( 2 ) الوسائل - الباب - 54 - من ابواب الاطعمة المحرمة الحديث 6 .
( 3 ) مرت في الصفحة 46 . ( * )
وقد يقال :
إن نظر الشيخ إلى صحيحة ابن الحجاج قال :
" سأل أبا عبدالله عليه السلام رجل وأنا عنده عن جلود الخز ، فقال :
ليس به بأس ، فقال الرجل :
جعلت فداك إنها علاجي ، وانما هي كلاب تخرج من الماء ، فقال أبوعبدالله عليه السلام :
إذا خرجت من الماء تعيش خارجة من الماء ؟ فقال الرجل :
لا ، قال :
ليس به بأس " ( 1 ) بدعوى أن ظاهر التعليل نفى البأس من كل ما لا يعيش إلا في الماء ، فكأنه فهم من ذلك طهارة ميتته ، لعدم معهودية ذبحه وعدم إشعار في الرواية باشتراطه .
وفيه أن الشبة في الخز انما هي من قبل عدم تذكيته وإخراجه من الماء وأخذ الجلد بلا ذبح ، ونفي البأس لاجل أن أخذه من الماء ذكاته ، وتشهد لذلك رواية ابن أبي يعفور قال :
" كنت عند أبي عبدالله عليه السلام إذ دخل عليه رجل من الخزازين ، فقال له :
جعلت فداك ما تقول في الصلاة في الخز ؟ فقال :
لا بأس بالصلاة فيه ، فقال له الرجل جعلت فداك إنه ميت ، وهو علاجي وأنا أعرفه ، فقال أبوعبدالله عليه السلام :
أنا أعرف به منك ، فقال له الرجل :
إنه علاجي وليس أحد أعرف به مني ، فتبسم أبوعبدالله عليه السلام ثم قال :
أتقول إنه دابة تخرج من الماء أو تصاد من الماء فتخرج فاذا فقد الماء مات ؟ فقال الرجل :
صدقت جعلت فداك هكذا هو ، فقال له أبوعبدالله عليه السلام :
فانك تقول :
إنه دابة تمشي على أربع وليس هو في حد الحيتان فتكون ذكاته خروجه من الماء ، فقال له الرجل :
فان الله تعالى أحله وجعل ذكاته موته ، كما أحل الحيتان وجعل ذكاتها موتها " ( 1 ) .
وهي كما ترى ظاهرة في أن الشبهة فيه إنما هي في كونه ميتة لعدم تعارف ذبحه ، وليس مثل الحيتان يكون خروجها من الماء ذكاتها ، فأجاب بأنه مثلها في ذلك ، ولا يبعد أن تكون رواية ابن الحجاج أيضا حكاية عن هذه القضية التي حكاها ابن أبي يعفور ، فترك ابن الحجاج 1مالا دخالة له في الحكم ، ونقل بالمعنى ما هو دخيل فيه ، ولو كانت الواقعة قضيتين فلا ريب في أن الشبهة ما ذكرناه ، فتكون الرواية أجنبية عما نحن بصدده ، ولا أظن أن الشيخ كان متمسكه هذه الصحيحة أو الذي ذكره المحقق ، بل الظاهر عثوره على رواية بالمضمون المحكي .
وأما الآدمي منها فهل هي نجسة أم لا ؟ وعلى الاول هل هي نجسة عينا أو حكما ؟ وعلى التقديرين هل تكون نجاستها على حذو سائر النجاسات في السراية فلا تسري إلا بالملاقاة معها رطبا بنحو يتأثر منه الملاقي أم تسري مع اليبس أيضا ؟ وعلى التقادير هل يكون حال ملاقى ملاقيها كسائر النجاسات أم لا ؟ ربما يتشبث القائل بعدم النجاسة العينية بوجه عقلي ، وهو أن عين النجاسة لا يعقل رفعها وزوالها بالاغتسال مع أن الميت بعد الغسل طاهر بلا إشكال .
وفيه أن ذلك موجه لو كانت أعيان النجاسات أمورا تكوينية ويكون الميت كالمني والعذرة قذرا ذاتا ، ويكون منشأ نجاسته شرعا قذارته الذاتية ، لكن قد عرفت أن القذارات الشرعية مختلفة ، فمنها ما هي مستقذرة عرفا كالاخبثين . ومنها ما ليست كذلك كالكافر والخمر فان القذارة فيهما مجعولة لجهات أخر غير القذارة العرفية والذاتية ،
ولو قيل :
إن الميت ولو كان آدميا مستقذر عرفا ، وكان الناس تستقذره وتتجنب منه ، ولعله منشأ الحكم بنجاسته ، لقلنا :
هذا لو صح يوجب بقاء نجاسته حتى بعد الغسل ، فلابد أن يقال بعدم طهارته بالغسل ، لا عدم نجاسته بالموت ، ضرورة أن التجنب الاحتراز والاستقذار باق بعد الغسل أيضا ، والتحقيق أن النجاسة في مثله مجعولة كرافعها ، فلا إشكال عقلي في المقام .
