الندوة السنوية لجمعية البحوث والدراسات أبحــــاث ( مجموعة باحثين ) دمشق / الثلاثاء - الأربعاء: 8:- 9/10/2002 م " العرب وتحديات المستقبل " رؤية وموقف العرب وتحديات المستقبل رؤية وموقف أ.د.حسين جمعة^* ما يزال السؤال الكبير يراود خلد كل مثقف حر ومفاده: لماذا أخفق العرب حتى الساعة في ابتداع نهضة حضارية معاصرة وأصيلة؟ وما الذي يختلفون فيه عن اليابان التي تحررت بعد عدد من الدول العربية، ولكنها أحدثت ثورة عالمية في العديد من المجالات؛ وبخاصة ما يتعلق بالتقنيات، بينما انكفأت الدول العربية على ذاتها، ولا تني ترفع عقيرتها للتحرر من القهر والتجزئة والعبودية والتخلف؟!! ما البرامج التي وضعتها كل دولة -في غياب التضامن الحقيقي العربي لما عزَّ تحقيق الوحدة -حتى أبقتها في هذا المستوى المتواضع من التقدم المعرفي والفكري والفني والتقني والاقتصادي....؟! ومن هنا يبرز سؤال آخر: إلى أي مدى استطاع الواقع الراهن المفزع للعرب أن يشدهم إلى الوراء بعد أن صار المشروع الصهيوني استعماراً سرطانياً استيطانياً يهدد الوجود العربي وتقدمه الحضاري بعد أن شدد قبضته على فلسطين المحتلة، فقتل وشرد وخرّب... وما يزال يقوم بهذا كله؟!! هل التقدم الحضاري مرتهن لدى العرب جميعاً بالتخلص من هذا الخطر الداهم، والشر المستطير الذي استظل بمظلة الإمبريالية العالمية الممثلة اليوم بالاستكبار الأمريكي؟! وإلى متى ستبقى أولوية العربي مشدودة إلى تسخير كل شيء للمعركة المصيرية فقط، على إيماننا بأهمية ذلك؟! إن كل ما يحيط بالعرب آخذ بالتطور السريع في شتى المجالات، والزمن لا يعبأ بالعجزة والجهلة والمتخلفين.. فهو لن يترك لهم الفرصة لالتقاط الأنفاس. ولعل المراقب المنصف لما يجري في عالم اليوم لا يشك لحظة واحدة في أن التصور العلمي الدقيق عند العرب ما زال عاجزاً، لأنه ينتهي بردة الفعل الطبيعي كل يوم إلى الارتماء في أحضان العولمة الجديدة. فهو لا يملك حرية الإرادة المبدعة لإنتاج الفعْل المبدع في صميم ما تقدمه تلك العولمة التي طمست حتى اللحظة ما يقل عن أربع مئة من ثقافات العالم.. وهي تشدد النكير والحرب على الثقافة العربية والإسلامية، بل يصفها أرباب العولمة في الدوائر الإمبريالية ولا سيما في أمريكا بأشنع الأوصاف، أقلها إنها إرهابية عُصَابية تنتهي بأبنائها إلى صراع حضاري حتمي مع الحضارات الأخرى، وليس (صموئيل هنتنغتون) صاحب كتاب (صراع الحضارات) عنا ببعيد. ولعلي واحد ممن يؤمنون بحيوية الأمة العربية وقُدْرتها على النهوض من جديد على الرغم من أن ما أشرنا إليه في السطور السابقة قد أسهم -من دون ريب -في تدني التنمية الديمقراطية والاقتصادية والاجتماعية والمعرفية والتقنية.. إذا لم نقل: إنها متخلفة، فضلاً عن تدهور كثير من القيم والفضائل النبيلة، وترسيخ بدائل عنها.. فقد أخذت العولمة الجديدة تنتج أخلاقيات قائمة على مفهوم استهلاكي مادي صرف يبيح للإنسان إرواء غرائزه بغض النظر عن العادات والتقاليد الخاصة لمجتمعاتنا، ومن ثم بغض النظر عن قيم الخير والفضيلة التي دعت إليها الديانات والشرائع.. وأسست لاتباعها في تعاليمها. ولذلك كله فإن هناك تحديات متعددة وعظيمة الشأن تواجه العرب كينونة وجود قبل أن تواجههم كينونة تقدم حضاري في المستقبل عن الصُعُد كافة؛ الصعيد السياسي والاقتصادي والفكري والثقافي والأخلاقي والاجتماعي، والمعرفي والتقني والعسكري.. والفني والأدبي واللغوي... ومن هنا نشير إلى أن التحدي السياسي الأعظم الذي يواجه العرب إنما يتجسد