بئر قطرت فيه قطرة دم أم خمر ، قال :
الدم والخمر والميت ولحم الخنزير في ذلك كله واحد ، تنزح منه عشرون دلوا ، فان غلب الريح نزحت حتى تطيب " ( 1 ) فان إردافها بسائر النجاسات دليل على نجاستها ، وحمل نزح العشرين على الاستحباب لعدم انفعال البئر لا يوجب قصورها عن الدلالة مع موافقة ذيلها لسائر الروايات ، كصحيحة ابن بزيع عن أبي الحسن الرضا عليه السلام " ماء البئر واسع لا يفسده شئ الا أن يتغير ريحه أو طعمه فينزح منه حتى يذهب الريح ويطيب طعمه ، لان له مادة " ( 2 ) لان المراد بالفساد هو النجاسة كما هو واضح .
بل الروايات في النزح من الميتة كلها ظاهرة في مفروغية نجاستها كما يظهر بالنظر اليها ، وتدل عليها صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال :
" سألته عن آنية أهل الكتاب ، فقال :
لا تأكل في آنيتهم إذا كانوا يأكلون فيها الميتة والدم ولحم الخنزير " ( 3 ) فانها ظاهرة في تنجسها ، سيما مع إردافها بما ذكر .
ورواية تحف العقول عن الصادق عليه السلام في حديث قال :
" وأما وجوه الحرام من البيع والشراء - إلى أن قال - :
والبيع للميتة أو الدم أو لحم الخنزير أو الخمر او شئ من وجوه النجس ، هذا كله حرام محرم " الخ ( 4 ) ، فان الظاهر منها أنه في مقام عد النجاسات
( 2 ) الوسائل - الباب - 14 - من ابواب الماء المطلق - ألحديث 6 .
( 3 ) الوسائل - الباب - 54 - من ابواب الاطعمة المحرمة - الحديث 6 .
( 4 ) الوسائل - الباب - 2 - من ابواب ما يكتسب به - الحديث 1 . ( * )
وما عن الجعفريات بسنده عن علي عليه السلام قال " في الزيت والسمن اذا وقع فيه شئ له دم فمات فيه :
استسر جوه ، فمن مسه فليغسل يده ، وإذا مس الثوب او مسح يده في الثوب أو أصابه منه شئ فليغسل الموضع الذي أصاب من الثوب أو مسح يده في الثوب يغسل ذلك خاصة " ( 1 ) .
وعن دعائم الاسلام عن أمير المؤمنين عليه السلام " انه رخص في الادام والطعام يموت فيه خشاش الارض والذباب وما لا دم له ، وقال :
لا ينجس ذلك شيئا ولا يحرمه ، فان مات فيه ما له دم وكان مايعا فسد ، وان كان جامدا فسد منه ما حوله وأكلت البقية " ( 2 ) إلى غير ذلك مما يطول الكلام بسردها . نعم لا ننكر عدم إطلاق كثير منها مما يكون بصدد
بل يمكن الاستدلال على المطلوب بموثقة ابن بكير عن أبي عبدالله عليه السلام وفيها :
" فان كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في وبره وبوله وشعره وروثه وألبانه وكل شئ منه جائز إذا علمت أنه ذكى قد ذكاه الذبح " الخ ( 3 ) .
بناءا على أن المراد بقوله :
" ذكاه " طهره ، كما لعله المناسب لنسبة التذكية إلى الذبح ، وبعد إرادة الذكاة بمعنى الذبح ، والذكاة بالذال وإن كان بمعنى الذبح في اللغة ولم أر في اللغة من عد الطهارة من معانيه إلا في مجمع البحرين ، حيث قال :
" وفي الحديث " كل يابس
( 2 ) المستدرك - الباب - 27 - من ابواب النجاسات - الحديث 3 .
( 3 ) مرت في صفحة 25 . ( * )
أي طهارتها من النجاسة ، ومنه أذك بالادب قلبك :
أي طهره ونظفه " انتهى ، لكنه ذكر في " زكى " بالزاء زكاة الارض يبسها ، ويمكن الاستشهاد لاستعمال " ذكى " بالذال في الطهارة بروايات ، كقوله عليه السلام :
" الحوت ذكي حيه وميته " ( 2 ) قال الشيخ الحر :
الذكي هنا بمعني الطاهر ، وقوله عليه السلام " الجراد ذكي كله والحيتان ذكي كله وأما
ما هلك في البحر فلا تأكل " ( 3 ) بل قوله عليه السلام " ذكاة الجنين ذكاة أمه " ( 4 ) وقوله عليه السلام " خمسة أشياء ذكية مما فيه منافع الخلق :
الانفحة والبيض " الخ ( 5 ) وقوله عليه السلام :
" اللبن واللباء - إلى أن قال - :
وكل شئ يفصل من الشاة والدابة فهو ذكي وان أخذته منه بعد أن يموت فاغسله وصل فيه " ( 6 ) إلى غير ذلك .
وان كان للمناقشة فيها أو في جلها مجال ، بل الظاهر أن الذكاة في مقابل الميتة في الروايات لا بمعنى الطاهرة ولا الذبح مطلقا كيفما كان كما لعله يأتى التنبيه عليه .
ويمكن الاستدلال للمطلوب بقوله تعالى :
" إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فانه رجس " ( 7 ) بدعوى أن الظاهر
( 2 ) و ( 3 ) الوسائل - الباب - 31 - من ابواب الذبائح - الحديث 5 - 7 من كتاب الصيد والذبائح .
( 4 ) الوسائل - الباب - 18 - من ابواب الذبائح - الحديث 12 .
