فساد و الاصلاح

عماد صلاح عبد الرزاق الشیخ داود

نسخه متنی -صفحه : 133/ 27
نمايش فراداده

تدعي، فتكون آلية الرشوى هذه سبيلاً لتبرير وتغطية السلوك الإجرامي كما لاحظنا.

جدير بالإشارة أن الرشوة قد تدفع من أسفل الجهاز الإداري إلى قمته لتحقيق سرية الأعمال اللا أخلاقية واللا قانونية التي يقوم بها الجهاز الإداري والتكتم عليه من قبل الرؤساء الإداريين الأعلى مرتبة. أو على سبيل المشاركة بين أسفل الجهاز الإداري وأعلاه (بريع الفساد). أو قد تدفع الرشاوى لما هو أدهى من ذلك حيث تستخدم للتكتم على سرقات كبرى وجرائم ضخمة مما يؤدي إلى تعريض المصلحة العامة للضرر البالغ.

وفي آخر المطاف وصف أحد السياسيين اللبنانيين ما تؤول إليه الرشوة بأنها عندما تكون سيدة في الدوائر، يعني أن تكون أسرة بلا بيت وقرية بلا طريق وضيعة بلا ماء ومريض بلا دواء وأن تتبوأ الأمية والجهل أعلى المراتب وتتبوأ اللا أخلاقية أخطر المناصب وأن يظل أقل من (1%) ينعم بالخيرات على ظهر بضع عشرات بالمئة من الأفراد الآخرين.

إن الرشوة تعني أن المواطن الذي يرى موظفاً يطالبه بها قبل أن يضع إمضاءه على ورقة سيصاب بالخيبة لأنه يرى أقدس مقدساته تطعن وتداس حيث عليه أن يدفع ثمناً للحصول على حق من حقوقه الشرعية كمواطن ليس من ماله فقط وإنما من ضميره.

وهنا تتضح الآثار السلبية للرشوة كآلية خطرة من آليات الفساد الإداري التي تنجم عن سوء تصرف الموظفين العموميين والتي بالنتيجة تفقد القانون سيادته في المجتمع.

ثانياً ـ المحاباة والمحسوبية (Nepotism & Favoritism):

وهي ثاني الصور التي نعرض إليها من خلال تحليلنا للفساد الإداري والناجمة عن محاباة الأقارب والأصدقاء، لذا نجد في دراسة للكاتب جيسن سكوت وهو يشخّص هذه الحالة ويطلق عليها مفهوم (الفساد الرعوي Parochial corruption) على أساس أن هذه الآلية تنطلق من روابط القربى والوضع الطبقي والولاءات التقليدية الضيقة التي تكون مخرجاتها تقريب طبقات وجماعات واستبعاد وربما اضطهاد جماعات وطبقات أخرى متأثرين بذلك بالأصول العرقية والاجتماعية. يذكر أن الآلية المذكورة مستشرية في عالم الجنوب بشكل واضح حيث نلاحظ أن (الفساد الرعوي) يظهر في تايلاند وكذلك في الهند(على سبيل المثال) لذا فالمتتبع لحالته في تلك البلاد يرى ازدياد السخط العام منه. نتيجة لتلك الفوارق الطبقية في التمييز.

لهذا يكون (بيتر وارد Ward) من خلال تحليله للفساد الناجم عن المحاباة والمحسوبية ضمن سياق المشكلة الاجتماعية في المجتمع الهندي قد تنبه إلى قيام ذلك المجتمع على اللا مساواة بين الطبقات العليا والدنيا منه ويذكر أن الموارد تؤدي إلى توسيع الفجوة بين تلك الطبقات والعلاقة فيما بينها بحيث يصبح (الحراك الاجتماعي) (Social mobility) إلى أعلى أمراً صعباً لوجود علاقات تبعية واعتماد، وحتى مع الافتراض بأن مجتمع الهند يشهد تحولاً اقتصادياً وتحديثاً للقواعد والممارسات التقليدية التي يعمل بها (شأنه شأن مجتمعات عالم الجنوب الأخرى) فإن المرحلة الانتقالية قد تساعد على تسويغ الفساد خاصة وأنها تساعد على حصول الفقراء على الموارد بدلاً من اعتمادهم على الشريحة العليا.

إن الدارس لآلية المحاباة والمحسوبية يجد أنها واحدة من أكثر الآليات خطورة والأصعب علاجاً. حيث أن استغلال المنصب الحكومي للاستفادة الشخصية لمصلحة الفرد ومحاسيبه دون وجه حق أحد أسباب الفساد الإداري الناتج عن سوء نية وسوء قصد مع سبق الإصرار عليه. لإعطاء حق من يستحق إلى من لا يستحق وأساس التمييز هو الصلة (العصبوية ـ القرابية)، وبذلك تستغل الموارد وتشغل المناصب من قبل غير المؤهلين مما يؤدي إلى الآثار السلبية المنعكسة على حياة المجتمعات نتيجة هذه الممارسات.

وبأنموذج يقرب الصورة إلى الأذهان بشكل واضح سنعرض لإحدى قضايا الفساد الإداري من خلال المحاباة لنرى كيف تم وضع أحد الأفراد أميناً عاماً على المال العام في مصر فغرف هو وأسرته بانتظام باستخدام آلية المحاباة بهدف الإثراء غير المشروع (الفساد).

حيث عرفت المحاكم المصرية واحدة من أشهر قضايا الفساد عندما قدمت لائحة الاتهام