بل من القيم نبدأ! - عرب و تحدیات المستقبل، رؤیة و موقف نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

عرب و تحدیات المستقبل، رؤیة و موقف - نسخه متنی

حسین جمعة

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

بل من القيم نبدأ!

عبد الوهاب محمود المصري

يحكى أن حكيماً قديماً شغل نفسه بالتفكير في تكون الأمم ومصائرها. وقد حدث يوماً، أن جاءه طلبته، فأحاطوا به في حلقة ذات جلال

وهيبة، وتقدم أحدهم بكل هدوء واحترام، فسأل الحكيم: سيدي. إننا ما جئناك إلا بعد أن أخذ الإعياء منا مأخذاً شديداً. كنا نتناقش أنا ورفاقي واشتد بنا الجدال حول شروط تكون الدولة ومقوماتها التي تجعلها ذات مكانة في التاريخ. وقد اختلفت آراؤنا، وتباينت نظراتنا، فرغبنا أن نلجأ إليك وأنت الحكيم الذي قضى عمره في التفكير في هذه المشكلة الأخلاقية السياسية، راجين أن تتكرم علينا بغيض من فيض حكمتك.

قال الحكيم: يا طلاب الحكمة. إن الحديث في هذا الأمر يطول، ولكني أختصره اختصاراً لأني أراكم تعبين من الجدال والمناقشة.. تخبرنا حكمة التاريخ أن الأركان الرئيسة للدولة لا تتجاوز ثلاثة أركان: القيم، والقوت، والجيش.

فسأله طالب آخر: سيدي. إذا اقتضى الأمر أن نضحي بواحد من هذه الأركان الثلاثة، فبأيها نضحي؟ فأجاب الحكيم: نضحي بالجيش، ونبقي على القوت والقيم.

وهنا، وجه طالب ثالث سؤالاً إلى الحكيم: سيدي. إذا اقتضت الضرورة أن نضحي بأحد هذين الركنين الباقيين، فبأيهما نضحي.. بالقيم أم بالقوت؟ فقال الحكيم: يا بني. إننا، بالضرورة، نضحي بالقوت، ونبقي على القيم.

إلا أن طالباً رابعاً أخذه العجب، فسأل الحكيم سؤالاً كان آخر الأسئلة: لماذا نضحي بالقوت.. أليس هذا انتحاراً للأمة؟ فقال الحكيم: لا تأسف يا بني إذا ذهب القوت وبقيت القيم، فبالقيم يعيش أفراد الأمة. وبين الأمة وأفرادها ندبر القوت ونوفره، ونعيد بناء الجيش وندافع به. أما إذا ضاعت القيم، فقد ضاع القوت، وضاع الجيش، ولا سبيل إليهما بعد ذلك كله إلا بإعادة القيم(1).

ويلاحظ العالم والمفكر المرموق، الدكتور عبد الله عبد الدائم، أن "شرارة التقدم والحضارة، هي دوماً، وليدة اللقاء بين قطبين: الأول هو قطب الإيمان برسالة والعزم على بناء تجربة إنسانية جديدة، والثاني هو قطب المهاد العقلي والعلمي والتكنولوجي الذي يقدم لذلك الإيمان أسلحته، ويرسم لـه سبل الوصول إلى الأهداف(2)". وكذلك، يقرر العالم والمفكر المرموق، الدكتور جلال أمين، أن نهضة عامة كالتي تستهدفها البلاد الفقيرة لا يمكن أن يتصور حدوثها نتيجة لتغيرات ميكانيكية صغيرة منعزلة كتلك التي يمكن أن تحدثها سياسات اقتصادية، بل تحتاج إلى قوة رافعة قادرة على أن تمتد إلى كافة جوانب الحياة الاجتماعية. هذه القوة لا بد أن يكون مصدرها غير عادي، بل والأرجح أن يكون "محركها الأول" لا يمت للاقتصاد بصلة. إن المهم أن يشتعل حماس الناس لقضية يعتقدون بعدالتها أو سموها أو إلحاحها أو كل هذا معاً، فتهون التضحية، ولا يفكر الفرد في نفسه بل فيمن حوله، وتتعلق الأبصار كلها بالمستقبل، وتعود للناس ثقتهم بقدرتهم على النهوض من جديد(3).

ومن الواضح أن "الرسالة" التي يتحدث عنها الدكتور عبد الدائم، و "القضية" التي يتحدث عنها الدكتور أمين، ليستا في الواقع إلا مجموعة من القيم الرفيعة، مثل: طرد المحتل، وإقامة العدل، وحفظ الكرامة.

بل إن الخبير الدولي في الإدارة، الدكتور ستيفن كوفي (وهو صاحب كتاب "العادات السبع" الذي ظل في معظم تسعينات القرن العشرين مدرجاً في قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في العالم)، يرى أن الميزة التنافسية لأية أمة لا تكمن في إمكاناتها المادية، بل في قيمها وأخلاقها(4).

ولقد عني الفلاسفة، منذ بداية القرن العشرين، بدراسة القيم من خلال بحثهم في الأحكام المعيارية.. إذ ظهرت (آنئذ) التفرقة بين مجموعة العلوم الوضعية Positives ، والعلوم المعيارية Normatives.. فأحكام العلوم الوضعية أحكام تصف الواقع، أما أحكام العلوم المعيارية فهي تبحث فيما ينبغي أن يكون عليه سلوك الإنسان كي تتحقق القيم التي تفترضها هذه العلوم.. فالمنطق ونظرية المعرفة غايتهما الحق، والأخلاق غايتها الخير، وعلم الجمال يبحث في الشروط الكفيلة بتحقيق الجمال. وهكذا، كانت هذه العلوم المعيارية تفترض وجود القيمة المناسبة لكل منها، ولكنها لا تبحث في ماهية القيمة، بل في ظروف تحققها، أما الاهتمام بالقيمة في حد ذاتها وفي معنى وجودها، فإنما هو موضوع معاصر يلقى اهتماماً كبيراً، ومن وجهات نظر مختلفة(5).

وسنتناول بالبحث هنا: مفهوم القيم، والقيم هوية للأمم، وتصنيف القيم، والقيم

/ 141