يؤكد الباحثون والمهتمون بالشؤون الإعلامية والتكنولوجية والسايكو لوجية على أن التكنولوجيا وبخاصة الحواسيب الشخصية والمسجلات "مسجلات الفيديو"، وبعض منجزات الإلكترونيات الأخرى تقوي الفردية لدى الناس، وتضعف روح الجماعية، وكثافة الاختلاطات المباشرة، إن موجة التكنولوجيا والمعلوماتية تبرز على السطح ضروباً من الاغتراب والاستيلاب عامة ولاسيما ما يسمى باغتراب المعرفة و"الاغتراب المعلومي"، ولعل أحد جوانب هذا الاغتراب شعور الشخص بدونية أو تقصير، أو نقص تجاه بعض إمكانات الآلة المتنامية باستمرار، ويرى البعض أن المنطق الآلي الصارم، وتعامل الإنسان معه قد يؤديان مع الزمن ومن الوجهة السيكولوجية على الأقل إلى فقدان حس الإبداع أو المقدرة عليه، لنتذكر أهمية الخيال والأحلام واللا شعور واللا وعي وكافة أشكال الخروج على المنطق والمألوف السليم، أيضاً أهمية ذلك كله في تاريخ الإبداع والاختراعات البشرية المرموقة، ومن المظاهر المنتشرة في عصر المعلوماتية والتكنولوجيا، والتي تساهم في تنمية العزلة الاجتماعية أو تشارك في إنشاء واقع اصطناعي بديل للواقع الفعلي، الألعاب الإلكترونية وموديلات ونمذجات الواقع إلكترونياً، ولاسيما في ظل انتشارها جماهيرياً، وبالنسبة لمجال العمل والعاملين، فمن الواضح أن الحواسيب تطرد عدداً لا يستهان به من العمال من مجالات كثيرة ومتنوعة، وتنشر البطالة في صفوف واسعة من عمال اختصاصات كثيرة، كما أن التكنولوجيا الاتصالية تؤثر اجتماعياً على الناس، فكلنا يعرف الحرب الإعلامية بين الولايات المتحدة الأمريكية وكندا، وكيف أن فئات من المجتمع الكندي أصبحت لا تفرق بين الشرطة الاتحادية والجندرمة الكندية، وذلك لتأثير البث التلفزيوني عبر الحدود مع الولايات المتحدة الأمريكية، كما أن هيئة الإذاعة البريطانية قد رفضت إذاعة برنامج (شارع السمسم) الذي أنتجه الأمريكيون لأنه برأيها سيحمل إلى أطفال بريطانيا قيماً غريبة عنهم... ويمكن القول بأن من ملامح التحدي الاجتماعي في العالم العربي العزوف عن العادات والتقاليد الحميدة (بل وعن قيم الدين الحنيف) حيث أن أكثر برامج التوجيه الديني والقيمي، تأتي في أوقات غير مناسبة، وتكون مباشرة وفوقية وتخديرية بصورة جازمة مقابل عروض شيقة للرقص والتدخين والمخدرات وخوارق البطل الأمريكي أو المطرب الأوروبي الذي تتحلق حوله الحسان، ويتلمسن جسده ويقبلنه أحياناً وهن شبه عاريات، إضافة إلى ذلك هنالك ظاهرة شيوع الابتذال في التفكير، وتسطيح الفكر والإباحية، وإهدار الوقت وفساد الذوق، والشعور بالدونية لعدم استطاعة الشاب تحقيق ما يقوم به البطل الأمريكي من خوارق، كل ذلك قابل للانتشار أكثر من تطور التكنولوجيا خصوصاً وأن روادع الرقابة المستخدمة حالياً ـ التقليدية ـ لن تصمد أمام هذا التطور، ولن يطول الوقت بنا حتى تستقبل الفضائيات من دون صحون، أو نشاهد الأفلام الممنوعة عبر شاشة الكمبيوتر، وقد تؤدي التكنولوجيا المتطورة إلى سوء الاستخدام الأخلاقي، إذ أن البعض قد استخدم شبكة الانترنيت لوضع معلومات أو الإعلان عن أنشطة منافية للأخلاق العامة والآداب الاجتماعية المتعارف عليها، أو تلك المخالفة للدين، ولقد حدثت ضجة كبيرة حول هذه المسألة، ففي مصر ـ مثلاً ـ أثيرت قضية مجموعة من الشباب التي أطلقت على نفسها ـ أو أطلقت عليها وسائل الإعلام ـ اسم "عبدة الشيطان"، وما تردد من أنهم استخدموا شبكة الانترنيت في إقامة علاقات مع نظرائهم في دول أخرى، ويرى الدكتور علي الدين هلال أن الجدل حول هذه المسائل يعد استمراراً لنقاش قديم حول العلاقة بين حرية الفرد من ناحية، واحترام النظام الاجتماعي من ناحية أخرى، ويتساءل ماهي نقطة التوازن المناسبة التي تضمن حرية الإنسان، وتوفير البيئة الإبداعية، واختراعه، وضرورة احترام القواعد العامة للنظام الاجتماعي، ويجيب على تساؤله هذا