ـ التغير في أنماط الشخصية: - عرب و تحدیات المستقبل، رؤیة و موقف نسخه متنی
لطفا منتظر باشید ...
سلطانه ويحشر أنفه في كل صغيرة وكبيرة في هذا العالم. وفق هدف معلن (ولادة عالم جديد تتلاشى فيه الحدود بشكل لا يملك للسلطات المحلية الحد منه، أو التدخل الفاعل لمنعه، سلاحه تقدم وسائل الاتصال وعلوم الفضاء.
لم يبق للحدود القومية أي قدسية فهي منتهكة في معظم بلدان العالم..
وانبرى بعض المنظرين لتعريف السيادة في العلاقات الدولية المعاصرة على أنها العضوية في الأنظمة التي تشكل جوهر الحياة الدولية وتتيح تجزئة الدولة تجزئة السيادة بالمثل مع ضمان حصول مؤسسات الدولة النوعية على القوة والمكانة من خلال اشتراكها في النظام عبر الحكومي.
ويعتمد انتشار الشبكات عبر الحكومية على نقاط الالتقاء السياسية والمهنية أكثر مما يعتمد على الجدود الحضارية.
هذه التوجهات العولمية المسلحة بالمعلومات والتكنولوجية ولدت شعوراً بالدونية لدى الكثير من الأفراد والأمم.. حاول بعضها التغلب عليه في الخروج من جلد الشخصية الذي لا يقود إلا إلى حالات مرضية ليس الفصام أخطرها (فحين يخلع المرء ثوبه يبرد). وعبّر (إريك فروم) في كتابه خوف الحرية عن هذه الحالة بقوله: "إن فقدان الذات وإحلال ذات أخرى مكانها يدفعان الفرد إلى حالة من الشك وعدم الاطمئنان. إذ أن الشخصية هي في الأساس مرآة لتوقعات الآخرين من صاحبها بينما هو فقد هويته. وفي سبيل تجاوز حالة الهلع الناجمة عن خسارة الهوية ـ يضيف فروم ـ يضطر الشخص للبحث عن هوية ما من خلال قبول واعتراف مستمرين من الآخرين.
وأخطر ما في هذا الشعور بالدونية هو التطاول على خصائص الشخصية القومية والانحياز إلى ثقافة الاستهلاك، ثقافة الجينز والهمبرغر والجنس الرخيص وذلك ضمن التوحيد النمطي للثقافة العالمية: التلفزيون الأمريكي، الموسيقا الأمريكية، الطعام الأمريكي، اللباس الأمريكي، الأفلام الأمريكية، الصناعات التربوية، عالم والت ديزني.
إغلاق الصناعات الثقافية المحلية لأبوابها تحت تأثير هكذا ثقافة وتكشف (كريستا فيشتريش) وجهاً آخر للعولمة من خلال نتائج ما تتحدث عنه الأمم المتحدة من تأنيث التشغيل من حيث الثمن الذي تدفعه النساء والذي يتمثل في ظروف عمل سيئة، وتضرب مثالاً عليها ما يجري في شركة (نايك) الأمريكية في فييتنام هناك حقوق مهضومة وتهديد للصحة وتحرش جنسي حيث يدفع الفقر بالنساء إلى أن يكونوا أكثر طواعية في قبول أكثر ظروف العمل بؤساً، وليكنّ أكثر قابلية للابتزاز، تصطاد اتحادات الشركات على طريقة رعاة البقر القوى العاملة الأنثوية الرخيصة. فالنساء بنظر أرباب العمل أكثر مرونة من الرجال أي بالقبول بأجر أدنى وبطاعة عمياء، إضافة إلى أن عمل المرأة لا يعني إعفاءها من تقسيم العمل داخل المنزل، هذا إلى جانب قبول الجسد الأنثوي لأن يكون بضاعة أو صناعة عالمية في الإعلانات، ترويج المخدرات، التهريب، تجارة السيارات (كثيراً ما يدفع ثمن السيارة في أوروبا الشرقية بالنساء)، وأكبر نسبة من العاهرات في شارع القيصرة في مدينة فرانكفورت هن من نسوة العالم الثالث. إنهن بضاعة. خرجت المرأة من رحمة السماء إلى رحمة السوق.
ـ التغير في أنماط الشخصية:
يقول ابن خلدون في المقدمة:
"إن أحوال العالم والأمم وعوائدهم ونحلهم لا تدوم على وتيرة واحدة، ومنهاج مستقر، إنما هو الاختلاف على الأيام والأزمنة وانتقال من حال إلى حال. وكما يكون ذلك في الأشخاص والأوقات والأبصار، فكذلك يقع في الأقطار والآفاق والأزمنة والدول".
وابن خلدون بذلك لا يأخذ بمفهوم الهوية أو الشخصية المكتملة لأنه يرى أن الإنسان: "ابن عوائده ومألوفاته لا ابن طبيعته ومزاجه".
فالتغيرات البيئة تؤثر في الشخصية وتغير فيها من جوانب مختلفة معرفية ومهارية ووجدانية وكذلك على مستوى الإرادة فأثناء نمو الشخصية ترغم على التخلي عن معظم رغباتها واهتماماتها المستقلة الأصيلة وإرادتها الشخصية. فكأن الإرادة لدى الراشد ـ كما يقول إريك فروم ـ هي إرادة مصنوعة ومكيّفة كما هو الحال بالنسبة