاشر من ذي الحجة الحرام سنة 1373 هج
الفصل الثاني في أحكام النجاسات وفيه مطالب :
الاول - المعروف بينهم القول بسراية النجاسة مما هو محكوم بها شرعا إلى ما يلاقيه وهكذا بلغ ما بلغ ، فهاهنا جهات من البحث بعد الفراغ عن أن السراية من الاعيان النجسة إلى ملاقياتها تتوقف على الرطوبة السارية كما مر الكلام فيه مستقصى .
الاولى :
الكلام في سرايتها إلى الملاقيات مقابل من أنكر ذلك إما مطلقا أو في الجملة ، وهو لازم كلام علم الهدى حيث حكي عنه في مقام الاستدلال لجواز استعمال المايعات الطاهرة غير الماء في تطهير الثوب بأن تطهيره ليس إلا إزالة النجاسة عنه ، وقد زالت بغير الماء شاهدة ، وأوضح منه ما حكي عنه من جواز تطهير الاجسام الصقيلة بالمسح بحيث تزول عنها العين معللا لذلك بزوال العلة ، والظاهر منهما أن الاعيان النجسة لا تؤثر في تنجيس ملاقياتها حكما ، وأن الطهارة للاشياء ليست إلا زوال عين النجاسة منها ، فاذا زالت العلة ولا يبقى أثر منها تصير طاهرة ، إذ ليست النجاسة إلا تلطخها بأعيانها ، وهذا
وعن المحدث الكاشاني " أنه لا يخلو من قوة ، إذا غاية ما يستفاد من الشرع وجوب اجتناب أعيان النجاسات ، وأما وجوب غسلها بالماء من كل جسم فلا ، فما علم زوال النجاسة عنه قطعا حكم بتطهره إلا ما خرج بدليل يقتضي اشتراط الماء كالثوب والبدن ، ومن هنا يظهر طهارة البواطن بزوال العين وطهارة أعضاء الحيوان النجسة غير الآدمي به ، كما يستفاد من - ؟ الصحاح ؟ " انتهى . ولعمري أن قول السيد أظهر في هذا المقال من قول الكاشاني أو مثله حيث تبعه في ذلك ، فلا وجه للطعن عليه بتفرده .
ويمكن أن يستدل على مطلوبهما بطوائف من الاخبار :
منها ما دلت على أن الله جعل الارض مسجدا وطهورا ، وورودها في مقام الامتنان يؤكد إطلاقها ، فعن الخصال باسناده عن أبي أمامة قال :
" قال رسول الله صلى الله عليه وآله :
فضلت بأربع :
جعلت لي الارض مسجدا وطهورا " ( 1 ) وفي مرسلة أبان عن أبي عبدالله عليه السلام :
" إن الله تبارك وتعالى أعطى محمدا صلى الله عليه وآله شرائع نوح وإبراهيم موسى وعيسى - إلى أن قال - :
جعل له الارض مسجدا وطهورا " الخ ( 2 ) ودعوى عدم إطلاقها فانه في مقام الاخبار بالتشريع كأنها في غير محلها ، فان حكايته انما هي للعمل ، لا لنقل قضية كنقل التاريخ ، فلو
كانت أرض خاصة طهورا لكان عليه البيان ، سيما مع اقتضاء المقام التعميم ، كدعوى اختصاصها برفع الحديث لعدم الدليل عليه ، ومجرد اشتمال بعضها على ذكر التيمم لا يوجب الاختصاص .
ومن هذا القبيل صحيحة جميل عن أبي عبدالله عليه السلام قال :
وتقريب الاستدلال بهذه الطائفة للمطلوب بأن يقال :
إن الطهارة لدى العرف عبارة عن خلو الاشياء ونقائها عن القذارات ، والارض كالماء مؤثرة في إزالتها وإرجاعها إلى حالها الاصلية ، وزوال العلة ، وهي بعينها دعوى السيد ، ولازمه عدم سراية القذارات في الاشياء ، إذا الارض لا تؤثر إلا في زوال الاعيان ، وهو بعينه الطهارة عرفا وعقلا .
وبالجملة هذه الطائفة تدل على ما ذهب إليه من عدم اختصاص الطهور بالماء ، ويثبت بها لازمه ، وشاهدة أيضا على ما لدى العقلاء في مهية الطهارة والقذارة ، فما قد يمكن أن يقال :
إن التعبير بالطهور دليل على أن الاشياء تصير قذرة محتاجة إلى المطهر - غاية الامر كما يكون الماء مطهرا تكون الارض مطهرة وهو مخالف لمذهب السيد - مدفوع بأن العرف لا يرى الطهارة إلا إزالة النجاسة عن الجسم وإرجاعه إلى حالته الذاتية ، وطهورية الارض كطهورية الماء ليست إلا ذلك ، وهي معلومة بالمشاهدة كما قال السيد في كلامه المتقدم .
ومنها ما دلت على مطهرية غير الماء لبعض النجاسات ، كصحيحة زرارة قال :
" قلت لابي جعفر عليه السلام :
رجل وطأ على عذرة فساخت رجله فيها ، أينقض ذلك وضوءه ؟ وهل يجب عليه غسلها ؟ فقال :
لا يغسلها إلا أن يقذرها ، ولكنه يمسحها حتى يذهب أثرها ، ويصلي " ( 2 ) ولا يخفى قوة دلالتها على مذهب السيد ، فان العذرة
( 2 ) الوسائل - الباب - 32 - من ابواب النجاسات - الحديث 7 . ( * )
بل يمكن دعوى حكومة هذه الرواية على الروايات الواردة في غسل ملاقى القذارات بدعوى أن قوله ( ع ) :
" لا يغسلها إلا أن يقذرها " دليل على أن الامر بالغسل فيها لرفع القذارة العرفية بجميع مراتبها ، لا لكون الماء ذا خصوصية شرعا ، بل المعتبر لدى الشارع ليس إلا ذهاب الاثر بأي نحو اتفق .