وظني أن الاشكالات في خصوص ميتة الآدمي نشأت غالبا من توهم دلالة الروايات على وجوب غسل ملاقيها ولو مع اليبس ، فظن أن الميتة ليست كسائر النجاسات المتداولة ، فمنهم من التزم بعدم النجاسة ومنهم من التزم بالنجاسة الحكمية ، وهو أيضا يرجع إلى الالتزام بعدم النجاسة ، فانه لا معنى للنجاسة الحكمية إلا لزوم ترتب آثارها تعبدا على ما ليس بنجس .
وإن قيل إن المراد بالنجاسة الحكمية هي الجعلية مقابل العرفية والذاتية ، قلنا :
إن لازمه الالتزام بالنجاسة الحكمية في الكافر والخمر بل الكلب أيضا مع عدم التزامهم بها في سائر النجاسات ، فأساس الالتزام بالنجاسة الحكمية وكذا الالتزام بعدم سرايتها إلى ما يلاقيها - فلا ينجس ملاقى ملاقيها - لا يبعد أن يكون البناء على لزوم غسل الملاقي ولو مع اليبوسة ، فيقال :
إنها لو كان نجسة كسائر النجاسات لكانت نجاسة ملاقيها للسراية كما في سائر أنواعها ، وهي لا تتحقق إلا مع الرطوبة ، وهذه لازم عرفي للنجاسات ، ومع فقده يكشف إما من عدم النجاسة رأسا ولزوم غسل ملاقيه تعبدا لا لتنجسه كلزوم غسل
فالاولى عطف الكلام إلى ذلك ، فنقول :
لولا الاجماعات المنقولة المتكررة في كلام الاصحاب على عدم الفرق بين الآدمي وغيره ، كمحكي ظاهر الطبريات وصريح الغنية والمعتبر والمنتهى ونهاية الاحكام والتذكرة والذكرى وكشف الالتباس والروض والدلائل والذخيرة وشرح الفاضل بل ومحكي الخلاف لامكن المناقشة في نجاستها لو خلينا والروايات .
بل يمكن المناقشة في الاجماع أيضا ، بدعوى تخلل الاجتهاد والجزم بعدم شئ عندهم إلا تلك الروايات التي باب الاجتهاد فيها واسع ولهذا اختلف الآراء في أصل النجاسة ، فان القول بالنجاسة الحكمية ، وعدم السراية إلى ما يلاقيها يرجع إلى عدم النجاسة كما مر .
بل لازم محكي كلام الحلي دعوى عدم الخلاف في عدم النجاسة العينية ، قال فيما حكي عنه في مقام الاستدلال على عدم السراية مع الرطوبة أيضا :
" لان هذه النجاسات حكميات وليست عينيات ولا خلاف بين الامة كافة أن المساجد يجب أن يجتنب النجاسات العينية ، وأجمعنا بغير خلاف على أن من غسل ميتا له أن يدخل المسجد ويجلس فيه ، فلو كان نجس العين لما جاز ذلك ، ولان الماء المستعمل في الطهارة الكبرى طاهر بغير خلاف . ومن جملة الاغسال غسل من مس ميتا ، ولو كان ما لا قى الميت نجسا لما كان الماء الذي يغتسل به طاهرا " انتهى فكأنه ادعى الاجماع بالملازمة على المسألة ، فلو كانت إجماعية بنفسها لا يتأتي له ذلك .
وليس المقصود في المقام تصحيح كلامه وصحة دعوى إجماعه حتى يقال :
إن للمناقشة فيه مجالا واسعا ، بل المقصود هدم بناء إجماعية المسألة ، وفتح باب احتمال اجتهاديتها .
منها صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله عليه السلام قال :
" سألته عن الرجل يصيب ثوبه جسد الميت فقال :
يغسل ما أصاب الثوب " ( 1 ) ورواية ابراهيم بن ميمون قال :
" سألت أبا عبدالله عليه السلام عن رجل يقع ثوبه على جسد الميت قال :
إن كان غسل الميت فلا تغسل ما أصاب ثوبك منه ، وإن كان لم يغسل فاغسل ما أصاب ثوبك منه ، يعني إذا برد الميت " ( 2 ) .
وفيهما احتمالان :
أحدهما قراءة الثوب بالفتح على أن يكون مفعول أصاب ، فيكون المعنى :
إغسل ما وصل إلى ثوبك من الميت والمراد غسل الثوب مما أصابه منه وعلى هذا الاحتمال تكون الروايتان ظاهرتين في لزوم غسل الملاقي لاجل السراية ، ويكون المتفاهم منه عرفا بل عند المتشرعة نجاستها عينا كسائر النجاسات .
