فارس حين عقد للحروف المفردة الدالة على المعنى باباً في كتابه الصاحبي قائلاً: "وللعرب الحروف المفردة التي تدل عل المعنى، نحو التاء في !خرجْتُ! ! وخَرَجْتَ! والياء "ثوبي" وفَرَسي."
إن ما يلاحظ على الحروف التي ذكرها ابن فارس والتي يرى أنها تحمل دلالة معنية إنما هي الضمائر المتصلة التي تلحق الأفعال لتدل وتحدد من قام بالفعل هل المتكلم أم المخاطب ففي قوله خَرَجْت فإن وظيفة التاء تتجسد في الدلالة على المتكلم أما قوله خَرَجت فإن المخاطب فيه يتميز بالتاء المتحركة التي تلحق آخره وتؤدي حركة التاء إلى قيم خلافية بين التذكير والتأنيث في المفرد. فالفتح في التاء للمذكر وأما الكسر فهو للمؤنث، وعليه يمكننا القول إن الحركة تحدد القيمة الدلالية للشخص في التذكير والتأنيث وتمثل على ما يلي تَ # تِ. أما في قوله ثوبي وفَرسي فإن هذه الياء تحمل قيمة دلالية هي الملكية.
وقد تختزل الأفعال الثلاثية الواوية الفاء في حرف واحد وتبقى دالة على أفعالها ويعرض ابن فارس ذلك في قوله: "ومنها حروف تدل على الأفعال نحو!إ زيداً أي عِدْه. و!ح! من وَحَيْتُ و!دِ! من وَدَيْتُ. و!شِ! من !وَشَيْتُ الثَوْبَ، و!عِ! من وَعَيْتُ... إلا أن حذَّاق النحويين يقولون في الوقف عليها: !شِه! و!دِهْ! فيقفون على الهاء."
وإذا كان للكلمة بأقسامها الثلاثة أهمية بالغة في اللغة العربية في تحديدها للدلالة إذا لا يكاد يخلو التركيب اللغوي منها أو من بعضها، فإن الفارابي قد تناول هذه العناصر الأساسية بالدراسة وعمل على تحديد الدلالة الإفرادية للفظ الواحد منه والمركب على السواء، كما نجده قد تناول ترتيب أصناف الكلمات كما تناولها النحو "فالألفاظ الدالة منها مفردة تدل على معان مفردة، ومنها مركبة تدل أيضاً على معان مفردة... والألفاظ الدالة على المعاني المفردة ثلاثة أجناس:
اسم وكلمة (فعل)، وأداة (حرف)، وهذه الأجناس الثلاثة تشترك في أن كل واحد منها دال على معنى مفرد."
وقد تابع دراسة دلالة الألفاظ في كتابه إحصاء العلوم عندما أحصى علوم اللسان وهي عنده سبعة: "علم الألفاظ المفردة، وعلم الألفاظ المركبة وعلم قوانين الألفاظ عندما تكون مفردة وقوانين الألفاظ عندما تركب، وقوانين تصحيح الكتابة، وقوانين تصحيح القراءة، وقوانين الأشعار."
ثم يواصل حديثه عن دلالة اللفظية وهي عنده "الدالة على أجناس الأشياء وأنواعها وحفظها وروايتها كلها، الخاص بذلك اللسان والدخيل فيه، والغريب عنه والمشهور عند جميعهم." فهذا النص يبين لنا بأن الفارابي قد أعطانا تصوراً لدراسة الألفاظ قريباً من الدراسة المعجمية له ويستشف ذلك من خلال قولـه بأن اللفظة دالة على أجناس الأشياء وأنواعها، وهذا لا نجده إلا في المعاجم.
وبعد الحديث عن اللفظة المفردة ودلالتها يتدرج إلى الحديث عن دلالة التركيب اللغوي وهذا مرتبط ارتباطاً وثيقاً بعناصر الجملة النحوية أو التركيبية SYNTAXIQUE حيث يرى أن "القول وهو لفظ مركب دال على جملة معنى، وجزؤه دال بذاته لا بالعرض على جزء ذلك المعنى" ، لأن العبارة مركبة من أجزاء هي أسماء أو أفعال ولكل منها دلالة جزئية، تحتويها الدلالة العامة للقول أو التركيب.
وهكذا فقد أثرى الدرس الدلالي بسعته وعمقه إثراء عظيماً هذا المستوى من مستويات الدرس اللغوي العربي، حيث نجد العلماء العرب قد ألفوا فيه وأبدعوا من ذلك تلك الرسائل الدلالية والمعاجم المتخصصة وغيرها من القضايا المتعلقة بالترادف والاضداد والمشترك اللفظي والقضايا الدلالية المتعلقة بالعلاقة بين الدال ومدلوله والحقيقة والمجاز وغيرها مما لا يتسع المجال لذكره كلية. أضف إلى ذلك أن الجانب الديني كان له تأثير هام إذ استطاع إثارة الكثير من المسائل العلمية، من ذلك ما يسمى بالألفاظ !الإسلامية!؛ حيث نجد بأن الدين الإسلامي قد جاء بمجموعة من المفردات الجديدة أو عمل على تغيير دلالتها لجعلها تتناسب وتتماشى دلالياً مع المجتمع الإسلامي الجديد، وهكذا فقد أغنيت الدراسات اللغوية باختلاف مستوياتها بهذا العلم وأصبح يؤلف فيه إلى يومنا هذا.