يذهل المرء المعجزة الإعلامية التي أصبحت أحد أبرز حقائق القرن الحالي، ويستغرب مدى قوة وفاعلية هذه المعجزة في التأثير على قيم وسلوكات وشخصية الشباب، لذلك سعت الكثير من القوى المعادية للسيطرة على هذه المعجزة، وتحويل هذا الإنجاز الإنساني العظيم إلى أداة لتطويع الشعوب والمجتمعات والسيطرة عليها من خلال تنميطها بأسلوب جديد في الحياة، يخدم مصالحها الاقتصادية والمادية ويتيح إمكانية استلاب هذه الشعوب وتهميشها. ومن هنا برز الإعلام كأهم الأسلحة في عالمنا المعاصر، وهو أشد قوةً وأشد فتكاً بمجتمعنا العربي الإسلامي من أي سلاح آخر، فقد استخدم كأداة للابتزاز والسلب وطمس هوية الآخرين وذواتهم. وصحيحٌ أن وسائل الإعلام العربية شهدت تطوراً كمياً بارزاً في شتى مجالات الإعلام ولا سيما التلفزيونية والفضائية، إلا أن الملفت للنظر أن هذا التطور الكمي لم يواكبه تطور في مجالات البحث الإعلامي، ولا سيما البحث الذي يهتم بمعرفة الجماهير المتلقية، وماذا تريد من هذا الإعلام وردود فعل الجماهير، وأثر وسائل الإعلام العربية عليها. وهذا ما أدى إلى أن تعيش وسائل الإعلام العربية أزمة مصداقية، وأزمة ثقة تجعل الشباب العربي ينصرف عنها ويتجه نحو وسائل الإعلام الأجنبي، والتي بدأت مؤخراً بالنفاد المباشر للشباب العربي مما شكل خطراً حضارياً على الإنسان العربي، الذي أصبح مهدداً بأفكار وقيم تصرفه عن جذور ثقافته العربية العريقة. وبما أن إعلامنا العربي بتواضع إمكانياته المادية والفنية، يلجأ إلى سد الفراغ وملء ساعات البث بمادة إعلامية قديمة من مسلسلات وسواها، تشترى بثمن زهيد أو توزع على تلفزيونات العالم الثالث مجاناً من قبل المنتجين بعد أن استنفذت أغراضها لديهم، وذلك طمعاً في قيمتها الدعائية، مما يجعل الشباب يتوجه إلى الإعلام الخارجي الذي يحمل لـه التسويق والإثارة والغنى والتنوع والمتعة وهنا تكمن الخطورة في احتكار الإعلام العالمي التجاري لجمهور الشباب، بما لا بد أن يؤدي معه، إذا استفحل الأمر وطال أمده إلى تراخي الانتماء الوطني ووهن المرتكز الثقافي الذي يشكل أساس الهوية. والأسوأ من ذلك أن الإعلام العربي في بعض الأحيان يذهب لأبعد من ذلك، فنجده متأثراً بوسائل الإعلام الأجنبية، متجهاً لمحاكاتها في أفكارها وقيمها وممارساتها المناوئة لطموحات وأهداف الأمة العربية، حيث إنها تتلقى معظم أخبارها وقصصها وأفلامها ومسلسلاتها من مصادر غربية أو شرقية تحمل الحقد والعداء والكراهية للأمة العربية، بالإضافة إلى جهله لأخطار الوسائل المضادة، وإخفاقه في الرد على البرامج الدعائية والمغرضة التي يبثها أعداء الأمة العربية ولا سيما فيما يتعلق بقيم وممارسات وأخلاق الشباب. ونتيجة لهذه الأهمية لوسائل الإعلام في التأثير بالشباب العربي، وانطلاقاً من أخطارها الكبيرة، وجب على الإعلام العربي الوقوف عند عدة حقائق تعينه في معركته غير المتكافئة، وتساعده على تحصين شبابه وحمايتهم من الأخطار المحدقة بهم. ولا بد لكي يتم ذلك في الاستفادة من إمكانيات تكنولوجيا المعلومات والإعلام الهائلة وتوظيفها لأغراض التربية والتأهيل والتوعية والتثقيف وتكوين إنسان الغد، والارتقاء بنوعية الحياة. ولا بد من محو الأمية الإعلامية، وذلك بتأهيل الأهل لتوجيه مشاهدة الأطفال وتحويلها إلى عملية شغل ثقافية، حيث إن التحصين الثقافي على الصعيد الإعلامي يستلزم مشروعاً حضارياً يمد القنوات الوطنية ببعض وسائل القدرة على منافسة الإعلام الفضائي ورد أخطاره وتهديداته.