وكموثقة الحلبي أو صحيحته قال :
" نزلنا في مكان بيننا وبين المسجد زقاق قذر ، فدخلت على أبي عبدالله عليه السلام فقال :
أين نزلتم ؟ فقلت :
في دار فلان ، فقال :
إن بينكم وبين المسجد زقاقا قذرا ، أو قلنا له :
إن بيننا وبين المسجد زقاقا قذرا ، فقال :
لا بأس ، إن الارض يطهر بعضها بعضا " ( 1 ) ومقتضى إطلاقها أن الارض بازالتها للعين موجبة للتطهر من غير اختصاص بالمشي أو بالرجل وغير ذلك .
وبما ذكرنا من أن الطهارة في الاشياء عرفا وعقلا ليست إلا زوال القذارات عنها ، ورجوعها إلى حالتها الاصلية من غير حصول صفة وجودية فيها ، يظهر صحة الاستدلال بروايات تدل على مطهرية الشمس أو هي والريح في بعض ما يذهب أثره باشراق الشمس وتبخيرها ( 2 ) وبما هو كالضروري من أن زوال عين النجاسة عن بدن الحيوان بأي نحو موجب
( 2 ) المروية في الوسائل - الباب - 29 - من أبواب النجاسات . ( * )
لا بأس أكلت النار ما فيه " ( 4 ) وبما دل على طهارة الدن الذي كان فيه الخمر ثم يجفف ويجعل فيه الخل ( 5 ) إلى غير ذلك ، فان كل تلك الموارد موافق للقواعد ، وليس للشارع إعمال تعبد فيها بعد عدم كون الطهارة أمرا مجعولا تعبديا ، بل هي بمعنى النظافة ، وهى تحصل بازالة القذارة بأي نحو كان .
ونحوها أو أوضح منها رواية عبدالاعلى عن أبي عبدالله عليه السلام قال :
" سألته عن الحجامة أفيها وضوء ؟ قال :
لا ، ولا يغسل مكانها ، لان الحجام مؤتمن إذا كان ينظفه ولم يكن صبيا صغير " ( 6 ) فان الظاهر منها أن التنظيف بأي نحو يقع مقام الغسل في تحصيل الطهارة وليس المراد منه الغسل بالماء جزما ، أما أولا فلعدم تعارف غسل الحجام محل الحجامة ، بل المتعارف تنظيفه بثوب أو خرقة ، فحملها عليه حمل بالفرد النادر أو غير المحقق ، وأما ثانيا فلان تبديل الغسل بالتنظيف وجعله مقابلا له مع أن المناسب ذكر الغسل دليل على مغايرتهما ، فهي
( 2 ) المروية في الوسائل - الباب - 13 - من ابواب احكام الخلوة ( 3 ) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الماء المضاف - الحديث 1 .
( 4 ) الوسائل - الباب - 14 - من ابواب الماء المطلق الحديث 18 .
( 5 ) مر في ص 183 .
( 6 ) الوسائل - الباب - 56 - من ابواب النجاسات - الحديث 1 . ( * )
ومن ضم تلك الروايات الكثيرة وغيرها مما لم نذكره يحصل الجزم لو خليت الواقعة عن دليل تعبدي بأن التنظيف عند الشارع ليس إلا ما لدى العقلاء ، وأن الامر بالغسل بالماء فيما ورد انما هو لسهولة تحصيل الطهور به ولو فوره ولكونه مع مجانيته أوقع وأسهل في تحصيله ، ومعه لا يفهم من الادلة الآمرة بغسل الاشياء بالماء خصوصية تعبدية ، ولا يفهم العرف أن التطهير والتنظيف لدى الشارع غير ما لدى العقلاء وأن الطهارة عنده ليست عبارة عن خلو الشئ عن القذارة العارضة ، بل هي أمر آخر ليس للعقلاء إلى فهمه سبيل ، فان كل ذلك بعيد عن الافهام ، مخالف لتلك الروايات الكثيرة ، يحتاج إثباته إلى دليل تعبدي رادع للعقلاء عن ارتكازهم ، ولا تصلح الروايات الآمرة بالغسل لذلك لما عرفت .
ومنها روايات متفرقة في الابواب ظاهرة في عدم السراية ، كصحيحة حكم بن حكيم قال :
" قلت لابي عبدالله عليه السلام :
أبول فلا أصيب الماء ، وقد أصاب يدي شئ من البول فأمسحه بالحائط وبالتراب ثم تعرق يدي فأمسح بها وجهي أو بعض جسدي ، أو يصيب ثوبي ، قال :
لا بأس به " ( 1 ) وهي أيضا موافقة لما تقدم .
أحدهما الظاهر منها أن ما يلاقي اليد برطوبة بعد زوال عين النجاسة عنها بالمسح يلاقي اليد المتنجسة لا عين النجاسة ، فالرواية دليل على مدعاه وثانيهما أن ( * )
" قلت لابي الحسن موسى عليه السلام إني أبول فأتمسح بالاحجار فيجئ مني البلل ما يفسد سراويلي ، قال :
ليس به بأس " ( 1 ) .
ورواية زيد الشحام " أنه سأل أبا عبدالله عليه السلام عن الثوب يكون فيه الجنابة فتصيبني السماء حتى يبتل علي ، فقال :
لا بأس به " ( 2 ) وحملها على تطهر الثوب بالمطر كما ترى .
ورواية علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام قال . :
" سألته عن الكنيف يصب فيه الماء ، فينضح على الثياب ما حاله ؟ قال :
إذا كان جافا فلا بأس " ( 3 ) .