أ.عدنان الرفاعي الثقْف هو الأخْذ والغَلَبة والسيطرة.. واقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ (البقرة: من الآية 191).. من هنا، فثقافة الأمة هي ما يقع تحت يدها من معارف، وما تكتسب من العلوم والآداب والفلسفة وكل ألوان المعرفة بشتى أشكالها.. وفِكْر الأمة هو آلية تدبرها وتفاعلها مع المعارف، ومنظارها إلى ألوان المعرفة بشتى أشكالها، وبالتالي هو المنهج الناظم لطرق التعقل والإدراك في استنباط المعرفة، وهو معيار الأمة في تفاعلها مع هذه المعارف.. .. ولذلك ففكر الأمة هو- في الحقيقة- منظومتها الثقافية، والقوة الموجهة لتفاعل أبنائها مع المعارف.. فالحديث عن المنظومة الثقافية العربية هو- في النهاية- حديث عن الفكر العربي وأسسه ومقوماته.. وحتى نبحث في المنظومة الثقافية العربية بحثاً هادفاً مفيداً، لا بد من الوقوف على أهم الأسس التي بُني عليها الفكر العربي عبر التاريخ، وعلى إيجابيات الحركة التاريخية الفكرية العربية، وعلى سلبياتها، للاستفادة في تقييم الواقع الثقافي العربي، ولاكتشاف قوانين الحركة التاريخية الخاصة بهذه الأمة.. .. قبل نزول القرآن الكريم، كان الشعر العربي المادة الأولى للثقافة العربية، والبحر الأوسع الذي تبحر به مراكب التواصل الثقافي بين أبناء الأمة.. ولكن.. بعد نزول القرآن الكريم وتراجع المد الشعري، مقارنة مع مرحلة ما قبل نزول القرآن الكريم، بدأت مرحلة ثقافية جديدة، تم فيها فتح آفاق ثقافية لم تكن معلومة قبل نزول القرآن الكريم. فما يحمله القرآن الكريم من تبيان للأشياء في هذا الكون، ابتداء بنظرية تشكل الكون، وانتهاء ببعض جزئيات السلوك العام، وضع الأمة في ساحة ثقافية جديدة، ناظمها الثقافي الأول، ومعيارها اللغوي الأول، هو القرآن الكريم ذاته.. وفي العصر العباسي بدأت مرحلة ثقافية، امتزجت فيها بعض ألوان الثقافات الأخرى مع اللون الأساسي للثقافة العربية، فتم تفاعل ثقافي أدى إلى ترجمة بعض فلسفات الأمم الأخرى وعلومها.. وغدت- في تلك المرحلة- ساحة الثقافة العربية تربة خصبة لإنبات