بقلم: حواس محمود اعتمدت الثقافة في تطورها وانتشارها خلال مراحل التاريخ الإنساني على التكنولوجيا اعتماداً كبيراً، فاستخدمت التواصل الإنساني المباشر في المراحل الأولى للتطور البشري. ثم استخدمت الإشارات والحركات، ثم حكايا الجدات والأجداد والروايات الشفهية، ثم الكتابة والفيلم السينمائي، والبث الإذاعي والتلفزيوني، وصولاً إلى محطات الإرسال والاستقبال، والقمر الصناعي، والكوابل، والحاسبات، ومراكز المعلومات وغيرها، وخلال مسيرة الإنسانية الطويلة كانت التكنولوجيا بمختلف درجاتها وأنواعها وأساليبها تنقل الثقافة وتنشرها، تؤثر تأثيراً فعالاً في بنيتها، وتتيح لها التأثير في تطور المجتمع كله، وانتقاله من مرحلة اقتصادية اجتماعية إلى مرحلة أخرى، ويبرز دور التكنولوجيا في تكوين الثقافة أكثر ما يبرز بعد التطور التكنولوجي الهائل في التكنولوجيا عامة، وتكنولوجيا الثقافة خاصة، ماذا نعني بتكنولوجيا الثقافة؟... تكنولوجيا الثقافة هي الأدوات والمنتجات والنظم والأساليب التي تساهم في إنتاج الثقافة ونقلها ونشرها سواء كانت صناعات أو أجهزة أو أدوات أو حواسيب أو مراكز معلومات أو بنوك معلومات أو أقماراً صناعية أو كابلات أو محطات إرسال واستقبال وغيرها، إضافة إلى أساليب تشغيلها ونظم التعامل معها. ولقد أصبح من الحقائق الثابتة في يومنا الراهن أن للتكنولوجيا تأثيراً كبيراً على نوع الثقافة وقوة انتشارها، ومدى تأثيرها، واستطراداً على وظيفتها الاجتماعية، ولعل خير مثال هو اختراع الطباعة "غوتنبرغ" الذي أدى إلى نشر المعرفة والأفكار على نطاق جماهيري وتداولها وتغيير وعي الناس وتطويره، مما ساهم في التأسيس مع أسباب أخرى وظروف أخرى لانهيار النظام الإقطاعي الذي كان سائداً ـ وقتئذٍ ـ وتدميره، كما ساهمت تكنولوجيا التصنيع في تغيير بنية الثقافة ومدارسها في المرحلة الرأسمالية، وكان لظهورها تأثير مباشر على سطوة الأكليروس الديني وسلطته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وخاصة بعد انتشار شعارات الإيمان والعلم، كما تغيرت النظرة إلى الفن والأدب، وظهرت تيارات فكرية جديدة لها مضمونها ومنطقها ومنهجها، وها نحن نشهد مع تطور التكنولوجيا الاتصالية انتشار الثقافة الاستهلاكية في كل مكان من العالم وازدهارها، وهكذا فقد أثرت التكنولوجيا في جميع عناصر منظومتها (في نمط الإدارات الثقافية، بنية المعرفة، والأسس والمبادئ التي تقوم على هذه المعرفة، وقاعدة القيم التي تنطلق منها). ولا يمكن النظر إلى هذه التغيرات الهائلة على أنها مجرد تغيرات تكنولوجية بحتة، فكما تؤثر السياسة والاقتصاد على الاختيارات التكنولوجية، فكذلك للتكنولوجيا نتائج وتأثيرات سياسية واقتصادية، فالأساليب الفنية الجديدة هي مظاهر للتغير وعوامل له، وقد يكتشف أي