ثانيهما قراءته بالضم على أن يكون فاعله ، ويكون الموصول كناية عن موضع الاصابة ، ويرجع الضمير المجرور إلى الميت مع حذف العائد ، فيكون المعنى إغسل موضع إصابة الثوب من الميت ، نظير صحيحة علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام قال :
" وسألته عن الرجل يعرق في الثوب ولم يعلم أن فيه جنابة ، كيف يصنع ؟ هل يصلح أن يصلي قبل أن يغسل ؟ قال :
إذا علم أنه إذا عرق فيه أصاب جسده من تلك الجنابة التي في الثوب فليغسل ما أصاب من ذلك " الخ ( 3 ) .
والمظنون وإن كان الاحتمال الاول ، لكنه ظن خارجي غير حجة * ( هامش ( 1 ) و ( 2 ) الوسائل - الباب - 34 - من ابواب النجاسات الحديث 2 - 1 .
( 3 ) الوسائل - الباب - 7 - من ابواب النجاسات - الحديث 10 . ( * )
إن قلت لا فرق بين الاحتمالين في فهم نجاسة الميت بعد كون الارتكاز على أن الغسل انما هو بالسراية والرطوبة ، ومعه تدلان على نجاسته عينا كباقي النجاسات .
قلت :
ما هو المرتكز عند العرف أو المتشرعة أن ملاقي النجس لا ينجس إلا مع السراية والرطوبة السارية ، وأما ارتكازية أن الامر بغسل ملاقى كل شئ للسراية فغير معلومة ، فان علم أن الكلب نجس
وقيل :
إغسل ثوبك إذا أصاب الكلب ، يفهم منه أن الغسل لدى السراية كسائر النجاسات ، وأما لو احتمل عدم نجاسة شئ ولزوم تطهير ملاقيه تعبدا ، فلم يثبت ارتكاز بعدم لزوم الغسل إلا بالسراية .
ومنها رواية الاحتجاج قال :
" مما خرج عن صاحب الزمان عليه السلام :
إلى محمد بن عبدالله بن جعفر الحميري حيث كتب اليه روي لنا عن العالم عليه السلام أنه سئل عن إمام قوم يصلي بهم بعض صلاتهم وحدثت عليه حادثة ، كيف يعمل من خلفه ؟ فقال :
يؤخر ويتقدم بعضهم ويتمم صلاتهم ، ويغتسل من مسه ، التوقيع :
ليس على من مسه إلا غسل اليد " الخ ( 1 ) .
وعنه عليه السلام قال :
" وكتب اليه عليه السلام وروى عن العالم عليه السلام أن من مس ميتا بحرارته غسل يده ، ومن مسه وقد برد فعليه الغسل ، وهذا الميت في هذه الحال لا يكون إلا بحرارته ، فالعمل في ذلك على ما هو ؟ ولعله ينحيه بثيابه ولا يمسه ، فكيف يجب عليه الغسل ؟ التوقيع :
إذا مسه في هذه الحال لم يكن عليه
ويمكن أن يقال :
إن ظاهرهما أن المس بلا رطوبة موجب لغسل اليد ولا أقل من الاطلاق ، إلا أن يقال :
إنهما بصدد بيان حكم المستثنى منه لا المستثنى فلا إطلاق فيهما ، وفيه تأمل لقوة إطلاقهما بالنسبة إلى حال اليبوسة ، بل القدر المتيقن منهما ذلك . خصوصا مع أن الظاهر منهما أن الموضوع في غسل اليد وغسل المس واحد ، فيشك ظهورهما في النجاسة ، لما عرفت من أن لزوم الغسل لاجل النجاسة ملازم للسراية وعدم سرايتها من اليابس ارتكازي عقلائي .
ومنها رواية الحسن بن عبيد قال :
" كتبت إلى الصادق عليه السلام هل اغتسل أمير المؤمنين عليه السلام حين غسل رسول الله صلى الله عليه وآله عند موته ؟ فأجابه :
النبي طاهر مطهر ، ولكن فعل أمير المؤمنين عليه السلام ، وجرت به السنة " ( 2 ) بدعوى ظهورهما في اختصاص الطاهرية والمطهرية بالنبي صلى الله عليه وآله ، ويلحق به سائر المعصومين عليهم السلام بمقتضى المذهب ، وأما غيرهم فمسلوب عنه هذه الخاصية ، لكن في دلالتها بعد ضعف سندها إشكال ، لقوة احتمال أن يكون المراد الطهارة من الحدث الحاصل للميت ، سيما مع ما ورد من أن علة غسل الميت هي الجنابة الحاصلة له بواسطة خروج النطفة التي خلق منها ، والنبي صلى الله عليه وآله لا تصيبه الجنابة بغير اختياره ، بل هي المناسبة للسؤال لا النجاسة العينية .