کتاب الطهارة

سید روح الله الخمینی

جلد 3 -صفحه : 76/ 10
نمايش فراداده

( 2 ) الوسائل - الباب - 54 - من ابواب الاطعمة المحرمة الحديث 6 .

( 3 ) مرت في الصفحة 46 . ( * )

59

المحقق وأجاب عنها ، لان الحل ظاهر في حلية اللحم ، ولهذا تختص ببعض السموك .

وقد يقال :

إن نظر الشيخ إلى صحيحة ابن الحجاج قال :

" سأل أبا عبدالله عليه السلام رجل وأنا عنده عن جلود الخز ، فقال :

ليس به بأس ، فقال الرجل :

جعلت فداك إنها علاجي ، وانما هي كلاب تخرج من الماء ، فقال أبوعبدالله عليه السلام :

إذا خرجت من الماء تعيش خارجة من الماء ؟ فقال الرجل :

لا ، قال :

ليس به بأس " ( 1 ) بدعوى أن ظاهر التعليل نفى البأس من كل ما لا يعيش إلا في الماء ، فكأنه فهم من ذلك طهارة ميتته ، لعدم معهودية ذبحه وعدم إشعار في الرواية باشتراطه .

وفيه أن الشبة في الخز انما هي من قبل عدم تذكيته وإخراجه من الماء وأخذ الجلد بلا ذبح ، ونفي البأس لاجل أن أخذه من الماء ذكاته ، وتشهد لذلك رواية ابن أبي يعفور قال :

" كنت عند أبي عبدالله عليه السلام إذ دخل عليه رجل من الخزازين ، فقال له :

جعلت فداك ما تقول في الصلاة في الخز ؟ فقال :

لا بأس بالصلاة فيه ، فقال له الرجل جعلت فداك إنه ميت ، وهو علاجي وأنا أعرفه ، فقال أبوعبدالله عليه السلام :

أنا أعرف به منك ، فقال له الرجل :

إنه علاجي وليس أحد أعرف به مني ، فتبسم أبوعبدالله عليه السلام ثم قال :

أتقول إنه دابة تخرج من الماء أو تصاد من الماء فتخرج فاذا فقد الماء مات ؟ فقال الرجل :

صدقت جعلت فداك هكذا هو ، فقال له أبوعبدالله عليه السلام :

فانك تقول :

إنه دابة تمشي على أربع وليس هو في حد الحيتان فتكون ذكاته خروجه من الماء ، فقال له الرجل :


هامش: ( 1 ) الوسائل - الباب - 10 - من ابواب لباس المصلي - الحديث 1 . ( * )

60

إي والله هكذا أقول ، فقال له أبوعبدالله عليه السلام :

فان الله تعالى أحله وجعل ذكاته موته ، كما أحل الحيتان وجعل ذكاتها موتها " ( 1 ) .

وهي كما ترى ظاهرة في أن الشبهة فيه إنما هي في كونه ميتة لعدم تعارف ذبحه ، وليس مثل الحيتان يكون خروجها من الماء ذكاتها ، فأجاب بأنه مثلها في ذلك ، ولا يبعد أن تكون رواية ابن الحجاج أيضا حكاية عن هذه القضية التي حكاها ابن أبي يعفور ، فترك ابن الحجاج 1مالا دخالة له في الحكم ، ونقل بالمعنى ما هو دخيل فيه ، ولو كانت الواقعة قضيتين فلا ريب في أن الشبهة ما ذكرناه ، فتكون الرواية أجنبية عما نحن بصدده ، ولا أظن أن الشيخ كان متمسكه هذه الصحيحة أو الذي ذكره المحقق ، بل الظاهر عثوره على رواية بالمضمون المحكي .

