تاریخ التشیع الفکری و السیاسی

السید صدرالدین القبانچی

نسخه متنی -صفحه : 91/ 5
نمايش فراداده

فهناك الغزارة في العلم أقصى ما تكون الغزارة، حتّى ليجلس العلماء عندهم صغاراً. وفي ذات الوقت لا تجد أن أحداً من هؤلاء الائمة أخذ العلم عن أحد سوى البيت النبوي.


الصفحة 15


وهناك الغزارة في هضم الرسالة وتجسيدها، والالتحام معها حتّى لا تجد لهم هفوة، أو انحراف عن خط الرسالة في لحظة من لحظات حياتهم.
وهناك التضحية والفداء، والتفاني المطلق في سبيل مصلحة الرسالة كما ان هناك أقصى درجات الوعي لأساليب العمل.
ومن ذاك كانوا أئمة باعتراف جميع المسلمين.
(2)
نشأة التشيع
متى نشأ التشيع؟
هل في عصر الرسول (ص)؟
أم في عصر الصحابة؟
أم في عصور متأخرة عن ذلك؟
والتشيع الذي نبحث عن نشأته ليس هو الدعوة لـ (علي) والانتماء له سياسياً، فقد وجد ذلك بعد عصر الرسول (ص) مباشرة إنما التشيّع هو (الايمان بالنص).
هو الايمان بأن الرسول (ص) نص على إمامة علي واهل البيت عموماً، الامامة في المجال السياسي والمجال الفكري العلمي.


الصفحة 16


هذا هو التشيع. فالسؤال إذن يجب ان يطرح بهذه الصياغة: متى انبثقت فكرة النص؟ ومتى ظهر الالتزام بها؟
والذين دعوا لعلي (ع) من الصحابة، أمثال أبي ذر، وسلمان وعمار والمقداد هؤلاء هل كانوا يؤمنون بالنص، وينطلقون من هذه النظرية؟ أم انهم آمنوا بعلي لمؤهلاته المتميزة النادرة، لسبقه في الإسلام وقربه من الرسول وحجم استيعابه للرسالة. فهناك قضية فرغ عنها الباحثون وهي: ان اتجاهاً عميقاً وعريقاً ظهر بعد وفاة الرسول (ص) ينتمي إلى علي، ويدعو لأمامته، وكان ممثلوا هذا الاتجاه من خيار الصحابة وكبارهم، وقد ناهضو في البداية حكم ابي بكر، وامتنعوا عن البيعة له. غير ان هذا السؤال هو: هل كان هذا الاتجاه يؤمن بفكرة النص، ليعتبر هو البداية التأريخية للتشيع؟ هناك من يذهب ـ بالطبع ـ إلى ان فكرة النص لم تكن معروفة لدى جيل الصحابة، وإنّما هي فكرة اصطنعها شيعة علي في مرحلة متأخرة وفي ظل ظروف سياسية وفكرية معيّنة.
في البداية لم تكن فكرة النص.
لم يكن سوى اشخاص دعوا لعلي على أساس قابلياته الشخصية، وقربه من الرسول (ص) وسبقه إلى الإسلام.
واستمرت الحركة لعشرات السنين، وهي لا تتجاوز هذا الأفق غير ان الشيعة من أجل تحصين حركتهم واسباغها طابع الشرعية، اصطنعوا فكرة النص، وتذرعوا بها. بينما لم يكن لهذه الفكرة اي اساس من قبل، وفي ضوء هذا التصور يفقد التشيع شرعيته وحقانيته، لانه لا نص من الرسول ولا استخلاف، إنّما هي مزاعم صنعها رجال متأخرون. هذا الرأي يذهب إليه باحثون من أهل السّنة.
أما الشيعة فأنهم يؤكدون باصرار ممثال ان الدعوة لعلي منذ ان بدأت كانت تؤمن بالنص، وتعتمد عليه وان الصحابة الذين التزموا جانب علي بعد الرسول (ص) هم الروّاد الأوائل للتشيع.


الصفحة 17


ومنذ كانت الحركة كان الايمان بالنص.
فهي فكرة ليست مستحدثة، أو مصطنعة، أو