( 5 ) و ( 6 ) الوسائل - الباب - 33 - من ابواب الاطعمة المحرمة الحديث 2 - 3 .
( 7 ) سورة الانعام :
9 - الآية 145 . ( * )
" فانه رجس " تعليل لاستثنائها من الحلية ، فلا يناسب أن يجعل تعليلا للاخير فقط واهمال التعليل في غيره . وان كان للتأمل فيه مجال ، كالتأمل في كون الرجس بمعنى النجس وإن لا يبعد ذلك ، وفيما ذكرنا من الاخبار كفاية .
نعم في الاستدلال للمطلوب بمثل موثقة عمار عن أبي عبدالله عليه السلام قال :
" سئل عن الخنفساء - إلى أن قال - :
كل ما ليس له دم فلا بأس " ( 1 ) وصحيحة ابن مسكان عنه عليه السلام قال :
" كل شئ يسقط في البئر ليس له دم مثل العقارب والخنافس وأشباه ذلك فلا بأس " ( 2 ) محل إشكال ، لان الكلية في طرف نفي البأس عما ليس جزئيه وفى الجملة ، والظاهر من البأس النجاسة ولو بقرائن ولو من سائر الروايات .
وكذا يشكل الاستدلال بمثل موثقة حفص بن غياث عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام قال :
" لا يفسد الماء إلا ما كانت له نفس سائلة " ( 3 ) لاعطائها الكلية في المستثنى منه دون المستثنى ، وان قال الشيخ الاعظم :
إنها بصدد تنويع الميتة على قسمين مختلفين في الحكم لا مجرد ضابطة كلية في طرف المنطوق فقط . وهذه الدعوى خالية عن الشاهد وعهدتها عليه .
تنبيهان :
الاولى :
قال الصدوق في المقنع :
" ولا بأس ان تتوضأ من الماء
وقال في الفقيه :
" وسئل الصادق عليه السلام :
عن جلود الميتة يجعل فيها اللبن والماء والسمن ما ترى فيه ؟ فقال :
لا بأس بأن تجعل فيها ما شئت من ماء أو لبن أو سمن وتتوضأ منه وتشرب ، ولكن لا تصل فيه " ( 1 ) . فصار هذا مع ضمانه قبل إيراد الحديث بقليل صحة ما في الكتاب وحجيته بينه وبين ربه منشأ لنسبة الخلاف في نجاسة الميتة اليه .
وربما يجاب عنه بأنه لم يف بهذا العهد ، كما يظهر بالتتبع في الفقيه ، ولعله كذلك ، لكن من البعيد حصول البداء له في أول كتابه .
لكن لا يظهر من فتواه في المقنع ولا روايته في الفقيه مخالفته في مسألة نجاسة الميتة أو نجاسة جلدها . واستثناؤه ذلك زائدا على سائر المستثنيات كالوبر وغيره ، بل يحتمل ذهابه إلى عدم سراية النجاسة مطلقا أو في خصوص الجلد أو الميتة إلى ملاقيها ، وهو أيضا في غاية البعد ، نعم لا يبعد ذهابه إلى طهارة جلدها بالدباغ ، كما حكي عن ابن الجنيد من القدماء وعن الكاشاني .
وكيف كان فان كان مراده المخالفة في مسألتنا فقد مر ما يدل على خلافه ، وإن كانت في سراية النجاسة أو نجاسة الميتة أو جلدها فهي ضعيفة مخالفة للروايات الكثيرة بل المتواترة الدالة على غسل الملاقي وانفعال الماء القليل وسائر المايعات ، وان كان مراده طهارة الجلود بالدباغ فهو مخالف للاجماع المتكرر في كلام القوم ، كالناصريات والخلاف والغنية ومحكي الانتصار وكشف الحق ، وعن المنتهى والمختلف والدلائل اتفق
بل لا يبعد القول بطهارتها بالدباغ بمقتضى الجمع بينها ، فان طائفة منها ظاهرة في حرمة الانتفاع مطلقا الظاهرة في نجاستها وعدم طهارتها بالدباغ ، كرواية علي بن أبي المغيرة قال :
" قلت لابي عبدالله عليه السلام :
جعلت فداك الميتة ينتفع منها بشئ ، فقال :
لا ، قلت بلغنا ان رسول الله صلى الله عليه وآله مر بشاة ميتة فقال :
ما كان على أهل هذه الشاة إذ لم ينتفعوا بلحمها أن ينتفعوا باهابها قال :
تلك شاة لسودة بنت زمعة زوجة النبي صلى الله عليه وآله وكانت شاة مهزولة لا ينتفع بلحمها فتركوها حتى ماتت ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله :
ما كان على أهلها إذ لم ينتفعوا بلحمها أن ينتفعوا باهابها أن ( اي خ ل ) تذكى " ( 1 ) .
وحسنة أبي مريم بطريق الصدوق وموثقته بطريق الشيخ قال :
" قلت لابي عبدالله عليه السلام :
السخلة التي مر بها رسول الله صلى الله عليه وآله وهي ميتة فقال :
ما ضر أهلها لو انتفعوا باهابها . فقال أبوعبدالله عليه السلام :
لم تكن ميتة يا أبا مريم ، ولكنها كانت مهزولة فذبحها أهلها فرموا بها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله :
ما كان على أهلها لو انتفعوا باهابها " ( 2 ) .
( 2 ) راجع الوسائل - الباب - 61 - من ابواب النجاسات - الحديث 5 - والباب 34 من ابواب الاطعمة المحرمة - الحديث 3 . ( * )