وأما الآدمي منها فهل هي نجسة أم لا ؟ وعلى الاول هل هي نجسة عينا أو حكما ؟ وعلى التقديرين هل تكون نجاستها على حذو سائر النجاسات في السراية فلا تسري إلا بالملاقاة معها رطبا بنحو يتأثر منه الملاقي أم تسري مع اليبس أيضا ؟ وعلى التقادير هل يكون حال ملاقى ملاقيها كسائر النجاسات أم لا ؟ ربما يتشبث القائل بعدم النجاسة العينية بوجه عقلي ، وهو أن عين النجاسة لا يعقل رفعها وزوالها بالاغتسال مع أن الميت بعد الغسل طاهر بلا إشكال .

وفيه أن ذلك موجه لو كانت أعيان النجاسات أمورا تكوينية ويكون الميت كالمني والعذرة قذرا ذاتا ، ويكون منشأ نجاسته شرعا قذارته الذاتية ، لكن قد عرفت أن القذارات الشرعية مختلفة ، فمنها ما هي مستقذرة عرفا كالاخبثين . ومنها ما ليست كذلك كالكافر والخمر فان القذارة فيهما مجعولة لجهات أخر غير القذارة العرفية والذاتية ،


هامش: ( 1 ) الوسائل - الباب - 8 - من ابواب لباس المصلي - الحديث 4 . ( * )

61

ولا مانع من أن تكون نجاسة الميت كذلك ، أي مجعولة لجهة مرفوعة بالغسل .

ولو قيل :

إن الميت ولو كان آدميا مستقذر عرفا ، وكان الناس تستقذره وتتجنب منه ، ولعله منشأ الحكم بنجاسته ، لقلنا :

هذا لو صح يوجب بقاء نجاسته حتى بعد الغسل ، فلابد أن يقال بعدم طهارته بالغسل ، لا عدم نجاسته بالموت ، ضرورة أن التجنب الاحتراز والاستقذار باق بعد الغسل أيضا ، والتحقيق أن النجاسة في مثله مجعولة كرافعها ، فلا إشكال عقلي في المقام .

وظني أن الاشكالات في خصوص ميتة الآدمي نشأت غالبا من توهم دلالة الروايات على وجوب غسل ملاقيها ولو مع اليبس ، فظن أن الميتة ليست كسائر النجاسات المتداولة ، فمنهم من التزم بعدم النجاسة ومنهم من التزم بالنجاسة الحكمية ، وهو أيضا يرجع إلى الالتزام بعدم النجاسة ، فانه لا معنى للنجاسة الحكمية إلا لزوم ترتب آثارها تعبدا على ما ليس بنجس .

وإن قيل إن المراد بالنجاسة الحكمية هي الجعلية مقابل العرفية والذاتية ، قلنا :

إن لازمه الالتزام بالنجاسة الحكمية في الكافر والخمر بل الكلب أيضا مع عدم التزامهم بها في سائر النجاسات ، فأساس الالتزام بالنجاسة الحكمية وكذا الالتزام بعدم سرايتها إلى ما يلاقيها - فلا ينجس ملاقى ملاقيها - لا يبعد أن يكون البناء على لزوم غسل الملاقي ولو مع اليبوسة ، فيقال :

إنها لو كان نجسة كسائر النجاسات لكانت نجاسة ملاقيها للسراية كما في سائر أنواعها ، وهي لا تتحقق إلا مع الرطوبة ، وهذه لازم عرفي للنجاسات ، ومع فقده يكشف إما من عدم النجاسة رأسا ولزوم غسل ملاقيه تعبدا لا لتنجسه كلزوم غسل

62

المس ، أو من النجاسات الحكمية التي ترجع إلى عدم النجاسة .

فالاولى عطف الكلام إلى ذلك ، فنقول :

لولا الاجماعات المنقولة المتكررة في كلام الاصحاب على عدم الفرق بين الآدمي وغيره ، كمحكي ظاهر الطبريات وصريح الغنية والمعتبر والمنتهى ونهاية الاحكام والتذكرة والذكرى وكشف الالتباس والروض والدلائل والذخيرة وشرح الفاضل بل ومحكي الخلاف لامكن المناقشة في نجاستها لو خلينا والروايات .

