مما يناسب فيه المسموع المرئي، ولا بد أن يكون كل وزن مناسباً لغيره من إحدى الجهات مناسبة قريبة أو بعيدة) (1).
وعلى ذلك فإن أهم الأسس التي يقوم عليها الوزن في منظار الشعر الحر، هي وحدة التفعيلة التي تتكرر مرات مختلفة في السطر الواحد، وهو ما يتناسب مع رؤية القصيدة العربية التي (يحرص -الشاعر فيها -على إعطاء ذلك في البيت ما يستقل في إفادته، ثم يستأنف في البيت الآخر كلاماً كذلك، ويستطرد للخروج من فنّ إلى فنّ، ومن مقصود إلى مقصود، بأن يوطئ المقصود الأول ومعانيه إلى أن تناسب المقصود الثاني، ويبعد الكلام عن التنافر) (2).
وهذا الفهم، لا يكاد يختلف عن منظور بعض النقاد المعاصرين فيما يتعلق بأطوال الأسطر أو عدد تفعيلاتها، أو تنويع هذه التفعيلات، حذر الخروج في قصائدهم على مألوف القصيدة العربية وموسيقا الشعرية، لأنها في هذه الحالة "تبدو قبيحة الوقع، عسيرة على السمع (3).
وطبيعي أن تكون هذه العناصر المتقدمة من أطوال الأسطر وعدد تفعيلاتها والتنوّع فيها وانفراد بعضها أو مشاركتها غيرها في القصيدة، هي مدار الاهتمام في قضية الوزن الشعري الذي نسجت على أساسه هذه "الملحمة"، فهذه الخصائص الثلاث ليست خارجة عن هذه الصناعة الشعرية، وإن بدت أنها صور لتراكيب منتظمة.
ولعله من متممات النظر في الأجزاء التي تأتلف منها مقادير الأوزان في طول أسطر الأشعار لهذا العمل الذي نحن بصدده، أن نتعقب ذلك بالنظر الإحصائي الدقيق، غير أن هذا الأمر عسير جداً، لأنّ طبيعة العمل تكتنفه وحدة موضوعية متكاملة، بعيدة عن معيار القصيدة الواحدة التي يمكن تتبع عدد تفعيلات كل سطر من أسطرها، "فالملحمة" -كما قلنا -تأتلف من وحدات كثيرة وهي: الصيحة الأولى، والصيحة الثانية، والصيحة الثالثة، والحساب، والمطهر، والشفاعة، والنار والجنة، وذبح الموت، إضافة إلى أن هذه الوحدات تنتظمها أساليب متباينة ليست من القياس في شيء، إنما هي أشكال ترسخ في النفس من تتبع تراكيب الشعر العربي.
(1)-منهاج البلغاء، ص 266. (2)-مقدمة ابن خلدون، ص 1299. (3)-الملائكة، نازك، 1965 -قضايا الشعر المعاصر، مكتبة النهضة، بغداد، الطبعة الثانية، ص 103.