عرب و تحدیات المستقبل، رؤیة و موقف

حسین جمعة

نسخه متنی -صفحه : 141/ 126
نمايش فراداده

فالأنانية ـ كما يقول أريك فروم ـ لم تسم السلوك بميسمها فحسب وإنما طالت الشخصية بحيث أصبح شعار الإنسان: "إني أريد كل شيء لنفسي وإني أجد المتعة في الاقتناء وليس في المشاركة". فأشبع الجشع وخصومه الآخرين وخداعهم واستغلالهم.

وهكذا يجد المرء نفسه أمام تساؤلات كثيرة على المستوى الأخلاقي وفي مستوى القيم. كان السلوك الاقتصادي في مجتمع ما قبل الصناعة محكوماً بمبادئ أخلاقية حتى أنه كان من المعروف أن لكل مهنة أو حرفة أخلاقياتها، وكانت النقابات الحرفية تضطر الخارج عن أعرافها وتقاليدها إما الإذعان وإما مغادرة الحرفة. لكن التحول الصناعي الكبير جعل السلوك الاقتصادي منفصلاً إلى حد بعيد عن النظام الأخلاقي والقيمي السابق واستقر في التعاملات الشخصية مبدأ (العمل هو العمل..). وأحدث هذا المبدأ تحولاً في سلوك الناس تمثل في عداء لا محدود تجاه الطبيعة، حتى أصبحت مسائل التلوث وتدمير البيئة على سبيل المثال من المشاكل المعقدة والمخيفة. (ويندرج موقف الولايات المتحدة الأمريكية حالياً من البيئة والارتفاع الحراري لكوكب الأرض في هذا الاتجاه الأخلاقي).

انطبعت الشخصية في عصر التحدي التكنولوجي، فيما أصبح أحد أهم ركائز المجتمع الحديث، المتمثلة في التملك والاقتناء والربح.

فموقف الفلاح والعامل الحرفي قبل العصر الصناعي من الطبيعة كان موقفاً يقوم على التعاون معها وإعادة تشكيلها وفقاً لقوانينها هي. بينما أخذ العصر الصناعي يعلي المصلحة الذاتية على المصلحة العامة، وأذكى العداء المتبادل بين الناس والأمم. فلا قدسية في الحضارة الصناعية إلا للعمل والملكية والربح والسلطة. ونمت الفردية ووضعت الحرية في حدود مبادئ هذا الجو العدائي . وصارت العلاقة مع البيئة علاقة اغتصاب بدلاً من التعاون.

وفي مجال الاقتناء والتعامل مع السلعة فقد تغيرت علاقة الشخص مع ما يشتريه. فحيث كان ما يُشترى يحافظ عليه. فإن ما يشترى اليوم هو للاستهلاك... الطعام واللباس والسيارة... تستخدم في حينها ثم ترمى هذه الأشياء إن استهلكت وصارت عديمة الفائدة.

ـ العولمة والشخصية:

تفرض العولمة نمطها الحياتي يوماً بعد آخر على الأفراد كما على الأمم. وأخطر ما يمكن تتعرض لـه الشخصية الإنسانية نمذجتها. فكما تفرض القوة المهيمنة نظامها وثقافتها بوسائل مسلحة بالتكنولوجيا والمعلومات فهي أيضاً تتحكم بهما. وأهم تحد للإنسان فرداً وجماعة في عالم اليوم هو التحدي المعلوماتي الذي يتعلق أساساً بجمع المعلومات وما يتفرع عنه من تراكم معلوماتي وتنظيم للمعلومات وتصنيفها واختيارها ونقلها. ولا مناص لأي أمة أو شخص من أ جل العيش الحقيقي من دون أن يحصل على المعلومات الدقيقة. وتاريخ البشرية مرتبط بدون فواصل عن وسائل تخزين المعلومات واختيارها ونقلها... وقد كانت جدران الكهوف الحجرية وألواح الصلصال الآشورية ومخططات المصريين البُردية ولفائف الإغريق الورقية أولى عجلات المعلومات التي سجلها أسلاف البشرية، وبعد ذلك كانت الآلة الكاتبة والهاتف والتلغراف فالمذياع والتلفاز والحواسب والفضائيات. .

كيف يتكيف الإنسان في العصر الحاضر مع عالم تتحكم في معارفه وتقنياته قوى بربرية؟... عرف الإنسان على مر العصور نماذج من التسلط وفرض نموذج للشخصية يتفق مع عقائد القوى المسيطرة ففي إسبارطة كانت التربية تعتمد على تنميط الناس وفق نموذج واحد يخدم سياسة القوة التي تبنتها دولة إسبارطة.

وشاهدنا في العصور الحديثة محاولات شتى تسعى بعض الأنظمة من خلالها إلى نمذجة العالم والأشخاص وفق صورة رسمتها إيديولوجياتها ومصالحها.

فقد طمح نابليون من خلال نظامه التربوي الذي أراد فرضه على النشئ الفرنسي وغيره من أبناء الأقطار التي وقعت تحت هيمنته هادفاً من ذلك إلى صنع الناس على صورة واحدة، وكذلك فعلت النظم العنصرية والفاشية وسائر النظم الشمولية وكان الإخفاق النتيجة التي حصدتها...

وفي الوقت الراهن، ومنذ أعلن (بوش الأب) بالفم الملآن (نحن الأمريكيون رقم واحد) . أخذ الرقم واحد يصنع عرشه ويمد