دلالة الایحائیة فی الصیغة الافرادیة

صفیة مطهری

نسخه متنی -صفحه : 142/ 53
نمايش فراداده

وأَخِّرَنْ ذَا إِنْ سِوَاهُ صَحِبَا

لقد تطرق ابن مالك في هذا البيت إلى أنواع الاسم وهي عنده ثلاثة: اسم وكنية ولقب. ولكل منها ملامحه وإيحاءاته الدلالية.

1-الاسم المفرد: إن الاسم المفرد هو الدال بأصواته على خلفية دلالية، وقد استعمل ابن مالك اسم جعفر واستعمل غيره من النحاة اسم زيد، ودلالة جعفر أقوى من دلالة زيد، لكن هذا الأخير يكثر ذكره لخفته على اللسان، ولكثرة استعماله في أمثلة الدراسات اللغوية ويأتي مقروناً بعمرو دائماً، وكلاهما ثلاثي ساكن الوسط يسهل نطقه ويجب تصريفه حتى وإن كان أعجمياً.

أما المجال الثاني من أسماء الذوات الدال بصوته على بعد أو خلفية دلالية فهو الكنية: والكنية عند العربي علامة الأصل والتأصيل والانتساب معاً. فالعربي يتكنى لأهله بالرجوع إليهم، فهو ابن فلان، أو أبو فلان. وهذا الأخير ينتسب به العربي "توقيراً وتعظيماً، وتقوم الكنية مقام الاسم فيعرف صاحبها بها كما يعرف باسمه، كأبي لهب اسمه عبد العُزى" وفي مجمل وظيفة الكنية تذكر أو توقع أو هما معاً، فيقال للرجل أبو فلان قبل أن يتزوج توقعاً وتفاؤلاً على ما أسلفت. وقد لا نجد عربياً لا يحمل كنية ولا ينتسب إلى غيره، ولنا في رسول الله (ص) أسوة حسنة فهو المصطفى المختار، كان يقول أنا ابن عبد الله وأبو القاسم.

والكنية تحمل بعدين، حاضراً حقيقياً، مع ماضٍ أو مستقبل. وقد يغيِّر الرجل كنيته بتغيير حاله فأبو بكر الصديق رضي الله عنه اسمه الأصلي هو عبد الله بن أبي قحافة، والقحاف السيل الجارف، فهو يلتقي مع جعفر النهر الصغير، في عنصري الماء والقوة. ومن هنا يمكننا أن نعرف أصل الحياة العربية وطابعها من معرفة خلفيات أسماء أهلها.

وما ينبغي الإشارة إليه بالإضافة إلى جميع ما فات، أن الكنية تعني فيما تعنيه أصلاً، التخلي عن الأنانية إلى الجمعية، ويستقى من هذا أن الكنية هي مفهوم الرقي المجتمعي. فالذي يتكنى هو مختار بين أمرين إما أن يتنازل عن ذاتيته لأصوله فيقال له ابن فلان، وإما أن يتنازل عن ذاتيته لفروعه ويقال له حينها أبو فلان. وفي الحالتين لا نعرف الاسم الحقيقي لأبي علي، ولا نعرف الاسم الحقيقي لابن علي مثلاً. والغالب على الكنية أن ينسب المكنى إلى أصوله، لأنها حقيقة معروفة. أما التكني بالفروع ففيه نظر، ولذلك رأوا أن يكون التكني بالأصول فقالوا:


  • وكنيةٌ بالأبِ أوْ بالأُمِّ ولَقَبٌ بالمدحِ أَوْ بالذَّمِّ

  • ولَقَبٌ بالمدحِ أَوْ بالذَّمِّ ولَقَبٌ بالمدحِ أَوْ بالذَّمِّ

3-اللقب: أما النوع الثالث فهو اللقب، والغالب على اللقب في المفهوم العربي أن يكون للذم، خلافاً لما في عجز البيت السابق: ولقب بالمدح أو بالذم. وقد جاء في لسان العرب "والتنابز التداعي بالألقاب وهو يكثر فيما كان ذماً".

وقد عمل ابن مالك بمفهوم ما في البيت وليس بما ذهب إليه صاحب اللسان.

ويظهر أنه ساير التطور والتجديد في اللغة. والمثل الذي جاء به شارحو الألفية اعتبروا فيه المدح والذم معاً ورجحوا المدح عن الذم. ففي دليل السالك "ولقب نحو زين العابدين".

واللقب والكنية كلاهما مركبان من وحدتين، إلا أن الكنية تجمع بين اسمين، واللقب بين وصفين، وبذلك تميل الكنية إلى الاسمية واللقب إلى الوصفية، ولم يرد في التركيب النحوي ما يطلق عليه بالتركيب الوصفي عند ابن مالك، وإنما أشار ابن مالك إلى ما يسمى بالمركب المفرد في مثل "عبد الله كرز". ولكن في التقسيم تشيع ثلاثة أنواع من المركبات: "المركب الإسنادي كبرق نحره، وشاب قرناها. والمركب المزجي كبعلبك وحضرموت. والمركب الإضافي كعبد الله وأبي قحافة".

واللقب الذي يكون للمدح والذم في الاستعمال، فإن خلفيته وإيحاءاته الدلالية هي التأكيد. فاسم زين العابدين فيه إشارتان طيبتان، الأولى هي الحسن والجمال في الكلمة الأولى "زين"، والثانية الطاعة والانصياع "العابدين"، وفي الكلمتين معاً جمال وحسن وطاعة وانصياع، ومجملها الخلق الحسن. ولا شك أن سماع هذا الاسم له على الأذن وقعه، وفي النفس أثره، وعلى العمل تأثيره. ومثله نور الدين وخير