بل يمكن المناقشة في الاجماع أيضا ، بدعوى تخلل الاجتهاد والجزم بعدم شئ عندهم إلا تلك الروايات التي باب الاجتهاد فيها واسع ولهذا اختلف الآراء في أصل النجاسة ، فان القول بالنجاسة الحكمية ، وعدم السراية إلى ما يلاقيها يرجع إلى عدم النجاسة كما مر .

بل لازم محكي كلام الحلي دعوى عدم الخلاف في عدم النجاسة العينية ، قال فيما حكي عنه في مقام الاستدلال على عدم السراية مع الرطوبة أيضا :

" لان هذه النجاسات حكميات وليست عينيات ولا خلاف بين الامة كافة أن المساجد يجب أن يجتنب النجاسات العينية ، وأجمعنا بغير خلاف على أن من غسل ميتا له أن يدخل المسجد ويجلس فيه ، فلو كان نجس العين لما جاز ذلك ، ولان الماء المستعمل في الطهارة الكبرى طاهر بغير خلاف . ومن جملة الاغسال غسل من مس ميتا ، ولو كان ما لا قى الميت نجسا لما كان الماء الذي يغتسل به طاهرا " انتهى فكأنه ادعى الاجماع بالملازمة على المسألة ، فلو كانت إجماعية بنفسها لا يتأتي له ذلك .

وليس المقصود في المقام تصحيح كلامه وصحة دعوى إجماعه حتى يقال :

إن للمناقشة فيه مجالا واسعا ، بل المقصود هدم بناء إجماعية المسألة ، وفتح باب احتمال اجتهاديتها .

63

وأما الروايات فما يمكن الاستدلال عليها للنجاسة كثيرة :

منها صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله عليه السلام قال :

" سألته عن الرجل يصيب ثوبه جسد الميت فقال :

يغسل ما أصاب الثوب " ( 1 ) ورواية ابراهيم بن ميمون قال :

" سألت أبا عبدالله عليه السلام عن رجل يقع ثوبه على جسد الميت قال :

إن كان غسل الميت فلا تغسل ما أصاب ثوبك منه ، وإن كان لم يغسل فاغسل ما أصاب ثوبك منه ، يعني إذا برد الميت " ( 2 ) .

وفيهما احتمالان :

أحدهما قراءة الثوب بالفتح على أن يكون مفعول أصاب ، فيكون المعنى :

إغسل ما وصل إلى ثوبك من الميت والمراد غسل الثوب مما أصابه منه وعلى هذا الاحتمال تكون الروايتان ظاهرتين في لزوم غسل الملاقي لاجل السراية ، ويكون المتفاهم منه عرفا بل عند المتشرعة نجاستها عينا كسائر النجاسات .

ثانيهما قراءته بالضم على أن يكون فاعله ، ويكون الموصول كناية عن موضع الاصابة ، ويرجع الضمير المجرور إلى الميت مع حذف العائد ، فيكون المعنى إغسل موضع إصابة الثوب من الميت ، نظير صحيحة علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام قال :

" وسألته عن الرجل يعرق في الثوب ولم يعلم أن فيه جنابة ، كيف يصنع ؟ هل يصلح أن يصلي قبل أن يغسل ؟ قال :

إذا علم أنه إذا عرق فيه أصاب جسده من تلك الجنابة التي في الثوب فليغسل ما أصاب من ذلك " الخ ( 3 ) .

والمظنون وإن كان الاحتمال الاول ، لكنه ظن خارجي غير حجة * ( هامش ( 1 ) و ( 2 ) الوسائل - الباب - 34 - من ابواب النجاسات الحديث 2 - 1 .

( 3 ) الوسائل - الباب - 7 - من ابواب النجاسات - الحديث 10 . ( * )

64

ولا يوجب الظهور ، نعم لو كان الاحتمال الثاني غلطا أدبا ، كما قد يدعى لتعين الاول ، لكنه غير متضح .

