بفضل حركة التعريب عامة، وتعريب علم الحاسوب والمعلوماتية خاصة، أمكن استخدام هذه الآلة الجبارة في خدمة اللغة العربية، بعد أن بذلت جهود مضنية لتطويع اللغة العربية للتعاطي مع هذه التقانة العالمية المتطورة(19). وقد أُقيمت ندوات ومؤتمرات للغويات الحاسوبية كان آخرها في دمشق سنة (1996). وقد انصبت معظم أبحاث تلك المؤتمرات على الترجمة الآلية والفهم الآلي للكلام وصناعة المعاجم(20). كما نشطت في هذا الميدان حركة تعريب البرمجيات بنقل ما يمكن نقله منها إلى العربية. وفي إطار حوسبة اللغة العربية أنشئت مصارف المصطلحات العربية، وأهمها: (البنك الآلي السعودي للمصطلحات-باسم) الذي جعل من أهدافه: إعداد معجم آلي لخدمة لترجمة العلمية والتقانية. ويضم هذا المعجم ما يزيد على أربع مئة ألف مصطلح علمي(21)، ولولا التعريب لما أمكن أن تعمم معظم الدول العربية تعليم الحاسوب في مدارسها المتوسطة والثانوية. حيث لغة التعليم هي العربية فقط. نعم هذا ما أنجزه التعريب: -مصطلحٌ لغوي كاف إلى حد مقبول. -أساسٌ للغةٍ عربية علمية. -حركةُ ترجمة متواضعة. -نشاط معجمي متتام. -حوسبة للغة العربية وإدخالها ميدان المعلوماتية. وهذا كله في وجه حملة ظالمة من تحفظ المتحفظين ومعاداة المعادين. فهل يمكن أن نتصور مستقبلاً لثقافة عربية دون هذه الإنجازات اللغوية والثقافية-على ضعفها؟
3-أثر التعريب في الإنتاج الصناعي والتقاني:
تدل الملاحظات العابرة كما الدراسات المعمقة على أن تقدم العلمي والتقاني لمجتمع ما لا يتم إلا في مناخ علمي وبيئة علمية عامة، أي لا يتم إلا إذا صارت المعرفة العلمية جزءاً من تكوينه ومن صميم نسيجه، ولا يمكن أن يصبح العلم من نسيج المجتمع إلا إذا صار متاحاً لكل أبنائه فقيرهم وغنيهم، خاصتهم وعامتهم، وبمعنى آخر أن يصبح التعليم ديمقراطياً، ولا تتحقق ديمقراطية التعليم إلا إذا كان بلغة الأمة، لأن جعل التعليم بغير لغة الأمة سوف يحمله تكاليف لا يقدر عليها إلا القلة، وبذلك يبقى العلم محصوراً في فئة محدَّدة، ولن تتمكن شريحة صغيرة من المجتمع أن تصنع التقدم العلمي والتقاني في مجتمعها حتى لو امتلكت العلم، لأن التقدم العلمي والتقاني لا يصنعه العالم أو الباحث فقط، بل لا بد معه من المهندس والعامل والإداري، ودون هذه المجموعة المتكاملة لا يستطيع عالم إنجاز تقدم ملموس، لا سيما أن التقدم العلمي صار مؤسسياً بعد أن كان فردياً، ولا يمكن إشراك هذه العناصر البشرية معاً في مشروع تقاني أو صناعي ما لم يكن بينهم لغة مشتركة(22)، ولا لغة توحد بينهم إلا العربية، وبمعنى أوضح لن يكون عندنا تقدم صناعي أو تقاني ما لم نجعل المعرفة العلمية متاحة للجميع، الأمر الذي لا يمكن تحقيقه إلا إذا كان التعليم بلغة الأمة.
خاتمة:
نخلص من كل ما سبق إلى أن مكونات الثقافة جميعها من قيم ومعتقدات، ومن إنتاج علمي وأدبي، ومن منتج صناعي وتقاني، لا يمكن أن تكون عربية وفعَّالة ومبدعة إلا إذا كتبت ونشرت وأنجزت باللغة العربية، الأمر الذي لا يتحقق إلا بالتعريب، تلك الجبهة المنسية من جبهات نزالنا مع الثقافات الأخرى، لنضمن لثقافتنا مشاركة معقولة في الحضارة الإنسانية، لأنه لا مستقبل لثقافة لا تقدم إسهاماً مقبولاً في حضارة عصرها.