إن قلت لا فرق بين الاحتمالين في فهم نجاسة الميت بعد كون الارتكاز على أن الغسل انما هو بالسراية والرطوبة ، ومعه تدلان على نجاسته عينا كباقي النجاسات .

قلت :

ما هو المرتكز عند العرف أو المتشرعة أن ملاقي النجس لا ينجس إلا مع السراية والرطوبة السارية ، وأما ارتكازية أن الامر بغسل ملاقى كل شئ للسراية فغير معلومة ، فان علم أن الكلب نجس


المجلد:3 من ص 64 سطر: 9 الى ص 72 سطر: 9

وقيل :

إغسل ثوبك إذا أصاب الكلب ، يفهم منه أن الغسل لدى السراية كسائر النجاسات ، وأما لو احتمل عدم نجاسة شئ ولزوم تطهير ملاقيه تعبدا ، فلم يثبت ارتكاز بعدم لزوم الغسل إلا بالسراية .

ومنها رواية الاحتجاج قال :

" مما خرج عن صاحب الزمان عليه السلام :

إلى محمد بن عبدالله بن جعفر الحميري حيث كتب اليه روي لنا عن العالم عليه السلام أنه سئل عن إمام قوم يصلي بهم بعض صلاتهم وحدثت عليه حادثة ، كيف يعمل من خلفه ؟ فقال :

يؤخر ويتقدم بعضهم ويتمم صلاتهم ، ويغتسل من مسه ، التوقيع :

ليس على من مسه إلا غسل اليد " الخ ( 1 ) .

وعنه عليه السلام قال :

" وكتب اليه عليه السلام وروى عن العالم عليه السلام أن من مس ميتا بحرارته غسل يده ، ومن مسه وقد برد فعليه الغسل ، وهذا الميت في هذه الحال لا يكون إلا بحرارته ، فالعمل في ذلك على ما هو ؟ ولعله ينحيه بثيابه ولا يمسه ، فكيف يجب عليه الغسل ؟ التوقيع :

إذا مسه في هذه الحال لم يكن عليه


هامش: ( 1 ) الوسائل - الباب - 3 - من ابواب غسل المس - الحديث 4 . ( * )

65

إلا غسل يده " ( 1 ) .

ويمكن أن يقال :

إن ظاهرهما أن المس بلا رطوبة موجب لغسل اليد ولا أقل من الاطلاق ، إلا أن يقال :

إنهما بصدد بيان حكم المستثنى منه لا المستثنى فلا إطلاق فيهما ، وفيه تأمل لقوة إطلاقهما بالنسبة إلى حال اليبوسة ، بل القدر المتيقن منهما ذلك . خصوصا مع أن الظاهر منهما أن الموضوع في غسل اليد وغسل المس واحد ، فيشك ظهورهما في النجاسة ، لما عرفت من أن لزوم الغسل لاجل النجاسة ملازم للسراية وعدم سرايتها من اليابس ارتكازي عقلائي .

ومنها رواية الحسن بن عبيد قال :

" كتبت إلى الصادق عليه السلام هل اغتسل أمير المؤمنين عليه السلام حين غسل رسول الله صلى الله عليه وآله عند موته ؟ فأجابه :

النبي طاهر مطهر ، ولكن فعل أمير المؤمنين عليه السلام ، وجرت به السنة " ( 2 ) بدعوى ظهورهما في اختصاص الطاهرية والمطهرية بالنبي صلى الله عليه وآله ، ويلحق به سائر المعصومين عليهم السلام بمقتضى المذهب ، وأما غيرهم فمسلوب عنه هذه الخاصية ، لكن في دلالتها بعد ضعف سندها إشكال ، لقوة احتمال أن يكون المراد الطهارة من الحدث الحاصل للميت ، سيما مع ما ورد من أن علة غسل الميت هي الجنابة الحاصلة له بواسطة خروج النطفة التي خلق منها ، والنبي صلى الله عليه وآله لا تصيبه الجنابة بغير اختياره ، بل هي المناسبة للسؤال لا النجاسة العينية .